رزق فرج رزق - ليبيا
البطل لم يولد بعد
ملف: غزة في القلب
أنجبت الأمهات، وتعددت الولادات، ويظل البطل الحقيقي لم يولد بعد.
لم تصدق في بادي الأمر أنها حامل. الطبيب أكد حملها دون أن يحدد لها جنس الجنين. تذكرت ابنها التي فقدته في مظاهرة كان قد شارك فيها غضبا واستنكارا على صديقه محمد جمال الّدرة. وكونها الآن حامل فهذا يعني إنجابا، وطفلا يكبر، ويتعلم، ويسري في دمه حب الوطن. إذن شهيد أخر من أجل ترابك الطاهر يا غزة.
يستحوذ على مخيلتها صوت ابنها الشهيد:
"أمي: هل لي أن أموت شهيدا؟ أمي هل لي أن أحمل الحجارة؟ أمي..."
تتعالى الصيحات، صيحات الأمهات، من لوعة الفراق.
"أمي: لا أريد صراخا ولا أريد دموعا، أريد أخا يسلك الطريق ذاته، النصر أو الشهادة، استشهد قبلي الكثير، والموت عزيز على قلوبنا."
الطبيب يكتب لها وصفة طبية لتثبيت الجنين وينصحها بالراحة وعدم التعرض للإرهاق. تسأل ربها أن يثبت قلبها على قول لا إله ألا الله، وأن يبصر جنينها النور ومن ثم يرزقه حياة أبدية خالدة.
خرجت من عيادة الطبيب، بعد معرفة موعد المراجعة، وهي ترسم لابنها الذي لم يولد بعد طريق الشهادة، وهي تقول هكذا هي الحياة، لابد لفلذة كبدي أن يعيش الحياة الأبدية بدلا من حياة الذل والخضوع.
تعلم إن ابنها مات شهيدا برصاص الصهاينة الطغاة أثناء خروجه في مظاهرة غضب احتجاجا على ما فعلوه بصديقه ظلما. دمعة وابتسامة تقاسمتهما تجاعيد وجهها وهي تتذكر ما كان يقوله ابنها فجر يوم استشهاده وهو يحدثها عن صديقه الطفل الكبير الذي يحمل في يده شيئا من الممنوعات: يحمل في يده حجارة، ليقذف بها أولئك الذين لا يتعدى حملهم ألا بعض قواذف وصواريخ، ليقذفوا بها الأطفال والنساء والشيوخ.
آه يا أمي! ثمت تشابه بين الظلم والعدل. آه يا أمي كم أتوق إلى الشهادة، لكي ألقى صديقي في دار اللقاء. أمي لا تحزني عندما يصلك الخبر، بل كوني من الفارحين.
لملمت جراح الفراق بروح راضية شاكرة، تمسح بيدها على حملها، لعلي أكون (أم الشهداء).
كم هي حلوة الحياة، أي حياة، حياة العزّة. ولأجلك يا غزة سأنجب الأبناء.
تنتظر بجوار المذياع زوجها بفارغ الصبر لتزف له خبر حملها، وهي تعرف حجم الفرحة التي ستثلج قلبه. ولكن المذياع كان سباقا ليزف لها خبر استشهاد أبي نزار، الزوج الحالم، الذي رضي لنفسه حياة الآخرة. وهكذا تصبح وحيدة تعاني ألم حملها. وعزاؤها، أن تنجب شهيدا آخر.
هاجس يراودها كلما سمعت صوت انفجار يدوّي في الأرجاء، إن البلاد بخير طالما هناك شهداء، فلتجتمع كل الفصائل تحت شعار النصر أو الشهادة، فلتذهب الفصائل ويبقى الوطن، يبقى المواطن حرا أو يموت شهيدا.
تربت على حملها وتحاكيه: فلسطيني أنت، ابن شهيد وأخ شهيد، وميلادك ليس يوم ولادتك، بل ميلادك هو يوم استشهادك، فكن فخورا بابيك وأخيك، وتبوأ مكانك بينهما في الحياة الباقية.
منذ العام الثامن والأربعين من القرن المنصرم كل الأمهات تتمنى أن تنجب بطلا حقيقيا.
يا بني: في الزمن الذي مضى أنجبت أحداهن صلاح الدين الأيوبي، وفي الزمن الحاضر أصبحت الولادات عسيرة، لا تقوى على إنجاب بطل، مات الشهداء قبل أن تحبل النساء.
يا بني، لا تشغل بالك بما سترى وتسمع: عرب، حكام، قمم، مشاورات، قرارات، بيانات. وعلى وجه أخر : فتح، حماس.
يا بني، الصمت الخاوي هو دعم أشقائنا العرب لنا، وفي قوانينهم التي وضعوها، الإرهاب هو نعتهم لنا، والدفاع على الوطن ممنوع. عدونا ينسج لنفسه صفحة سوداء في مزبلة التاريخ بقتله للنساء والأطفال والشيوخ، والصمت العربي يا عزيزي هو هدية أخوننا لنا .
سأحملك وأنا أحلم بك شهيدا، وحملك مثل الريش في خفته، لحملك وحلمي علاقة عشق، ستظل قائمة إلى أن أضعك، وتكون وحلمي رفيقين ويتحقق الحلم وتصبح شهيدا.
يا بني، فلسطين تحتاجك تحتاج إلى دمك لتطّهر به ترابها الغالي، فأنت لها، ولها سأنجبك.
إياك أن تجلس على كرسي، خشبيا كان أم من ذهب. حفنة تراب من أرض بلادي الطاهر أغلى من كرسي عرش يدنسه حاكم لا يغار.
إياك أن ترقد في سرير ناعم، فلن أرضى لك العيش ألا حياة العز والجلل، واقفا في وجه عدو الله والوطن، أو راقدا في نعشِك، طاهرا على أيادي ملائكة.
إياك أن يمس جسدك بعد مماتك بشر. أنت البطل.
◄ رزق فرج رزق
▼ موضوعاتي