تهميش المثقف الجزائري: من المسؤول؟
قلولي بن ساعد
ليس لنا في ليل مشهدنا الثقافي الجزائري المأزوم داخل الذهن المتسائل، الحوار الصامت مع الذات والخيال والوجود، إلا إثارة الاستفهام بالطرح وإعادة الطرح وتكرار الإعادة مرات ومرات ومن مواقع ووضعيات مختلفة لاختيارنا السير في سبل غير معلومة بعيدا عن وثوقيات الأجوبة الجاهزة والأسئلة المفتعلة الزائفة والمغلوطة والتي كثيرا ما تغطي سوءات ومثالب الوجوه الصقيعية المصطفة هنا وهناك.
هنا في الجزائر العميقة، وهناك في الجزائر العاصمة، المركز الوهمي للإشعاع والقرار الثقافي والتداول الإعلامي للقضايا الزائفة في خط تصاعدي يظهر من خلال المؤسسات الثقافية القاتلة للفرد وللحرية الفردية بمختلف مواقعها ووظائفها مسطرا حد الأسطورة (أسطورة التنمية الثقافية الزائفة) حد الرداءة. حد العبث.
هناك حركة نشر انتعشت في السنوات الأخيرة بفعل تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية لسنة 2007 وما تلاها من دعم يبقى محدودا لسياسة نشر الكتاب فصدرت مجاميع شعرية وقصصية وأعمال روائية.
لكن هذه الحركة لا تعطينا الإحساس بوجود مشهد ثقافي متحرك أي أننا لا نشعر مثلا بوجود حركة مسرحية نشطة وأن المسرح المناسباتي مثلا المرتبط بمناسبات لها دوافعها وأهدافها الإيديولوجية المعلنة منها والخفية هو الوجه السائد.
وهذا المسرح الذي إذا أضيف له الكرم السخي من الوزارة الوصية والذي تروج له التلفزة الوطنية هو الذي يشكل الوجه الفعلي للمسرح وهو الذي يتعامل مع المتلقي.
وفي مجال الشعر والقصة والرواية والنقد الأدبي لا يختلف اثنان في أن التعلق الشكلي بقصيدة النثر وبمقولات السيميائيات الأدبية والنقد الثقافي والأدب النسائي دون استيعاب حقيقي لها والابتعاد عن الهموم الفعلية للمجتمع والثقافة هي السمة السائدة.
وعليه يصح القول إنه لدينا مثقفون ومبدعون وليس لدينا حركة ثقافية نشطة. هذا على الرغم من فيض المجاميع الشعرية والقصصية والأعمال الروائية التي بدأت تغرق السوق، كما لو أنها جاءت لتؤكد مقولة معكوسة مفادها أن التراكم الكمي يعطي إحساسا بالغثانة والركود النوعي.
فمثلا حين تعجز مؤسساتنا الثقافية عن إصدار مجلات أدبية وفكرية ومخصصة ولكنها في الوقت ذاته تعمل على إقامة وتمويل عدد من المهرجانات الفولكلورية والملتقيات الأدبية، ظاهرا، فهذا كله يدل على أمر واحد، وهو أن المهرجان إنجاز إعلامي وإداري أكثر مما هو إنجاز ثقافي.
ونتيجة لهذا اعتدنا على التعامل مع أعلام الثقافة أو ثقافة الإعلام، الأمر الذي جعل للملاحق الثقافية أهمية تحل محل المجلات الأدبية المتخصصة الغائبة أو المغيبة بفعل جنوح القائمين على مشهدنا الثقافي على سياسة الترقيع والتوظيف الدعائي لما يقومون به من أنشطة هزيلة دون تمعن ودون فعالية بالاعتماد على نفر من أشباه الكتاب تنازلوا عن وظيفتهم الأساسية وهي إنتاج القيم الرمزية والفكرية مقابل أدوار إدارية وزبائنية وعشائرية وصحوبية إن صح التعبير في حركة هي أشبه "بالعصابة المنظمة" فتحول المثقف والمبدع والحال هذه إلى مجرد خطيب أو "مثقف أجير" يجتهد بأقصى قدر ممكن من الأمانة في تدبيج كلمات الترحيب وقصائد المدح لسادته.
وقد انقلب على عقبيه بالمعنى الرمزي والدلالي للكلمة إلى قاتل وقتيل يقتل زميله المبدع "اللا منتمي" بالتهميش والإقصاء والإلغاء بل "وبالدسائس الثقافية" أيضا، ويهلك في كل المواضع داخل الجريدة والجامعة والمؤسسة على حد سواء لا يفعل ما يريد ويروم مالا.
يريد أن يتحدث عن الديمقراطية المغشوشة وبنيوية يجهل جذورها وأواخر عطاءاتها وعن الرواية واللارواية وعن الهوية والاختلاف وهو يلوذ بالمطابقة والائتلاف كما يلوذ بسحر الخطاب الأحادي يدفن فيه وعيه البائس للتاريخ وأشلاء فهمه المجزأ والقاصر للحداثة "والحداثة المعطوبة" (بتعبير عمار بلحسن) وما بعدها.
وقد تاهت به السبل الملتوية بين "تراث" يتكدس عند القراءة "نصوصا" تحفظ عن ظهر قلب ولا تعيش معه مشاغل عصره بل لا نتواصل وواقع الحركة والتطور وواقع لا يملك منه إلا الانتماء إليه قسرا، فكانت عودته إلى فكر العشيرة والزبائنية والجهوية، تشرع الخلاف لا الاختلاف والصراعات الدانكشوتية وتباعد أخيرا بين الشعار والممارسة، بين القول والفعل وما بينهما برزخ لا يبغيان.