سناء صـويلح - الأردن
شمس: قصة فتاة تحدت الحياة لتصل
دارة المشرق - الأردن: مسابقة 2008
:: عود الند تبارك لسناء صويلح فوزها في مسابقة دارة المشرق 2008 ::
الفقدان: إحساس يشعرك باليتم وسط غربة الروح، فتدميك أصابع الاتهام الموجهة من الأقرب إليك من ظلك. اسمها يقترن بنور وجهها، وحروفه نسجت من خيوط السماء. شمس: هبة من السماء وحب أرسل إلى الأرض.
شمس، بملامحها الزرقاء الروحانية وتفاصيلها الأسطورية، كتبت خرافة الماضي على لوح الحاضر لتخط قصة حرمانها الأيّارية. دخلت شمس دائرة الأيام دون اللجوء لأضلاع البشر. حفظت اللعبة جيدا، ولم تكن حجر نرد في لعبة الزمن الغدّارة. ولم تكن تعلم أن دخول الدائرة يحتاج إلى شراسة أسد، وصمود جبل وغدر بحر.
تناثر الخوف في عيني شمس، فدخول مدينة الأحزان يعني الخروج من حدود الشعور والأزمان. كل شيء فيها يعني أنك منفي بلا وطن.
مدينة الأحزان. إنها مدينة السقوط إلى الأعلى، والاقتراب من النهاية، نهاية الحب والذكريات والألم الجميل. وشمس تكره النهايات كما لم تكره البدايات من قبل، وقطعت المسافات لتصل دون أن تصل، وتنفث أنفاسها عند مفترق طرق تائهة ضائعة وسط زحام بشري ساذج.
افترشت شمس رصيف الضياع وسادة لهمّها اللئيم، واتخذت من برد القسوة ندىً لدموعها الحارقة. عند مفترق طرق —وما أكثر طرق الشتات! وقفت شمس متحدية. لا بد أن تجد نوراً ولو بعد حين. هذا هاجسها الوحيد، ثم أكملت طريقا عشوائي الحصى بخطوات صلبة.
فجأة توقفت وأدركت أن مدينة الأحزان لا تنتهي، فماذا تفعل وهي منذ البداية أقسمت أن تكمل مشوارها مهما أرهقتها الطرقات وعاندها القدر؟ خشيت شمس الاختناق، فمدن الأحزان رحابها ضيقة، وهواءها رغم نقائه إلا أنه غير صافٍ.
"لا بد أن أموت واقفة." عصفت هذه العبارة بأفكارها لتجبرها على إكمال مسيرتها كنحلة تنتقل بين بساتين الأمل بوشاح من الخوف، لكن استوقفها نور ساطع يبدو بعيدا.
خافت شمس أن تمنعها جراحاتها المدوية في حدود جسدها عن الوصول لغايتها، ولكنها اصطبرت وتحدّت وتجبّرت. وكلما اقتربت في خطوتها ابتعد الضوء أكثر. تابعت شمس مسيرتها متفائلة مصطبرة تنتظر الخير لعله يزورها ويمسح دمعتها، فلم يعد لها سوى الحزن وبصيص أمل متناثر على طرقات المجهول.
استعادت شمس ذكريات زمن مرّ ولم يمض بشريط عالق في ذهنها. تارة تضحك، وتارة تبكي، وتارة أخرى تأخذها الدنيا إلى حيث اللامكان، فتتناثر ذكرياتها كحبات ثرى في ليلة ممطرة تعصف بخيالها.
استيقظت شمس من يقظتها على إناء عرقل سيرها، فوقعت أرضاً. ولكن شيئا داخلها أوقفها من جديد لتمسك بالإناء وترى ما بداخله. كان صغيرا، بالياً، فيه شروخ، كما قلبها الرقيق. نظرت شمس إلى داخله فوجدته عميقا كما البحار، واسعا كما السماء، أهواله كمصائب بركان، الأفاعي تتلوى فيه، والعقارب تتزاحم نحو الأعلى، وعلى الرغم من هذا وذاك، إلا أنه صغير.
تركت شمس الإناء مخلفةً إياه لمن يدخل بعدها دون أن تكسره، فقد تذكرت قول جدتها: "لا تخافي المصائب، فما أحب الله عبداً إلا وابتلاه، فاتركي مصائبك خلفك ولا تنظري إليها. بل اجعلي من خلفك يراها، يحسها، لعله يسير بجانبك تاركها لمن قبلكم."
شمس. نعم كان لاسمها نصيب منها. أحبت الحياة مع أن الحياة كرهتها. صبرت حتى عجز الصبر عن تحملها.
شمس. تلك الوردة التي نمت وسط أشواك الغدر، أكملت طريقها لتصل الضوء المنتظر: الحرية. نعم، هذا ما تمنت بعد أن خاضت حربها في دائرة الحياة، وكسرت حاجزا بينها وبين إناء الصعوبات، لتصل بداية الطريق، طريق الحرية لتبدأ مسيرتها من جديد.
شمس الآن تسكن في السماء. تحبها كل النجوم، ويحترمها القمر، فحياتها قصة صراع مع القدر.
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ