عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 4: 37_47 » العدد 39: 2009/09 » كلمة العدد 39: عــن الأبــراج الـعـاجـيـة

عدلي الهواري

كلمة العدد 39: عــن الأبــراج الـعـاجـيـة


عدلي الهواريثمة أنصاب تذكارية تقام في الساحات العامة يكون بعضها لتكريم شخص ما بوضعه على حصان، وهو والحصان على قاعدة مرتفعة. وهكذا ينظر هذا الشخص على البشر بعليائية، وعلى الناس أن ينظروا إليه من تحت.

كثير من المثقفين والمبدعين يبني لنفسه نصبا من هذا النوع، ليس نصبا من الحجر أو البرونز، ولكنه من ناحيتي تقدير الذات والتعامل مع الآخرين مماثل لنصب راكب الحصان الموضوع على قاعدة مرتفعة وسط ساحة عامة، فهم لا يطرحون التحية إذا راسلوا أحدا، وهم لا يردون على الرسائل إن أنت راسلتهم. أكثر ما هو مسموح لك هو أن تلتقط لنفسك صورة والنصب في الخلفية تأكيدا على أهميته كمعلم ثقافي بارز.

هذه الظاهرة امتداد لعقلية البرج العاجي، فثمة ازدهار في تشييد الأبراج العاجية والتعامل مع الناس من أعاليها. أهلنا يبنون لنا أبراجنا العاجية في أقرب فرصة ممكنة. وسرعان ما تنتقل إلينا الرغبة الشديدة في إكمال بناء البرج العاجي، أو استبداله بواحد أعلى منه: الطبيب/ة، المهندس/ة، الصيدلاني/ة، الصحفي/ة، الأستاذ/ة، الشاعر/ة، الناقد/ة، الروائي/ة، القاص/ة، الفنان/ة، الشيخ/ة، الأثرياء فعلا والذين يكدحون من أجل الثراء. ما أكثر المنشغلين ببناء برج عاجي والتعامل مع غيرهم من عليائه!

عندما نسكن البرج العاجي نصبح أكبر وأهم من أن نتعامل مع أناس "ليسوا من مستوانا." يصبح الطبيب أكبر من أن يتكلم بأدب مع المريض. يصبح الصحفي خبيرا في كل القضايا. نصبح حالات استثنائية: مواهب لم يعرف مثلها من قبل، ذكاء خارق. ويتبخر في داخلنا التواضع والبساطة والشعور بأننا كبشر متساوون، وأننا كلنا من آدم، وآدم من تراب.

مع أطيب التحيات

عدلي الهواري

D 1 أيلول (سبتمبر) 2009     A عدلي الهواري     C 0 تعليقات