عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

تهميش المثقف الجزائري: من المسؤول؟

أم الخير جبور


الثقافة مفتاح التطور. يقول جارودي أشق الأمور ليس دائما أن نحل المعضلات، بل هو أحيانا أن نطرحها. ووضعية الثقافة في الجزائر أشبه بحالة سرابية أو حالة من السكون السرمدي أو من الرق الفكري، يصعب الإلمام بجوانبها المشتتة والمتشعبة، كما يصعب اقتراح الأفكار البديلة عنه.

إننا لا يمكن، في اعتقادي، أن نتورط في محظور الحديث عن الثقافة في الجزائر، فالساحة طابعها الهشاشة ورفض الإبداع، ورغم ذلك فالأكيد أن الطرح السليم مع الإدراك المؤسس للموضوع هو جزء من الحل.

يتفق الجميع على عدم وجود مشروع ثقافي مؤسس ومخطط له حاليا في الجزائر، بل هناك ممارسات فردية وفوضوية تقدم بين الحين والآخر تحت مسمى النشاطات الثقافية، وتحاول بتواجدها أن تملأ مساحة فارغة وأن تزيل البياض المتكرر في حياتنا.

ولكن هذه المحاولات القليلة لا تؤسس ثقافة مجتمع ولا يمكنها أن تشكل الصورة النهائية لمشهد ثقافي محترم. ومرجع ذلك هو تدهور الوضعية العامة، فالثقافة جزء من الكل. فهي إذن الشجرة التي تغطي الغابة. فإذا كنا فقراء في الأدب والفن فنحن شعب متخلف أما إذا كنا ننمي الفن والأدب فنحن نخطو نحو التطور.

هي معادلة بسيطة تكشف الوجه الحقيقي دون مساحيق التزييف والتجميل. إن المثقف شخص لا نستطيع الاستعاضة عنه بغيره، فلو لم يكتب كاتب ياسين نجمة لما كتبت أبدا، فكل أثر ثقافي هو شيء فذ لا يتكرر كما لا يمكن تكرار الفنان المبدع.

إن المثقف الحقيقي المبدع في ميدانه مهمش، يعايش حالة من القنوط واليأس فاقد للثقة محتقر لنفسه، يحيا مأساة الانتحار الفني البطيء وسط جمود الحركة الثقافية، فهو أشبه بحلقة مفقودة في سلسلة متوقفة معطلة على الدوام، سلسلة تتحكم فيها طواحين الهواء العملاقة كتلك التي حاربها أو حاول أن يواجهها دون كيشوت.

أن تكون كاتبا أو رساما في الجزائر فهي التعاسة بعينها والشقاء بذاته والانهيار الحلزوني الحر، فإذا كان الإبداع معاناة فإن الوصول إلى ناشر أو موزع سقوط في بئر لا قرار له، قد ينتهي بالتنازل أو الانسحاب. من المؤكد أن الثقافة وسيلة للتحرر ولكنها في حاجة أن تتحرر من انعزالها ومن علاقتها الخاصة مع النخبة المثقفة.

إن الحركة الثقافية لا تظهر من الفراغ أو من العدم مع حياة في شموليتها لا تشجع على التفكير والحوار وفي مجتمع يكون الاستماع إلى الآخر من الأمور المغيبة. فالجزائري في مجال تخصصه يفتقد تقاليد ثقافية كثيرة، فهو لم يدرب لتذوق الجمال واستقباح القبح والنفور منه وعلى حب مختلف القيم والمثل الجمالية والفنية.

الجمال الثقافي، إن وجد، يحتاج إلى ظروف ملائمة لتذوقه، فالإنسان الرازح في الهموم والواقع في عوز لا يتذوق حتى أروع المشاهد، فثمة أزمنة تاريخية وأماكن جغرافية غير ملائمة ليس فقط للإبداع الفني وإنما أيضا لحفظ الأعمال الفنية.

الجزائر حاليا من هذه الأماكن التي تحارب الثقافة لأنها بذلك تحارب الحقيقة. وهنا لابد أن نميز بين أجهزة الدولة المسؤولة بشكل نسبي وبين الأجهزة الأيديولوجية للدولة، التي تتحمل كل المسؤولية، الممثلة في المنظمات الثقافية والرياضية والمدارس والعائلة، إلى آخره. فهذه الأجهزة وإن كانت تعمل وفق إيديولوجية معينة وهي مصدر لصراعات فكرية متواصلة لكنها المناطة بالتوجيه والتوعية.

إننا لنتألم لأننا نحس بمسؤوليتنا اتجاه هذا الوطن، ونعلم جيدا أن قدرنا أن نتواجد فوق تراب هذه الأرض إلى اللحظة الأخيرة. والأكيد أن الجنة أو النار فوق أديمها بعيدا عن الضفة الأخرى، واختياراتنا تحدد التوجه الصحيح بين الوقوف إلى جانب الثقافة المزيفة أو الثقافة الأصيلة.

الطبقة المثقفة مطالبة بوضع معالم واضحة وفاصلة بين القيم الفنية المقبولة والادعاءات الفنية المرفوضة. وقبل الاهتمام بالتواجد المادي والمنتوجات الإبداعية وقبل البحث عن انتشار الكتب والمسرح والرسم، ينبغي ترتيب البيت الثقافي من الداخل وتوحيد الجهود بين جميع الجهات المحبة للوطن وللثقافة الوطنية، لأن فهم الفرد الجزائري واستيعاب طبيعته وطريقة تفكيره هي الخطوة الأولى لتأسيس قواعد ثابتة للمختلف مجالات الثقافة، لأن الفنون تنطلق منه ثم تعود إليه.

إن الجزائري من الناحية النفسية لا يحسن اتخاذ القرار المناسب وينتظر دوما الحلول المنقذة من الخارج ولا يرغب في تغيير الأوضاع بنفسه ويرغب بشكل مستمر في الثقافة الجاهزة ويعيش حالة من التناقض الدائم بين القول والفعل.

يجب علينا أن نبقي صلتنا مع الحياة ومع الناس، وأن نتجاوز الانعزال وأن نتعامل مع مختلف تيارات الحياة الاجتماعية ونعايشها ولا نكتفي بالملاحظة.

D 1 تموز (يوليو) 2009     A أم الخير جبور: ملف الجزائر     C 0 تعليقات