عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

فراس حج محمد - فلسطين

ركائز عملية التعليم الناجح


فراس حج محمديعد التعليم عملية هدم وبناء؛ فهي تهدم أسس العقل المكتسبة بطريقة غير صحيحة، وتبني محلها أسسا عقلية بآليات علمية وموضوعية مدروسة بعناية، وتكون منجزا لاختبارات ودراسات شتى، أخذت على عاتقها أن تلاحظ وترصد وتستنتج وتعدّ الإستراتيجيات، ولهذا كانت عملية التعليم عملية شاقة لمن أدرك مخاطرها، فأنت إن علمتَ بطريقة خاطئة، دمرت عقلا، وبالتالي تقضي على جيل كامل سيتلقى الأشياء والأفكار، ويتعامل معها بطريقة خاطئة، ضالة ومضللة.
ومن أهم الأسس التي يجب أن يُبنى عليها التعليم هو تحفيز التفكير لدى الطلبة بحيث يكون ذلك محور التعليم وتلقي المعلومات والمهارات، بحيث تبدو تلك المعارف متصلة ومتوافقة وعلمية وموضوعية، ويسهل الاستفادة منها في حياة الطالب، ويختبرها بنفسه عبر آليات التفكير التي يجب أن تستثار، وتقع هذه المهمة على عاتق ذلك المعلم الذي عرف دوره وسعى إلى إنجاز مهمته، وليس ذلك المعلم الذي ينظر إلى التعلم على أنه هو المجال المتاح للعمل وقبض الراتب وإنهاء المقررات وإخراج نتائج نهاية العام.

ونبدأ أولا بضرورة رسم إستراتيجية تعليمية قائمة على إشراك الطلبة كل الطلبة في الحصة الصفية، وذلك بمراعاة الفروق الفردية بينهم، وتكليف كل طالب منهم بما يناسبه من أنشطة، وأن ينوع المعلم بأساليبه التعليمية، وهذا يتطلب من المعلم أن يغير في الأسلوب الذي يتبعه في تنفيذ حصصه، وأن يحاكم تلك الأساليب وفاعليتها بعد كل موقف تعليمي، بحيث لا تكون تلك الحصص عبارة عن حصة واحدة مكررة الأسلوب والخطوات، وذلك بما يضمن تحقق الهدف التعليمي بكل جوانبه المعرفية والوجدانية.

ومن الضروري أن لا ننسى دور الوسائل التعليمية غير المعتادة والعمل على أن تكون تلك الوسائل مشجعة وجاذبة وإشراك الطلبة بتجهيز بعضها تحت إشراف المعلم، وعلى ذلك لا بد من التخطيط الجيد للحصة بحيث يكون في الحصة مفاصل مهمة تشكل محطات إعادة النشاط الذهني للطلبة بإثارة الدافعية بأسئلة مثيرة للتفكير.

وعلى الجميع، طلبة ومعلمين، حسن الاستفادة من البيئة التعليمية، وتوظيفها أحسن توظيف من أجل دفع الطلبة للمشاركة في الحصة، وما يتضمن ذلك من ربط الطلبة باحتياجاتهم الحقيقية وواقعهم الذي يعيشونه وتطلعاتهم وآمالهم وتحقيق ميولهم النفسية ورغباتهم، وأن يكون واقع الطلبة أو بيئتهم الصفية أو المدرسية مدخلا طبيعيا ومكونا أساسيا في عناصر التعليم بعيدا عن تكرار طريقة التوظيف أو عناصر الواقع ما أمكن ذلك، وأن يكون هذا التوظيف بمبادرة من الطلبة وحثهم على أن يكون ذلك الواقع منطلقا طبيعيا للتعلم.

ثانيا: حسن التعامل مع المنهاج الدراسي، ومراعاة الأهداف التي يريد المنهاج تحقيقيها، وذلك حسب المرحلة العمرية والصف الدراسي، ويحسن التركيز على المهارات الدافعة للتفكير والبعد عن التلقين أو اللجوء إلى تحويل المنهاج إلى نقاط جافة يلزم الطالب بحفظها عن ظهر قلب، مع العلم أن المنهاج غير محصور في ذلك الكتاب المقرر الذي يُوَزَّع على الطلبة في بداية العام الدراسي، فالكتاب المقرر لا يساوي شيئا أمام ما تتوقعه السياسة التربوية من المعلمين إنجازه في سبيل النهوض بعقليات الطلبة، فالطموح أبعد من حفظ الطالب جدول الضرب أو قاعدة نحوية أو تحليل بنية معادلة كيماوية، إن كل تلك المعارف أدواتٌ ووسائل إلى شيء أعظم خطرا، ألا وهو بناء الطالب بناء عقليا سليما، يساعد على فهم نفسه، والتعامل مع هذا الرصيد المعرفي والوجداني والمهاري في عالم مترامي الأطراف.

ولا بد أن يُدْرَك في هذا المجال أهمية الوعي على التجدد في المعرفة وعدم حصرها في مصدر واحد، وألّا تؤخذ تلك المعلومات الموثقة في الكتب المدرسية على أنها مسلماتٌ، بل لا بد من نقدها وتحليلها وإخضاعها للرأي العلمي الموضوعي؛ لتكون أرسخ في العقل والوجدان.

ثالثا: لن تنجح الركيزتان السابقتان في أداء الوظيفة التربوية التعليمية من دون شخصية المعلم، فشخصيته وتعامله مع طلابه لها الأثر الأكبر في عملية التدريس، فلا بد أن يكون تعامل المعلم بشكل عام حيويا يتسم بالمرونة بعيدا عن التجهم والعصبية، ويعامل طلبته باللين والاحترام واحتواء بعض تصرفاتهم ليشعر الطلبة بالقرب الوجداني بينهم وبين معلمهم، والذي سينعكس إيجابيا على تقبلهم للحصة والمشاركة فيها، وأن ينوع المعلم في بداياته للحصص وأن يشعر الطلبة دوما بأن لديه جديدا لشد انتباههم ودفعهم ليكونوا معه دائما في كل الفعاليات التعليمية والأنشطة الصفية، وما يصاحب ذلك من التنويع في نبرة الصوت، وأن يُظهر المعلم انفعاله الطيب تجاه إجابات الطلبة، أو نشاطاتهم، أو يغير في نبرة الصوت إذا أراد الانتقال من موضوع إلى آخر أو فكرة وأخرى، وأن يعطي لحظة صمت مثيرا الطلبة لما سيكون بعدها، وليكن ما بعدها مثيرا حقا، فيكون تغيير طبقات الصوت حسب قوة الفكرة، وأكبر خطأ أن يبدأ الدرس وينتهي على نفس الوتيرة.

في ظني تلكم هي ركائز فعالة وناجحة تجعل التعليم عملية لصنع شخصيات قادرة على التفاعل مع التعليم كفلسفة ضرورية وحتمية لبناء أي مجتمع عصري، يسعى أبناؤه في كل طبقاتهم إلى إرساء قواعد علمية تنطلق نحو آفاق من النهضة والرقي المادي والمعنوي المطلوب.

وفي ظل هذه الركائز سيكون للإبداع مجال تشاهد ثماره في نتاجات الطلبة، وتساهم في خلق أجواء من التنافس الحقيقي، لا مجرد إبداعات تخرج على شكل حالات فردية هنا وهناك، وليتحمل الجميع مسؤولياته ليكونوا بنائين مهرة لمجتمع بكامله، لن يُصلح حاله بدون التعليم الحقيقي القائم على استثارة التفكير، وهذه هي رسالة كل معلم يعي دوره، ويعلم أنه يقف على ثغرة لن تُسد إلا بعمل دؤوب مخطط له بعناية فائقة، فهل نحن مستعدون لذلك؟

D 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011     A فراس حج محمد     C 6 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

تهنئة بالعام الجديد

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 67: هارد لك (*) يا شباب

لا وقت للحلم هنا

الإبداع والحقيقة في الأدب الكولونيالي