عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 6: 60-71 » العدد 67: 2012/01 » الاحتقان السياسي والاجتماعي والسلطة

د. تيسير الناشف - الولايات المتحدة

الاحتقان السياسي والاجتماعي والسلطة


تيسير الناشفمن السمات الرئيسية لحياة كثير من المجتمعات البشرية أنها متأزمة. ومن أسباب ذلك التأزم انعدام الديمقراطية وعدم اقتران العمل بالكلمة والضحالة والتسطيح الفكريان والاحتقان الفكري والاجتماعي والنفسي وانعدام المساواة وحرمان المرأة من قدر كبير من الحقوق. وتختلف تلك المجتمعات بعضها عن بعض في مدى ذلك التأزم.

نظرا إلى القيود الحكومية وغير الحكومية المستمرة في مختلف المجالات فإن قسما كبيرا من البيانات الشفوية والمكتوبة في مختلف اللغات لا يعبر أو لا يعبر بما فيه الكفاية عن الواقع الاجتماعي التاريخي والنفسي للشعوب الناطقة بتلك اللغات. وينطبق ذلك على الواقع العربي. ذلك القسم معزول جزئيا أو كليا عن ذلك الواقع.

يمكن للديمقراطية أن تكون بناءة في ظروف سياسية واقتصادية وثقافية معينة في تخفيف – ولا نقول إزالة – التأزم الاجتماعي. ومما أسهم في حالة التأزم السياسي العربي وفي إقصاء نظام الشورى والنظام الديمقراطي هو أن الشعب العربي خضع أو أخضع منذ قرون لحكام أجانب غرباء أخضعوا الناس باستبدادهم وسطوتهم وبطشهم.

ومما يسهم في تأزم الحياة العربية أنه تنتشر في صفوف هذه الشعوب على تفاوت مؤسسات اجتماعية وسياسية، مثل الطائفية، تنافس وتزاحم السلطات التي ينبغي أن تكون ممارستها مقتصرة على الدولة. وتنتشر أيضا التيارات السياسية والاقتصادية الغربية والمنظمات الاجتماعية. يخلق انتشار هذه التيارات والمنظمات التضارب بين متطلباتها المتباينة دون أن تتوفر آليات المصالحة أو التعايش فيما بينها. وتتعمق التفاوتات بين شتى الطبقات الاجتماعية دون أن تتوفر آليات التعايش أو الإقناع الخالي من اللجوء إلى استعمال العنف. ويسود لدى جماعات غير قليلة الموقف المتمثل في "نحن" و"هُم". وتفشت الفردية المفرطة لدى قسم كبير من الناس، وهي الفردية التي لا تراعي الحدود اللازم مراعاتها ولا تبدي حساسية حيال الفئات الأخرى. وثمة قسط من الارتجال في اتخاذ القرار، ما يجعل القرار أحيانا كثيرة غير متصد على نحو واف لغرض تلبية الاحتياجات الضرورية للسكان.

وفي كثير من بلدان العالم النامي يسود مفهوم الرعية ولا يسود مفهوم المواطنة على الرغم من تشدق موظفي الدولة بها. والدولة النامية قوية وضعيفة في نفس الوقت: قوية تجاه رعايا الدولة، وهي تتدخل في المجالات التي يجب عليها ألا تتدخل فيها. ويتمثل ضعف الدولة في عدم النشوء والتطور الطبيعيين لمؤسسات الدولة، وفي عدم سلوك مؤسسات الدولة على النحو الطبيعي التقليدي والفجوة بين أفراد الشعب ومؤسسات الدولة. وكثير من أفراد المجتمع قلقون وخائفون.

ولا يُمارس قدر كاف من الحرية الفكرية. وما يسهم في تحقيق الحرية الفكرية وحرية الإعراب عن الرأي المختلف أو المخالف وفي شيوع النظام الديمقراطي نشوء المجتمع المدني القوي وتقليل تدخل السلطات الحكومية في شؤون المجتمع إلى الحد الأدنى الضروري. بيد أن المجتمع المدني غائب أو ضعيف في هذه البلدان. ومن أسباب ضعف أو انعدام المجتمع المدني احتواء السلطة الرسمية وغير الرسمية لنشوء هذا المجتمع. ومما من شأنه أن يسهم في إقامة المجتمع المدني نشوء الطبقة الوسطى. والطبقة الوسطى، على تفاوت تعاريفها، ضعيفة في المجتمعات النامية والمجتمعات المتقدمة النمو. وتعتمد الطبقة الوسطى في بعض البلدان العربية اعتمادا كبيرا على الدخل الحكومي و/أو الدخل غير الحكومي، ما يضعف ممارسة تلك الطبقة للتأثير في رسم وإدارة السياسات العامة.

ومما يسهم أيضا في تأزم الحياة السياسية للشعوب النامية تاريخها الحافل بحالات تولي زمام الحكم بالعنف والاستئثار بالسلطة وقهر متولي السلطة للناس وشيوع النظام الاستبدادي والإملائي والطاغي. وفي هذا المجتمع ما تزال مسائل الإمامة والخلافة مثار اختلاف وخلاف. ولا يطمئن الفرد المخالف على ماله ونفسه وحريته.

ولعل من الصحيح القول إن الحياة العربية ما انفكت متأثرة بنمط حياة العرب في العصر الجاهلي الذي كان من سماته نشوب المعارك الطاحنة التي كانت تدور بين القبائل.

وعلى أساس تعريف السياسة بأنها استعمال وسائل لاكتساب القدرة على التأثير بغية تحقيق أهداف معينة فإن كل شيء مُسيَّس في الحياة والمجتمع والدولة في كل أنحاء العالم. السياسة تُمارَس مثلا في العائلة والمدرسة والمصنع والجمعيات الخيرية. وفي إيجاد التأثير السياسي وممارسته تُستعمل مختلف جوانب نشاطات الحياة. وتتمثل إحدى الطرق لمعالجة ظاهرة التوق الشديد لدى بعض الشعوب، ولعل العرب جزء منها، إلى اكتساب القوة السياسية في أن تنشأ في المجتمع مهن كثيرة يكتسب المرء بتعلمها وممارستها المكانة الاجتماعية والسياسية العليا. وأحد أسباب التوق القوي إلى اكتساب القوة السياسية هو أن الناس يقرنون علو المكانة باكتساب هذه القوة. ولمحاولة تخفيف أثر اكتساب هذه القوة في رفع المكانة يجب أن تنشأ مهن تؤدي ممارستها إلى اكتساب تلك المكانة.

وبسبب استبداد المتولين للسلطة الرسمية وغير الرسمية وطغيانهم لجأ كثيرون من الناس في محاولة الإعراب عن أفكارهم وعن انتقادهم وشكاواهم إلى طريقة الإعراب غير المباشر وإلى تخفيف لهجة الانتقاد والشكوى.

ويخضع العرب نظما ودولا وشعوبا لدول غربية. والسبب في ذلك أنهم ليسوا متحدين، أي لا تقوم علاقاتهم السياسية والاقتصادية على أساس شكل اتحادي، وليسوا متحدي الكلمة وليسوا متضامنين حقا رغم تعرض شعوبهم للاعتداءات التي تستلزم توحيد الكلمة. إنهم اثنتان وعشرون دولة. ونأمل في ألا يرتفع هذا العدد بتجزئة جهات فاعلة غربية لعدد من هذه الدول. ومن الجلي أن توحيد الكلمة أو السياسة أو التقيد بالتضامن أو بالتآزر من شأنه أن يسهم في تحقيق وحدة الخط حيال الدول الأخرى وأن يعزز احترام الجهات الأجنبية للعرب وأن يكفل فعالية نفوذهم الاقتصادي.

وتنبع كثرة الأزمات وحالات الفشل من عوامل كثيرة. والعامل الأهم هو انعدام النظام الديمقراطي وغياب البنى السياسية والاجتماعية والفكرية والمؤسسية المتمتعة بقدر من الحرية في إطار النظام الديمقراطي. ومن هذه البنى الجامعات والمنشورات المستقلة، وحرية النقاش وتبادل الرأي والتبادل الحر للأفكار، والانتخابات الحرة، والأمن الغذائي، ومحو الأمية في صفوف الرجال والنساء وتحسين وضع المرأة، وحماية حقوقها بوصفها أما وبنتا وأختا ومخلوقة وإنسانة، وجعل اتخاذ القرار، وخصوصا القرار الذي له أثر قومي ومصيري، عملية تشارك فيها مختلف الهيئات والجماعات والأفراد، من قبيل مجلس الشعب، وهيئات إجراء التحليل والبحوث المستقلة المتوخية للموضوعية، وعدم حرمان الحكومة للمواطن من جنسيته.

وبسبب جهل الشعوب في شمال أفريقيا وجنوب غرب آسيا لقدر كبير من تاريخها وتراثها وبسبب التأثر المفرط بالفكر الغربي وبسبب الغزو الثقافي الغربي فإن قسما كبيرا من فكر هذه الشعوب المعاصر مقاطِع وجاهل لماضي وتراث تلك الشعوب. ونظرا إلى أن تلك الشعوب لا تعرف تراثها وماضيها بما فيه الكفاية فلا يمكن أن تنجح محاولاتها للتوفيق بين ماضيها وحاضرها. وبسبب التأثر المفرط بالثقافة الغربية فإن كثيرا من كتابات تلك الشعوب صدى للفكر الرأسمالي أو الفكر الوضعي في الغرب دون التيقن من مدى مناسبة هذا الفكر لاحتياجات تلك الشعوب. وقسم كبير من رموز التقدم والحضارة التي يشير إليها ناطقون بالعربية مستمد من الخارج وليس مستمدا من تراث شعوب تلك المنطقة وتاريخها وحاضرها على الرغم من كثرة العلماء والفلاسفة الذين نشأوا في تاريخ هذه المنطقة، من قبيل إبن خلدون وابن الهيثم وابن رشد وابن العربي. بيد أن ثمة بيانات من مفكري هذه المنطقة فيها يتجلى تفاعل فكرهم مع الفكر العالمي وتمثّلُه للفكر العالمي.

D 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011     A تيسير الناشف     C 0 تعليقات