ياسمينة صالح - الجزائر
لا وقت للحلم هنا
يصدر للزميلة في "عود الند"، الروائية الجزائرية، ياسمينة صالح، رواية جديدة قريبا بعنوان "لا وقت للحلم هنا" عن دار الحضارة في القاهرة (2012). وقد خصت الروائية "عود الند" بفصل من الرواية (أدناه) الذي يبدو منه أنه يستوحي أجواء الثورات العربية ودور الشباب واستخدامهم فيسبوك في إشعالها.
لخضر - رواية
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت (2010).
وطـن مـن زجـاج - رواية
الدار العربية للعلوم، لبنان (2006).
بحر الصمت - رواية
رواية فازت بجائزة مالك حداد سنة 2001. صدرت طبعتها الثانية عن دار الحضارة في مصر (2010). أما الطبعة الأولى فصدرت عام 2001 عن دار الآداب اللبنانية.
ما بعد الكلام - مجموعة قصصية
منشورات الكتاب العربي ، دبي (2003).
أحزان امرأة من برج الميزان - مجموعة قصصية
منشورات جمعية المرأة في اتصال، الجزائر (2001).
وطن الكلام - مجموعة قصصية
منشورات الكتاب العربي ، دبي (2001).
ولها مجموعة كبيرة من المساهمات في أعداد مختلفة من "عود الند".
— -
بدا وكأنه أصيب بالصدمة وهو يرد على السؤال الذي كان يتفاداه من البداية. ربما لأنه بهذا يورط نفسه في قضية لا يشعر أنه مرتبط بها أو أنها تعنيه. فالحكاية كلها بدأت كما يمكن للعبة أن تبدأ بالتحدي، ثم تحول التحدي إلى تسلية والتسلية إلى عادة والعادة إلى إدمان. كان في كل الأحوال يشعر أنه لم يفعل شيئا يستحق أن يخاف لأجله، فهو كأي إنسان يمكنه أن يدير قضية ما دون أن يكون في الصورة، فكل القضايا في العالم تدار من الغرف المغلقة، وأحيانا من غرف النوم.
هكذا اقتنع من البداية. بيد أن عمر البداية لا يتجاوز في الحقيقة بضعة أشهر، ربما سبعة أو ثمانية أو عشرة. لا يذكر. يذكر أنه فعلها وبدأ. لعل الضابط الذي كان يتفحصه ملء العينين والخيال بدا مدهوشا من حقيقة أن يكون هذا الشخص النحيل والتافه وراء أهم قضية يتناولها في حياته المهنية منذ التحق بمركز أمن الدولة. كان يعرف أنه سوف يلتقي بكل أنواع المجرمين والمخاطرين بحياتهم، بمن فيهم المرتزقة، وبمن فيهم فاقدو الضمير، فهو يحس أنه التحق بأمن الدولة ليدافع عن دولة يؤمن بها، وأدى القسم المهني لحمايتها.
ولو سألته ما معنى الدولة فسوف يرتبك قليلا قبل أن ينظر إلى نقطة ما في الفضاء الواسع، ليحك ذقنه بتلك الطريقة العادية ويرد: "الدولة هي الدولة. هي البلد." ولو تجرأت وسألته ما معنى البلد سيرتبك من جديد، ولعله سيتهرب من الإجابة، لكنه حتما سيفكر بينه وبين نفسه أن البلد هي السلطة، وهي النظام، بينما لا مكان للشعب أو للبسطاء في ثقافة الولاء التي يديرها من مكتبه، أو من أي مكان آخر حاملا الملفات إلى مسؤوليه ليطلعوا عليها ويتعرفوا من خلالها على سلوك الرعية.
هل هذه هي الدولة التي يمكن أن نختزلها في رجال معينين أو معدودين، يتحول قسم الولاء إلى حفنة من المسؤولين الكبار، لأنهم يصنعون قرارات البلد، ولأنه لا يجوز مخالفتهم، بينما يجوز التحقيق مع شعبي، أو رعيّة بائسة لمجرد أنه يمتلك في بيته جهاز محمول ومتصل بالإنترنت، وله حساب في الفيسبوك، وصادف أن اسم حسابه إبراهيم فيسبوك؟
ظل الضابط في حالة قريبة إلى الحيرة وهو يتأمل إبراهيم طوال لحظات من الصمت، متسائلا في سره: أيعقل أن يخاف مسئولوه من شخص بهذا الشكل، وبهذه الضآلة؟ لكن هذا الشخص التافه استطاع أن يجمع في صفحته مئات الآلاف من المؤيدين ومن المستعدين للعصيان المدني. ربما الشكل لا يهم في النهاية، المهم هو الهدف.
في الحقيقة شعر الضابط بما يشبه التعاطف مع ابراهيم، فهو رقم سبعة في قائمة المستجوبين، وكلهم يحملون اسم ابراهيم وكلهم لديهم حساب في الفيسبوك وكلهم مشتركون في صفحة "إبراهيم الفيسبوك" التي تحولت في الأيام الأخيرة إلى صفحة "إسقاط النظام".
كيف يمكن أن يتحول شخص عادي حد البلاهة إلى قائد لخمسين ألف شاب آخر، ينظمهم ويحدد معهم الأيام التي يتوقع أن يخرجوا فيها، ربما الأسبوع القادم، أو ربما غدا؟ مع ذلك كان يشعر بالتعاطف وإبراهيم بن قادة يرد على أسئلته بتلك الطريقة، وقد بدأ التعب ينال منه، وكان يحاول أن ينسى تعبه بوضع إصبعه داخل الثقب الذي كان أسفل ساق بيجامته الرياضية، كأنه يحاول تمديد اتساعه، وقد بدا غير مكترث بمزيد من الأسئلة. سأله الضابط فجأة:
"ما وجه القرابة بينك وبين عمّار بن قادة؟"
نظر إبراهيم إلى الضابط، ولعله ابتسم مما جعل الضابط ينظر إليه بحدة، لكنه لم يكن يقدر على أكثر من الابتسامة وهو يفكر بينه وبين نفسه "ها هو يبدأ في سيناريو القرابة بيني وبين أشخاص لا أعرفهم".
فكر في "عمار بن قادة"، وبدا وكأنه سمع بهذا الاسم من قبل، لكنه متأكد أنه لا يعرفه معرفة شخصية، ولا يعتقد أن والده أخفى عنه قريبا بهذا الاسم. نظر إلى الضابط بعينين متعبتين ورد:
"لا أعرفه."
"سوف نرى هذا فيما بعد. المهم أريد أن أعلمك بما يلي: أنت متهم بمحاولة إثارة الفوضى في البلد، وسوف يتم تحويلك إلى جهاز أمني آخر للتحقيق معك."
"لكني لم أفعل شيئا."
"يمكنك أن تقول ذلك في الجهة التي سيتم إرسالك إليها. ليس عندي ما أفعله لك سوى تركك تنام إلى الصباح، بعدها، أشك أنك سوف تستطيع النوم ثانية."
كان يعرف أن كل الكوابيس تبدأ بهذا النوع من التهديد المغلف. كان يعرف أنه لن يكون بخير منذ اقتيد من سريره بتلك الطريقة، ليجد نفسه متهما بالتخريب، هو الذي لم يؤذ حشرة خارج مخيلته، ها هو يتحول إلى إرهابي الكتروني. بدت له التهمة مثيرة للسخرية، لكنه لم يبتسم، فقد كان متعبا.
"يا إلهي"، قالها بينه وبين نفسه وهو يجد نفسه داخل زنزانة باردة، اعتقد في الأول أنها خالية، وإذ به يرى الأجسام المكدسة على الأرض بطريقة فوضوية جعلته لا يعرف كيف يجد طريقه إلى زاويةٍ ليرتمي عليها.
بذل جهدا كبيرا كي لا يدوس على رأس أو رِجل، أو يد أو ذراع أحدهم، وفي الأخير اكتشف أن ثمة مكانا صغيرا يمكنه الجلوس فيه، وأن بإمكانه أن يتكئ على الجدار وقد يغفو. كان يدرك أنه سوف ينام كالميت إلى الصباح.
◄ ياسمينة صالح
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
لا وقت للحلم هنا, وهيبة قويّة من تونس | 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011 - 18:39 1
لا وقت للحلم هنا... استدرجني النصّ أبحث عن حلم فوجدتني في زنزانة لا يقتات منها النّائم إلاّ من موائد الكوابيس.
هنا، إشارة إلى مكان معروف قريب، ولكنّ ابراهيم ومن معه لا يعرفون المكان. وعندما يستوضحونه سيعرفون أنّه "هنا" لا يوجد نوم ولا حلم.
النصّ المختار مثير مشوّق يدفع إلى كامل النصّ.
فشكرا على هذا الاختيار.
1. لا وقت للحلم هنا, 28 كانون الأول (ديسمبر) 2011, 12:53, ::::: ياسمينة
العزيزة الرائعة: وهيبة
شكرا لك وجودك ها هنا أيتها العزيزة.. ستكون الرواية جاهزة للقراءة قريبا إن شاء الله.. محبة كبيرة لكِ