عدلي الهواري
كلمة العدد 37: عن ظاهرة تحقير العرب
لا شك في أن هناك أمورا كثيرة في العالم العربي لا تسر البال. ومن الضروري نقدها والعمل على إصلاحها. غير أن نقد الظواهر السلبية شيء، وهجاء عموم العرب أمر مختلف تماما. هجاء العرب صار معزوفة مفضلة لدى كثيرين، فهناك من يقول إن العرب ظاهرة صوتية، وهناك من يقول إن العرب لا يقرؤون، وهناك قصيدة شهيرة للشاعر السوري الراحل نزار قباني بعنوان "متى يعلنون وفاة العرب؟"
وهناك من يرى أن الجماهير العربية بليدة لا تتحرك رغم سوء أحوالها. وفي الأيام الأولى من العدوان على غزة كتب أحد المثقفين العرب في الولايات المتحدة يقول إنه يتفق مع رأي الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في أنه لا أمل يرجى من الجماهير العربية رغم أن هذا المثقف يختلف معه في كل شيء آخر. ولكن الجماهير العربية خرجت، كغيرها، إلى الشوارع استنكارا للعدوان، وتضامنا مع أهالي القطاع.
وفي شهر نيسان/أبريل الماضي، تعرض العرب للهجاء مرة أخرى من قبل الشاعر السوري علي أحمد سعيد الشهير أكثر بلقب "أدونيس". وعندما ثارت ضجة حول ما قال، كتب مقالة (السفير: 6/5/2009) أوضح فيها قصده، فقال: "لا أقصد من «الانقراض» انقراض العرب بوصفهم أعداداً بشرية، بل بوصفهم طاقة خلاّقة تسير في موكب الإنسانية الخلاّقة، وبوصفهم نظاماً في بناء الإنسان، وفي إرساء قيم التقدم والانفتاح، والمشاركة في بناء العالم، وفي خلق حضارة إنسانية، أكثر غنىً وأكثر عدالةً وأكثر إيغالاً في السيطرة على الكون، وفي كشف أسراره."
وأضاف متسائلا: "أفلا يصحّ بهذه الدلالة التي لا يجوز أن تخفى على أي قارئ حقيقيّ أن نقول عن أنفسنا بأننا حضارة تنقرض؟"
هناك مشكلة كبرى في تعريف القارئ الحقيقي، والتساؤل يعني ضمنا أن من لا يتفق مع استنتاج الانقراض ليس قارئا حقيقيا. لا أتفق مع هذا الاستنتاج. ولعله من المفيد التذكير بردود فعل الكثير من المثقفين على كتاب صدام الحضارات للأميركي صامويل هنتنغتون. خلاصة النقد الذي وجه لهنتنغتون أن الحضارات ليست محددة الحدود، ولا يمكن وضعها ضمن إطار، فهناك دائما تداخل وتعاون وتواصل.
لا أكتب هنا لأرد على أحد بعينه، وإنما لأعلن رفضي الكامل لهذا المنطق الذي يستخدم كثيرا في أوساط الإعلاميين والمثقفين، فهو منطق سطحي، وفيه نظرة تحقيرية. وأجد أن خير رد على هذا الكلام إعلان الاعتزاز بالعرب وثقافتهم، دون تعصب أو انغلاق. وتعبيرا عن ذلك اخترت للترويسة أعلاه صورة لجمل في صحراء للتذكير بأن الإنسان العربي، وغير العربي، قادر على تغيير نفسه وواقعه، حتى لو جاء من صلب الصحراء، وركب الجمل للتنقل من مكان إلى آخر، وكان التمر مادة غذائه الرئيسية. الإنسان العربي لديه الكثير مما يعتز به، ويمكن أن يقدم للإنسانية الكثير. كفوا عن هجائه.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]