سليم الموسى - الأردن
دعوة للحياة: ح 9
إن المعاملة الطيبة للناس وبين الناس تكون سببا في إصلاح أحوالهم ومجتمعهم، فهي سبيل لنشر المحبة، والتآلف، وربط الأواصر، ونشر الوعي، ودواعي السرور والسعادة، فعليك أن تراعي مشاعر الآخرين وأحاسيسهم، والتواصل الإيجابي معهم، وإظهار المحبة والتقدير لهم.
واجعل الناس يشعرون بهذا الحب، ولكن لا تسرف في مديحهم، وابتعد عن لوم الآخرين، وتذكر أن المخطئ يلوم كل امرئ إلا نفسه، وحين يخطر ببالك أن تلوم أحدا، فاعلم أنك قد تلام كذلك. وقد تقول: إن فلانا عزيز علي، ينبغي عليّ تقويمه وتنبيهه إلى أخطائه، إن ذلك في مصلحته، وهذه أريحية تشكر عليها، ولكن أليست نفسك أولى من هذا الصديق بالتقويم؟ أتظن نفسك خاليا من المآخذ والعيوب؟ إذن تذكر مقولة حكيم الصين، كونفوشيوس: "لا تتبرم بالجليد المتراكم على عتبة جارك، قبل أن تزيل ما تراكم منه على عتبة منزلك أولا."
إن الناس هم عاطفة أولا، وهم أصحاب منطق وعقول في الدرجة الثانية، وإن لنا نفوسا ذات مشاعر وأهواء، ومليئة بالغرور والكبرياء، ونريد من الآخرين أن يحترموها كما هي، فلماذا ننكر عليهم هذا الحق مع علمنا أن نفوسنا جميعا من نفس الطينة؟ والنقد مر المذاق، ثقيل على النفس البشرية، ولذلك فإن علينا تفهم الآخرين، وإيجاد الأعذار لهم حين تقصيرهم، فهذا أمتع من اللوم، كما أنه أقرب إلى الإنصاف وأجدر بالرجال المحترمين. إن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب العصاة من عباده في التو واللحظة، بل يؤجل ذلك أجلا طويلا، وعليه فل يجب أن نعجل في محاسبة الناس.
ومما يخدش المشاعر، وتنهى عنه الأديان، الهمز باللسان، والغمز بالعين، وذكر عيوب الناس، والإشارة إليها بغرض الطعن فيهم، وتنسى أن حولك آلاف الألسن وآلاف الأعين، وبك الكثير من العيوب. وإياك والحسد الذي يوصل إلى البغضاء، ولا تشمت بأحد، وابتعد عن كل أشكال المزاح والجدال التي لا تأتي بخير، وتؤدي إلى النفور والمشاحنة والبغضاء وسقوط المهابة.
هناك طريق واحد يجعلك قادرا على أن تحمل شخصا على القيام بعمل ما، وهي ترغيبه في هذا العمل، فقد تستطيع أن تأخذ من أحد شيئا بالقوة، أو تجبره على أن يفعل ما تريد بالتهديد، لكن هذا إكراه لا إقناع، وفي الإكراه تنعدم الحماسة والرغبة. إن هناك رغبة إنسانية ملّحة وهي محاولة إضفاء الأهمية على الذات، فمن أشبع هذه الرغبة لدى الآخرين بلغ ما يريد، بل استطاع أن يوجههم كيف يشاء.
إن علاقتك مع الآخرين، تهمك أنت بقدر ما تهمهم، فحين تتحدث إليهم، حاول أن تنظر في عيونهم وتعبر عما في نفسك من زاويتهم، وبمعنى آخر، أظهر لهم اهتمامك بهم أكثر من اهتمامك بمصلحتك الشخصية، اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم، أي اخلق في الشخص الآخر رغبة جامحة في أن يفعل ما تريد منه.
وإذا كان هناك سر للنجاح، فهو المقدرة على إدراك وجهة نظر الآخرين. إن في الناس قدرا كبيرا من "الأنا"، فكل منهم يهتم بنفسه، وهذه صفة مسيطرة على البشر، فإذا بقيت تهتم بنفسك ولا تحاول اجتذاب الآخرين إليك، فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟
وخير وسيلة تدفع الآخرين إلى الاهتمام بك هو أن تكون أنت البادئ بالاهتمام بهم. إن الناس عواطف وأهواء، وهم يقبلون الاستجابة لكنهم قلما يتحلون بصفة المبادرة. وبعبارة أخرى: إذا أردت أن يهتم بك الناس ويحبوك، فضع نفسك مكانهم، واهتم بهم وأحبهم، وامدد لهم يد المساعدة نزيهة لا تشوبها أنانية، وكن سمحا بشوشا وأنت تفعل ذلك.
إن قسمات الوجه خير معبر عن المشاعر، فالوجه الصبوح ذو الابتسامة الطبيعية الصادقة الصافية الحلوة خير وسيلة لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، يقول أحدهم:
"إنني متزوج ولي أولاد، ولكن العمل أخذني منهم، فقلما داعبت أولادي، أو ابتسمت لزوجتي أو حدثتها، سواء على مائدة الإفطار أو بعد العودة من العمل. وحين قرأت عن تأثير الابتسامة، جلست في صباح اليوم التالي إلى المائدة، وقلت مبتسما بصفاء: "صباح الخير يا عزيزتي." ولم تندهش زوجتي بل ذهلت، فسارعت بوعدها أن تنتظر مثل هذه الابتسامة دائما، وكانت النتيجة أنني اكتشفت سعادة جديدة، وحفزني ذلك أن أبتسم لكل من أتصل بهم أو يتصلون بي، أو أتعامل معهم من الناس، فصار الكل يبادلني التحية والمحبة والاحترام ويسارعون إلى خدمتي."
وعن تأثير الابتسامة في نجاح صاحبها، يجدر بنا أن نستمع لما قاله مدير الموظفين في شركة كبرى:
"إنني أفضل استخدام فتاة لم تكمل تعليمها الثانوي وذات ابتسامة مشرقة على دكتور في التخصص المطلوب متجهم الوجه."
وتذكر دائما أننا ننشد السعادة جميعا، وأنها تنبع من داخل نفوسنا، وأن الإنسان ينال من السعادة بقدر ما وطد عزمه على أن يصبح سعيدا، واعلم أن الأفعال لا تعقب الإحساس، بل إنهما يسيران معا، ولهذا فإن الطريق الوحيدة المؤدية إلى السعادة، أن تتصرف كما لو أنك سعيد فعلا، وستلاحظ بعد ذلك أن السعادة غمرتك فعلا.
ولكي تكسب الآخرين، احفظ أسماءهم، فإن أحب الأسماء للإنسان هو اسمه الشخصي، فحين تلقى رجلا وتعرف اسمه، وتلقاه مرة أخرى وتناديه بذلك الاسم، تكون قد قدمت له مجاملة لطيفة سيشكرك عليها. أما حين تنسى اسمه، فسيعتبر ذلك إهانة ولن ينساها لك أبدا، ثم إن الناس لا يحبون أن تظل تتحدث عن تجاربك وخبراتك، فلهم خبراتهم وتجاربهم أيضا، وخير محدث هو من يستمع بشغف إلى الآخرين، فهم يشعرون بالامتنان له ويظفر بصداقتهم سريعا إذا أتاح لهم الفرصة للتحدث وأصغى إليهم باهتمام وشغف، وهذا أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك.
وقليل من البشر من يصمد أمام الثناء الذي ينطوي على الإنصات باهتمام. أما الذي يتكلم عن نفسه فقط ولا يفكر إلا بها، ويستأثر بالحديث كله، ويقاطع كل من يتكلم ولا يصغي لأحد، فهو جاهل تدعو حالته للرثاء، يبتعد الناس عنه ويسخرون منه، وإذا كنا جميعا نحب التحدث عن أنفسنا، فلماذا لا نقبل ذلك من الآخرين؟
ولا تنس أن تحدث الناس فيما تظن أنهم يودون الاستماع إليه، ويدخل السرور إلى قلوبهم وبذلك تستدرجهم إلى التحدث الشيق اللذيذ. وحين تصغي إليهم بشغف يعتبرونك محدثا بارعا تستطيع جلب مسرتهم. وهكذا إن أردت أن يحبك الناس فأحبهم أنت، واجعلهم يشعرون بهذا الحب، بأن تختار شيئا جميلا فيهم وتحدثهم عنه، ولن تعدم هذا الشيء الجميل فيهم.
"وأحب لأخيك ما تحب لنفسك." وأول ما يحب الإنسان لنفسه الشعور بالسعادة والرضا، فاجعل الآخرين يشاركونك هذا الشعور، أي امنح الآخرين ما تحب أن يمنحوه لك، وحين تكون صادقا مع نفسك تعترف أن كل من تلقاه يفضلك في ناحية ما، فحاول أن تتعلم منه تلك الناحية على الأقل.
ولا تنتقد الآخرين، فأنا وأنت نكره أن ينتقدنا أحد، ولكن الفت النظر إلى الأخطاء بلباقة وتلميحا لا تصريحا، وتكلم عن أخطائك أولا، وقدم اقتراحات مهنية، وبذلك تحفظ ماء وجه الآخرين. وبالتشجيع تحفز الناس إلى النجاح.
اجعل الغلطة تبدو ميسورة التصحيح، والعمل الذي تريد يبدو هينا، واجعل الآخر يحب ما تريد منه، بل دعه يظن أن الفكرة هي له، ولا تكثر من الجدل، فتفقد أعصابك والسيطرة على نفسك حين تسمع رأيا مخالفا، واعلم أن أفضل طريق لكسب الجدال هو عدم الوقوع فيه.
واعمل بالحكمة التي تقول "اجن العسل، دون أن تحطم خلية النحل."
◄ سليم الموسى
▼ موضوعاتي