رزق فرج رزق - ليبيا
البدوي
ترك أغنامه وهو يرفع الآلام عنه، وارتمي بجسده المتعب على فراشه، يحلم بالعيش ميسور الحال. كان دائما يطمح أن يكون ثريا، على الرغم من بداوته. لا يعرف سوى الرعي والاهتمام بشؤون الأغنام وكل أمور الحياة البدوية البسيطة.
كان ينام بحذائه وقميصه ومعطفه، ويستحم مرة كل شهر إذا سمحت الظروف. يعشق المزمار الشعبي ويتشدق به دائما.
كان بقريته الصغيرة مستوصف الشفاء. طالما عانى مشكلة العلاج، ولكن غالبا ما يساعده أهل القرية في ثمنه.
يتقلب على فراشه ويتمتم بهذه الكلمات: إلى متى سأظل على هذا الحال؟ يجب أن أتطلع إلى العالم. الأغنام، الزرع، و...، و.... لم تعد تجدي، بل علىَّ أن أكون رجل أعمال كبيرا، له هيبته عندما يتكلم. آه، لكل فردٍ رغباته ومصالحه واختياراته، فأنا كتب علىَّ أن أكون هكذا. وأرغب في غير هذا، فالاختيار ليس بيدي. علىَّ ألاَّ أغوص في الأفكار والأحلام الكبيرة، بل يجب أن تكون أحلامي وطموحاتي بسيطة يمكن تحقيقها.
كان هذا رأيه، فهو لم يتعلم ولم يعرف طريق المدارس، بل منذ صغره وهو منهمك في حياة البادية: رعي الأغنام. حصد الزرع. مطاردة صيد الليل في الأودية المجاورة لقريته.
لم يخطر بباله يوما أنه سيكون لحياته وجه آخر، حيث يكون من كبار أصحاب رؤوس الأموال وصاحب أكبر شركات (التوريد والتصدير). لم يخطر بباله أنه سيلقي بذاك المعطف والقميص وذلك الحذاء الكبير، ويرتدي بدلا منها بدلته الحرير، ذات ربطة العنق الأنيقة والحذاء اللامع.
نسي أو تناسى مزرعته وقطيع أغنامه وقريته الصغيرة النائية، بل ركب الفضاء وانتقل إلى باريس. أصبحت سيرته حديث الناس.
يقضي الليل إلى أواخره في السهر وينام حتى الظهيرة، صارت له ملابس للنوم وأخرى للعمل، العمل الذي هو سيده. له هاتفه المحمول وكذلك طبيبه الخاص، فهو لا يحتاج إلى المساعدة على دفع ثمن فاتورة الدواء من الصيدلية كما كان يحدث معه بقربته الصغيرة التي لم يعد يطيقها حتى في المنام. يتنقل بين الدول، يعقد صفقات تجارية كبيرة جدا، لا يتحدث في تجارته إلاَّ بالملايين، فعندما يتذكر تلك القرية يشعر كأنها كابوس مخيف.
أصبح يستحم في اليوم أربع مرات أو خمس. أصبحت حياته زاهية تعمها السعادة والبهجة والثراء. لم يعد يحتاج إلى ركوب الدابة، بل صار له سائقه الخاص، وسياراته عديدة الألوان والأنواع.
يلتقي في أحد الأيام بأحد رجال الأعمال الذين تعرف عليهم في سوق باريس. يتحدثان عن أمور التجارة، يعرض عليه صاحبه تجارة مربحة، لا يدفع فيها من أمواله شيئا، وهي توريد سيارات فارهة، وما عليه إلا أن يتبنى هذه الصفقة باسمه المعروف في السوق، ويتم ذلك عن طريق أحد مكاتبه، وله فيها نصف الربح، وهو مبلغ يناهز مليوني دولار.
أخذ يتبختر ولا يُلقي لكلام الرجل بالا، بل قال له: "ائتني غدا فإني قد قبلت عرضك، وسأستلم منك المبلغ ونباشر عملنا."
ذهب للنوم وهو يفكر في المبلغ الذي سيستلمه صباح الغد. ترى ماذا سيفعل به؟ هل سيدخره في حسابه، أم أنه سيضعه في مشروع أو مورد آخر يأتيه بالزيادة والربح؟
وعلى هذه الأفكار والأحلام نام هانئ البال ولم يستيقظ إلا على طرقات والدته على بابه الخشبي المتهالك في غرفته المتواضعة في تلك القرية النائية وهي تقول له: "هيا استيقظ وخذ هذا الدينار لتبتاع به علبة سجائر، وتلحق بأغنامك، فقد غادرت منذ حين."
◄ رزق فرج رزق
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ