عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

غادة المعايطة - الأردن

نصان: غير آسفة + ديليت


غير آسفة

لملمت ما تبقى من كرامة لتحتويها حتى نهاية الدرب، ربع قرن أو يزيد كانت كفيلة بتحرير أعتى المشاعر، أيام، شهور، سنين، ليل، نهار، شتاء، صيف، دولاب الحياة كما طاحونة عتيقة تئن من أسيادها، ولكن لا بد من الدوران والدوران والدوران، تسحق أنفاس قدر لها أن تحاول اقتحام حاشية هامش الحياة، الحاشية فقط.

سدود وسواتر وترسانات قوى الأرض تحاصرها، هي بالتأكيد لا تستطيع اختراقها، قدر لها أن تقبع دوما في ظل الظل، أو في ظلمة الظل، أو أي بقعة غير معقولة أو مقبولة في أساسيات الحياة الطبيعية.

تهمتها !! فعلت بعض ما أنعم الله عليها من (تفكير) وتحليل، غالبت التعب والنوم لتنعم ببركة وخيرات المعرفة، وعلى بساط الريح وربما على متن العصا السحرية، انطلقت مع تلك القراءات عبر الأزمان، والأماكن، وتقلبات البشر، وحنان الطبيعة الأم، وفلسفات الفلاسفة، ومكتبات عتيقة علاها الغبار، ومؤلفات حديثة تنتظر قارئ ربما يلمح عنوان الكتاب في أحد المطارات،

تهمة لا تغتفر، وحكم غير قابل للنقض في وسط ارتأى أن تتبخر فيما تعد أطباق الطعام أو تلميع زجاج الكريستال وغرف الاستقبال.

قررت أن تعيش بازدواجية، اختارت لها شركاء في الجنة من صالحين وأصحاب أقلام نظيفة، ودعاة طالبوا بحقها أن تعيش كبشر كامل وتام الحقوق.

أما تهمتها الثانية (وهي المسؤولة عنها بالدرجة الأولى) فقد احتوت قلبا ضعيفا يشفق حتى على كلاب الحي التي تنبح في ليالي الصقيع، وعلى النمل الذي تدوسه الأقدام فيما هو يكد لخزن قوت الشتاء، فما بالك بالبشر.

ومن باب الأولى فالأولى، فقد أفرغت مجمل دقائق الحب نحو العناية به، وإحاطته بكل ما يضمن السرور والحظ السعيد لأي كائن بشري يحلم بحياة هانئة مستقرة،

ربما اغترفت الكثير من (حصتها في الاستقرار) حتى تزعزعت الأرض أو كادت أن تميد بها (لولا أن تداركه نعمة من ربه).

بحثت في أطلس الأرض، وفي بطون الكتب، وحتى في علوم الفضاء، بحثت عن بقعة صغيرة، بحجم قبضة اليد فقط، بقعة لا يمكن أن يصلها أي من مخلوقات الله، بقعة تدفن بها الحب الكبير، غير آسفة، فقد مضت الأيام، واكتنزت المعدة بوصفات الأطباء، وأصبحت النظارات السميكة سبيلها الوحيد لرؤية الأشياء، واقتربت الشمس من المغيب.

ستعود للظل، أو ظلمة الظل، وتعود لموقعها القسري في هامش الصفحة، ولكن لن تعود أبدا لنبش تلك البقعة الصغيرة التي احتوت دفينتها.

.

ديليت (*)

(*) ديليت: هي الكلمة الإنجليزية (delete)، وتعني يحذف أو احذف، وهي من الأوامر التي تستعمل عند استخدام الحاسوب.

.

انتابها شعور بغيض من مجموع المشاعر التي تنتاب البشر العادي وهي وللأسف كثيرة وبالأخص عندما تفقد الفرامل وتختلط الأوراق وتركن مجاميع القيم في زاوية منسية أو منزل مهجور تسكنه الأرواح.

وبما أنها من أولئك الأشخاص الذين يدققون على مسألة العواطف وردات الفعل وغيرها من مصطلحات علم النفس، وتراقب بعين ثاقبة وتتفرس في وجوه جموع البشر في الشوارع، والأسواق، والأزقة، ومواسم الأفراح والأتراح ولحظات الوداع وغيرها، وحتى مشاهدي محطات التلفزة العربية بخيباتها، فقد كانت تحلم دوما بإمكانية اختراع فأرة على شاكلة فأرة الحاسوب تثبت على جزء مناسب من البدن البشري لاستعمالها في حذف (ديليت) تلك المشاعر البغيضة والتي تتكاثر بشكل غير معهود (برأيها) وهذا يعود لسببين (برأيها أيضا) السبب الأول طغيان المادة على ماهية التعامل بين البشر حيث احترام ماركة ربطة العنق وعطور باريس وموديل السيارة هو الأساس، وهلم جرا.

أما السبب الثاني وهو في الحقيقة ليس سبب بل هو سلوك بشري طبيعي لا يختلف كثيرا عن سلوك إنسان نياند رنتال أو إنسان الفيكونغ أو أي شخص يعمل مثلا كمدخل بيانات في مكتبة الكونغرس، بكلمة بسيطة، الإنسان هو نفس الإنسان بكل صفاته الطيبة والرديئة، والقصة أن الإنسان عندما ينمو ويكبر، يرى الأشياء بعين مختلفة، يفهم، يستوعب، يحلل، يقع في مطبات لا يحميه منها الأم والأب ومعلمة الصف الثالث، عليه أن يدعو طاقته وقوته وذكائه للخروج من ذلك المطب وإلا !!!

نعود إلى الفأرة الخاصة بالإنسان، برأيكم، هل سترتاح الفارة أم سيكتب عليها أن تبقى تحت ضغط الأصبع، ديليت، ديليت، ديليت.

وعودة إلى الأصل، أقصد الأساس الطيب، القيم الجميلة، فإني أدعو علماء الأرض الأفاضل وتحديدا أولئك المهتمون بدراسة الجينوم البشري، إنتاج آلية بشرية خاصة تتموضع، حسبما يراه أستاذتنا، في جزء معين من البدن بحيث تطلق هذه الآلية شذا طيب جميل يفوق المسك والعنبر وفانيلا جزر القمر، تطلقها كلما تفوه الإنسان بالكلام الطيب الجميل المدروس الواعي المسؤول المرتكز على حسن النية لدرجة أن تعبق أجواء تواجده بأنسام سماوية تسللت من جنان النعيم.

أكاد أسمع تهاليل أفلاطون وابن رشد فقد اقترب وقت افتتاح المدينة الفاضلة. السؤال: من سيفتتح مدينتنا؟ اقترح بعض صفات راعي الحفل: ورع أبي بكر، عدل عمر، رقة عثمان، تواضع عمر بن عبد العزيز، شجاعة خالد، كرم حاتم (ورع. عدل. رقة. تواضع. شجاعة. كرم). أبشركم، اشتغلت الآلية وانطلق عبير وشذا عبق بهما المكان وانتشرا بسرعة الضوء بمباركة سماوية.

D 1 أيار (مايو) 2009     A غادة المعايطة     C 0 تعليقات