عدلي الهواري
كلمة العدد 67: هارد لك (*) يا شباب
كل عام وأنتم بخير.
إذا أردت أن تشوش مقدرة إنسان على التفكير السليم، بالغ في الثناء عليه، والإشادة بقدراته، وبعبقريته. الشباب في الدول العربية كانوا خلال العام الماضي ضحية هذا الاسلوب الذي مارسه كثيرون، ليس عن سوء نية بالضرورة، بل في أحيان كثيرة لأنهم بحاجة لأن يقولوا شيئا في المقابلات، أو المقالات الدورية، والتنظير قبل إمعان التفكير. ولذا كان الشباب مفجري الثورات وقادتها، وخالعي الحكام، وكانت أسلحتهم الأشد فاعلية هي الانترنت وفيسبوك وتوتير.
ولكن عندما حدثت انتخابات في تونس ومصر والمغرب، حققت التيارات الإسلامية نتائج حسنة، على حساب الشباب والقوى التي تسمى يسارية ولبرالية.
من السهل اللجوء إلى اتهام الفائزين بأنهم انتهازيون، وما شابه من تفسيرات تتفادى مواجهة الواقع المتمثل في أن الأقدر على حشد جمهور أكبر ليصوت له سيكون في وضع أفضل للفوز، شريطة أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة.
لا أنفي وجود انتهازية، ولكن من يظن أن الانتهازية حكر على جماعة دون غيرها يرتكب خطأ سياسيا بديهيا. من يدخل ميدان السياسة عليه أن يدرك قبل دخوله أنه ميدان مليء بالانتهازية، وهذه أيضا ليست دعوة لممارستها، بل للتحسب لها من خلال الاعتماد على تأييد أكبر عدد ممكن من الجماهير.
الأحزاب والجماعات تدخل ميدان السياسة للوصول إلى السلطة، وهذا أمر مشروع طالما أن غايته خدمة الشعب لا استعباده أو استغلاله. والقبول بنتائج انتخابات لا يعني الاستسلام الدائم والخروج من الحلبة. ولا تعني الاتفاق على برنامج أو ايدلوجية الفائز. ولذا التفكير يجب أن يتجه بعد الخسارة إلى تقييم ما جرى، والتفكير في المرحلة القادمة والإعداد لها.
في الرياضة بعض الفرق تحقق البطولة مرات عديدة متتالية، ولكن يأتي من يهزمها ويكسب الكأس. وفي السياسة يحدث ذلك ايضا، فمارغريت ثاتـشر فازت في الانتخابات ثلاث مرات متتالية، وحزبها، حزب المحافظين، فاز مرة أخرى بعد إزاحتها عن زعامة الحزب. رغم ذلك تمكن حزب العمال المعارض من الفوز وحظي أيضا بنجاح متكرر. حدث ذلك رغم أنه في بعض الأوقات بدا حزبا محطما لا يمكن له أن يفوز.
الشباب بحاجة إلى تنظيم أنفسهم على شكل أحزاب سياسية أو ائتلافات، أو الانضمام إلى ما هو موجود من أحزاب. أما الاعتماد على عدد زوار صفحة تقام على فيسبوك كمقياس للشعبية فلا يعتد به عندما يتعلق الأمر بالانتخابات، ومن استخدمه مقياسا لشعبيته لا غرابة أنه صدم بعدم الفوز في الانتخابات.
ربما اكل الشباب وشربوا الكثير من هذا الوهم الذي روج لقدرات خارقة لهم لكونهم شبابا ولاستخدامهم الانترنت وفيسبوك وتوتر. وها هم يتعلمون أول درس في الواقعية.
الأحزاب الإسلامية وغيرها صبرت على الاضطهاد، وعندما جاءت الفرصة استفادت الجماعات الإسلامية من التغيير الذي حصل، فخاضت الانتخابات، وحققت نتائج حسنة في هذه المرحلة في كل من تونس ومصر والمغرب. والشباب يحتاج ايضا إلى الصبر، فالنجاح الباهر السريع الذي تحقق في إزاحة بعض الحكام لم يكن عملا بدون مقدمات مهدت له الطريق وجعلته ممكنا بجهود الشباب وغير الشباب، رجالا ونساء.
خلال مرحلة الانتظار سيمر العمر، وقد لا يبقى الشاب شابا، ولهذا كان تقسيم الشعوب إلى شباب وأجيال خائبة الذي صاحب الانتفاضات العربية تقسيما لا مبرر له وغير واقعي سياسيا وإنسانيا.
عدلي الهواري
(*) هارد لك :: Hard luck
عبارة تقال عادة على سبيل المواساة عندما لا يحالف الحظ شخصا ما.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]
المفاتيح
- ◄ قضايا عامة
- ◄ كلمة عدد
5 مشاركة منتدى
كلمة العدد 67, وهيبة قويّة من تونس | 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011 - 18:16 1
خلال عقدين وأكثر في تونس كنّا نرى جيل الشّباب جيلا لا يصلح إلاّ للرّقص ومسابقات الغناء أو أرجلا تسابق بعضها وراء الكرة، فلا حديث عن السّياسة ولا عن الدّين لأنّها من "المحرّمات" وكاد الجيل السّابق له أن لا يرى فيه غير العيوب. ففكر الشّباب غلب عليه نقل الجاهز من الإعلام وتعليمه قام على حشو للأدمغة بما يُملَى عليها في مقرّرات، وهو جيل المخدّرات والبطالة والنّقمة على وضع لا يرى فيه غير الإحباط. نفس هذا الجيل من الشّباب قاد ثورة في تونس، نقمة على كلّ وضع، وانتقاما لمن شوّه تفكيره ودينه وثقافته... لم يكن إحباطه إلاّ صدمة أيقظت فيه "إرادة الحياة" فثأر لكرامته.
مع ذلك لم يكن هذا الشباب وحده، بل ظهر معه جيل سابق ذاق الإحباط بأكثر مرارة وعرف كيف يستغلّ الظّرف. وعندما يكون الإنسان متعطّشا لممارسة أبسط حقّ له لا بدّ أن ينتخب من يثق في أنّه يعطيه هذا الحقّ، فأمام الثّناء ينثني العزم وتتكبّط العزائم وأمام النّوائب يشتدّ البأس وتقوى العزائم.
الشباب في حاجة إلى توجيه قوّته واستقطابها ليكون فاعلا وإلاّ تحوّلت قواه إلى هوجات متتالية قد تقوّض أركان الدّول فيهدمها ولا يبنيها.
كلمة العدد 67, محمد عبد الوارث / مصر | 29 كانون الأول (ديسمبر) 2011 - 09:30 2
مقال رائع استاذ عدلى الهوارى ويفتح باب مناقشات قد لا تتوقف لزمن .. وهارد لك تقال للقوى الليبرالية والمثقفة والمستلقة وبعض الاحزاب لأن قوى الاسلام السياسى اطاحت بالكل .. والمشكلة ليست فى فوز التيارات الاسلامية . المشكلة فى ان التيارات الاسلامية ركبت ظهر الديمقراطية واستعانت بالمنتفعين من الاسلام السياسى والبسطاء الذين يظنون خطأ ان الاحزاب الدينية تتكلم بأسم الله . فأرادوا رضا الله مع ان هذه القوى تتاجر وتستغل وتمتهن الاسلام فى سبيل الوصول للسلطة عن طريف الديمقراطية . لكنهم بعد الحصول عليها سيغيرونها للأبد حتى لا يتسلم السلطة قوى اخرى ليبرالية او غيرها وعندئذ سنقول القول الشائع للكاتب احمد رجب " سلم لى على الديمقراطية " .. أرجو واتمنى ان يكون تقديرى خاطئاً وأن الأسلاميون سيتركون قواعد اللعبة بلا تغيير _ لصالحهم فقط _ لتثبت لنا الايام ان الذى جاهد فى سبيل الله بغرض الشهرة ونوال السلطة لم يجنى اى ثمرة وان الذى جاهذ فى سبيل الله مبتغيا رفعة الوطن وصلاحه دون ان يناله من وراء ذلك نفع اى نفع هو الذى ستجنى الاجيال القادمة ثمرته وتذكره ابد ابدين ... والله من وراء القصد ...
كلمة العدد 67, موسى أبو رياش/ الأردن | 31 كانون الأول (ديسمبر) 2011 - 06:15 3
أتفق مع الأستاذ الكبير عدلي الهواري فيما ذهب إليه، وهذه هي اللعبة الديمقراطية ويجب أن نحترم قواعدها. نعم الشباب قاموا بالثورات على الطغاة والأنظمة الفاسدة، ولكنهم لم يأتوا من فراغ أو دون جذور، فقد حاول الآخرون وضحوا واضطهدوا وسجنوا وأعدم البعض وشردوا في الأرض، وبالتالي مهدوا التربة للشباب ليبنوا على ما أسلفوا وقدموا، أي أن جولة الشباب هي جولة بالضربة القاضية بعد عدة جولات لم يستسلم فيها الآخرون ولكنهم صبروا حتى تكلل بثورة الشباب المباركة.
فوز الإسلاميين لم يأت من فراغ، ولا يجب التشكيك فيه أو وصمهم بالانتهازية، فهم متغلغلون في المجتمعات حيث فطرة الناس، وكانوا دوماً الضحية وكبش الفداء، وكانوا الأبعد عن السلطة وفسادها، وهم بنظر الشعوب الأنظف، ولذا منحهم ثقته وانتخبهم وقدمهم، على الأقل ليجربهم كما جرب غيرهم، وهذا من حقهم. وليس من الإنصاف أن نستبق الأحداث ونقول بأنهم سينقلبون على الديمقراطية وقواعدها وسيضعون قيوداً على المجتمعات، فالعالم تغير، ولا يقبل أحد أن تقيد حريته أو أن تنتقص حقوقه، فقد استيقظ المارد ولن يستطيع أحد أن يعيده إلى القمقم.
دعونا ننتظر ونأمل خيراً، فالإسلاميون مواطنون لهم حق التجربة وعلينا المراقبة، ولعل الله يجعل على أيديهم الفرج، وما تجربة الإسلاميين في تركيا عنا ببعيدة.
أما شباب الثورة فلا يجب أن يأسفوا على نتيجة الانتخابات، فيكفيهم شرفاً أنهم أسقطوا أنظمة الفساد، أما الفوز فهو للأكثر تنظيماً والأفضل تخطيطاً، والأوسع انتشاراً وتغلغلاًَ، والأقدر على مخاطبة الناس وتحسس أوجاعهم وآلامهم، وهارد لك لكل من لم يحالفه الفوز!
كلمة العدد 67, هدى الدهان | 10 كانون الثاني (يناير) 2012 - 01:42 4
الشباب كانوا مخلب القط الذي فقأ عين الحاكم و ازاحه عن عرشه و لهنا انتهى دوره لا لقصور منه و لكن الحياة ليس اودها ضربات من الكيبورد و كلك من الماوس ، الحياة يقيمها المال و الاسلاميون او غيرهم يملكون المال وهو اخر شيء يملكه شباب الثورة والا لما ثاروا . وفي الحقيقة كل الناس تصفق للشباب و لكنها لاتكتب نعم في الانتخابات لان من يحكم يجب ان يمنحني رغيف خبز مخفض الثمن و دواء و سكن بالتقسيط و راتباً يغنيني عن مد اليد و من ثم خدمات البنى التحتية . الشعب يريد ان يعيش و يكبر ابناؤه و هم ياكلون و يتعلمون و يكبرون بدون ان تاخذهم يد الحروب الى الكفن وهم شباب ايضاً .بالتأكيد يفوز بالانتخابات من يستطيع ان يوفر على الاقل مستوى العيش المتوسط ولكن ان اضل اتغنى ب "كلمات " و كلمات" كاغنية القديرة ماجدة الرومي فابالتأكيد سيفوز حيث ساحة بطولته فقط ، ساحة افتراضية لشبكة افتراضية ولكن تبقى الحياة هي الحقيقية التي نعيشها نحن و ابناؤنا .اتفق مع الاستاذ عدلي فيما كتب . بالتوفيق لمصر و لكل بلاد العرب من "نجد الى يمن الى مصر ف تطوان".
كلمة العدد 67, مهند النابلسي | 11 تموز (يوليو) 2012 - 10:19 5
الاسلاميون السياسيون يتمتعون بالتنظيم والدهاء والقدرة على دغدغة المشاعر بالتأكيد على الثقافة والحس الديني السائد، لذا فهم ينجحون ويحققون اعلى نسب الاقتراع، كما انهم يستغلون سوء التنظيم والتشتت الذي تعاني منه المجموعات الاخرى، التي غالبا ما تتفق على ألا تتفق.