غادة المعايطة - الأردن
مطلوب قصة رومانسية
مفكرتي العزيزة:
طلبت مني صديقة أن أكتب قصة رومانسية، ولتكتمل المصادفة لصالحي ولصالح ما أكتب، فإن اسم هذه الصديقة (عابدة). ولسمو هذا الاسم وما تحمله صاحبته من خلق نبيل (عابد وراكع وساجد لله)، فقد فرضت علي روح (عابدة) أن أحدد إطار هذه القصة الرومانسية بالشرعية والطهارة والمطلوب والذي يجب أن يكون، وصولا إلى موقع مناسب على جدار طليت مساحاته حديثا بألوان هادئة، تومض بها صور كوب شاي في يد سيدة ستينية تتأمل الحمائم التي اتخذت نافذتها مسكنا، أو تلة صغيرة انبثقت منها فوهات صغيرة لا ترى بالعين المجردة، دأب فيها النمل على خزن قوته لشتاء قادم أو ...، أو...، أو...
مفكرتي العزيزة:
كان من المفروض أن أقوم بواجب تقديم العزاء لإحدى ساكنات الحي التي توفي رفيق دربها بعد صراع مرير مع المرض، انتهى ضحية لا تحمل رقما في سجل أمراض هذا العصر. ولغاية غريبة في نفسي، كنت أتوق لمقابلة هذه الزوجة عسى أرى مساحات الحزن والفجيعة ترتسم بتلقائية وبطبيعية بعد أن غاب الشريك والرفيق.
كنت في الأسبوع الماضي في زيارة مماثلة لسيدة توفي زوجها بمرض القلب. لم يكن هناك (مساحات) من الحزن ولا (مساحات) من الفجيعة، وكأن المتوفى أحد أفراد طاقم المركبة الفضائية تشالنجر التي انفجرت بعد لحظات من انطلاقها.
وقبل شهر (وقد تكررت مسميات واجباتي تحت نفس العنوان: تقديم العزاء الذي يوحي بما لا يدع مجالا للشك اقتراب: حتى أناخ ببابه الجمال) كانت الزوجة تتذكر صديقات الصبا ووجوها غابت عنها عهودا: ولا فجيعة.
أقول من الصعب وليس من المحبذ أبدا أن تبدأ روايتي الرومانسية بهذه الصور. أحاول أن تلتقي الخيوط جميعها في كلمات تترجم ماهية علاقتي بما شهدت وما أعتقد أنه يجب أن يكون.
مفكرتي العزيزة:
أعود دوما لارتكاب نفس الخطأ، وهو في الحقيقة خطيئة، خطيئة الرغبة بأن يكون (الآخر) صورة عنك، على اعتبار أنك كامل وتنافس على أقرب حيز من الباري في جنة الفردوس. خطيئة أصل الشرور في سجل البشرية منذ استبد قابيل وسجل أول جريمة في التاريخ.
مفكرتي العزيزة:
تتشابك الخيوط مع أغصان الشجر وأشرعة السفن وأسلاك خطوط الكهرباء و...، و...، و...
المطلوب:
فكرة أو مدخل أو إلهام لحل إشكالية هذه الشبكة المعقدة بتعقيد المشاعر والأحاسيس والشعور والحب والعشق والهيام والتعلق الاستثنائي ومركبة فقدت فراملها فجأة عند منعطف خطير.
مفكرتي العزيزة:
بينما (أعتصر) أفكاري لرسم صورة واضحة يستوعبها أي إنسان طبيعي لا يشكو من إشكالية فلسفة الأشياء وتعقيد ما سهله ويسره الخالق، استمع لوقع خطواته وهو يغلق باب الشرفة وأسطوانة الغاز وباب غرفة الجلوس مرورا بشرب كوب ماء، وبقية الصورة المعهودة: تنظيف الآسنان ورشة من العطر وفراش اشترك بلون موحد لمزيد من الأناقة والسكون: لون الحليب الدافئ الطازج الذي وصل للتو من مزرعة ترعى قطعانها في أنقى هواء وأعذب ماء وأجمل قمر.
ويتسلل الألم، وأتوه في براري مجهولة لا يعرف لها ساكن، هجرها الطير فلا ماء، ولا ظل، ولا قوت حتى ولا سراب. صحاري بلا سراب، حزن بلا دموع، فرح بلا سعادة، حلم بدون ثلاثة حروف: ح. ل. م.
(تمشي وحيدا، وتموت وحيدا) أجمع أشلائي، وتنطلق هواجسي مع خيول برية تسابق أعاصير وفيضانات ثقب الأوزون. لحم وعظم (كتلة بشرية ناقصة) تمشي على عواطف مبتورة، وحرف واحد من كلمة ح ب اتكئ عليه ليحملني فيما تبقى من (قدر) لأكون كل واحد بين يدي رب العزة.
القصة (إياها) يا صديقتي: صرخة مكتومة لأنثى تحتج وترفض تهميش مشاعرها (القضية الأزلية). أنثى حلمت بالعيش بأمان في حمى زوج محب دافئ المشاعر لتصطدم بواقع ما هو (واقع) على الأنثى من تغييب وإنكار وربما لا شيء أو العدم. قصة استجداء مشاعر أو جزء من (الحس والإحساس)، ويزيد ألم القلب.
يقولون: "إنما هو يحمل في داخله مشاعر نائمة، أو غافية"، وأقول: "هو مقبرة للمشاعر مع حارس شديد غليظ لقمع أي (حس) من المرحوم."
إلى صديقتي عابدة:
أعتذر عن كتابة المطلوب...
◄ غادة المعايطة
▼ موضوعاتي