عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد محمد أسد - سورية

تطور مطلع القصيدة


تطور مطلع القصيدة من العصر الجاهلي إلى العصر العباسي

إنّ الكلمة الساحرة خير ما يعجب به العربي، فللكلمة البليغة سحرها وأثرها في نفس العربي الذي طالما أعجب بها. وشدَّته دلالتها اللفظية من تناسب حروف وموسيقى إلى دلالتها المعنوية. وشعرنا العربيُّ قاموس بلاغتنا، ودليل سحرنا وبه أعتزّ العربيُّ ووقف مزهوا. وتباهت به القبائل إلى أن جاء بيان الله في محكم آياته كترسيخ لسحر الحرف وأثره.

إن الشاعر العربي عاش متنقِّلاً كغيره في العصر الجاهلي يسير حيث يوجد الكلأ والماء
والاستقرار. بينه وبين السماء رفقة وعشرة مديدة، بينه وبين الأرض عهد مودة سرعان ما ينفصم مخلفا شريطا من الذكريات الجميلة ليحل في مكان آخر يزرع فيه الذكريات التي شدَّتْهُ وهزَّتهُ بعنف وحرارة فلم يجد أمامه سوى البوح عن خلجات نفسه وروحه، فكان الشعر وحيَ النفس وبوحها عمَّا يحسُّ ويعاني.

ما ذكرته مدخل لغرضنا الأساسي الذي ستظهر فيه علاقة القصيدة وشكلها بظروف الحياة، وأخصُّ الوقوف على الأطلال فأغلب القصائد تتفق بوقفتها على الأطلال، ويمكن أن نستثني منها قلة من القصائد كمعلقة عمرو بن كلثوم الذي استهلَّها بالخمرة. في مطلع كل قصيدة وقفة حافلة الذكريات تُعْرَض ضمن شريط مجبول ومنسوج بالحزن والأسى والعَبْرة والاستجواب واستحضار طيف المحبوبة فلا تخلو قصيدة من ذكر أيام اللهو والحب. وهذا ما يدعونا للقول: إن الوقوف على الأطلال حالة شعورية صادقة، نقلها الشاعر من أعماقه وعن تجربة، فيها لوعة وشوق وحب وود ووفاء،

ولنا رد على أولئك المتزمتين الذين اعتبروا الوقوف على الأطلال لازمة ضرورية خالية من أي مضمون واعتبروها تقليدا وأشبه بالقانون الصارم الذي لا يمكن للشاعر أن يخرج عنه. لقد أساؤوا الفهم وغاب عن بالهم أن وقفة الشاعر الجاهلي على الأطلال وقفة حقيقية نابعة من أعماقه. وهو الذي يقضي حياته متنقِّلاً هنا وهناك. ما أن يستقر ويرمي حمله وعصاه ويجمع خيامه ويضرب أوتادها في الأرض حتى يقتلعها،ويحزم أمتعته استعداداً لرحلة جديدة، وفي كل مرة يترك قلباً متفجراً بالأسى وعبرة تسبح في بحر أحزانه وذكرياته. تعذّبه آلام العشق والهوى التي تَتّحد مع كل رحلة وهو الذي يعيش على الفطرة والعفوية بعيدا عن التكلّف والمدنيّة ولهذا أكثر من ذكر محبوبته في القصيدة الواحدة كامرئ القيس وغيره،

من الطبيعي أن يجد القارئ في شعره تلك النفخة الوجدانية البدوية التي ينفثها من قلب حزين دون إذن مسبق مما يستدعيه البكاء وذكر الدموع والشوق فلنسمع تلك النفحات من امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل == بسقط اللّوى بين الدخول فحومل

فتوضح فالمقواة لم يعف رسمها == لما نسجتها من جنوب وشمأل

فأسماء الأماكن وتداعي الذكريات غالبة على كل القصائد الجاهلية فطرفة بن العبد يقول في معلقته:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد == تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

لا بد من الوصول إلى نتيجة حتمية من وراء هذه المعلقة. إن الوقوف على الأطلال في الشعر الجاهلي من صُلْبِ الواقع. ومحرِّكُهُ الوجدانيُّ المعاناةُ وهو ترجمان النفسِ وانعكاس لأحاسيسها وقد ساعدت عليه الظروف الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية مجتمعة فلا تخلو قصيدة من اسم لمحبوبة أو مكان أو لشخص: حومة الجندل؛ الدخول؛ حومل؛ أم أوفى؛ خولة؛ برقة؛ ثهمد؛ أم جندب: سلمى. إنها لا تختلف عن مجموعة من الصور والأفلام التي يلتقطها الإنسان في وقتنا الحاضر بين وقت وآخر يجترّ شريطها ويستمع بالذكريات ويقرِّبُ إليه أيام لهوه وسعادته فزهير بن أبي سلمى يقول:

صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو == وأقفر من سلمى التعانيق والثقل

فالتعانيق والثقل أسماء لأماكن وجدت فيها سلمى ولا يغيب عن بالنا أثر الحالة النفسية للشاعر الجاهلي الذي عرف برقة الطبع والمشاعر رغم صعوبة الحياة وقسوتها وكذلك طبيعة تكوينه الفنية. خيالُه خصبٌ صافٍ وذاكرتُه متدفِّقةٌ ونشيطة وبساطة حياته تجعل المخزون العاطفي متدفِّقا والتقليدُ قد يكون انعكاسا حقيقيا لقيم سائدة والعربيُّ حريص على القيم ولهذا أؤكد بأن الوقوف على الأطلال صورة حقيقية وصادقة وليست تقليدا خاليا من الإحساس والمشاعر كما يدَّعي بعض النقاد ولا يمكن أن نحارب تقليدا وأعرافا ونفرض أعرافا جديدة وهناك مسافة زمنية طويلة خلفت أجيالا وفنونا في التعبير.

وتأتي رياح الوافد الجديد ألا وهو الدين الإسلامي الجديد حاملا معه سحرا حلالا ترك ألبابَ العرب تحتار من روعة إعجازه الذي لا يأتيه الشكُّ بين يديه. وبقيت القصيدة العربية في مرحلة أقرب إلى الاستقرار على نهج الجاهلين فأغلب الشعراء المخضرمين كحسان وكعب ولبيد والحطيئة وغيرهم ما زالوا على عهدهم بالشعر وتقاليده ونذكر وقفة كعب بن زهير بين يدي رسول الله عندما قدم معلنا إسلامه وتوبته وطالبا عفو رسول الله بعد أن أهدر دمه لأنه هجا المسلمين، فقال:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول == متيَّمٌ إثرها لم يفد مكبول

فالمطلع جاهلي وفيه الغزل ورغم ذلك أعجب الرسول بالقصيدة فخلع بردته وأكرمه وأعلن العفو عنه وفي هذا المجال لا بدّ أن نعرِّج على نقطة ذات أهمية فقد ذكر بعض النقاد:

"أن الشعر في هذه الحقبة ضعف وخمدت ريحه وثورته". أرى أن الشعر لم يضعفْ من الناحية الفنية بل خمدت ريحه وثورته وهذا عائد لأسباب متعددة في مقدمتها إحساس العربي بإعجاز القرآن وبلاغته وتفوقه بلا شك على القصيدة إضافةً إلى اهتمام المسلمين والالتفات إلى حفظه وتلاوته وانشغالهم بالفتوحات ونشر الدعوة الجديدة، وهناك جانب هام يجب أن يذكر في هذا الصدد ‘ فمادة الشعر ووقوده في العصر الجاهلي العصبية القبليّة والنزق والخمرة والفحش والنساء. والإسلام يمنع ويعاقب في مثل هذه الأمور ونعرف قصة حبس الحطيئة في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب عندما هجا الزبرقان ببيت ظاهره مدح وباطنه هجاء وذم ويضاف إلى ذلك أن الفترة الإسلامية الأولى جاءت بعد أن فارق الساحة الشعرية أعلام الشعر الجاهلي وجيل الكبار منهم كالنابغة وزهير وعنترة والأعشى وغيرهم.

إن الإسلام هذب مضمون الشعر والقصيدة ولم يقف في وجهه بل أقر بدوره ومكانته واعتبره سلاحاً موجها على المشركين والأعداء وقد أعجب الرسول ( ص ) وعمر بشعر عنترة وزهير وغيرهما لما في شعرهم من معان ومواقف رائعة وكذلك أكرم كعبا وحسان.

بعد هذا يمكننا القول: إن القصيدة العربية لم تضعف بل هُذِّبتْ وقضت فترة مبيت شتوي إلى أن جاءها المخاض من جديد في العصر الأموي فتهيأت لها الأسباب المساعدة للانتعاش من خلافات سياسية وأحزاب وعصبية أججت نار الشحناء بين عرب الشمال والجنوب وبين الأحزاب السياسية من شيعة وخوارج وأهل سنة إلى أمور أخرى، بين بيت الأموي الحاكم والبيت الهاشمي وغيره،هذه الأمور أعادت للقصيدة جاهليتها حيث الفخر والحماسة والمدح والهجاء. وتمثَّل ذلك في النقائض وشعر الخوارج فانتعش الشعر من جديد وظهر شعراء من الطبقة الأولى كجرير والفرزدق والأخطل والكميت وجميل وذي الرمة وغيرهم ممن لا يقلِّون مكانة عن مكانة شعراء الطبقة الأولى والثانية في العصر الجاهلي.

والملاحظ في العصر الأموي أن شكل القصيدة أصابه شيء من التطور فالوقوف على الأطلال استمرَّ لدى الكثير ونخصُّ منهم ذا الرمة وجريرا والأخطل والفرزدق ولكن ظهرت المقطوعات الشعرية ذات الموضوع الواحد كغزليات عمر بن أبي ربيعة وخمريات الوليد بن يزيد الذي عرضها بأسلوب قصصي يعتمد على وحدة الموضوع ومن المفيد أن نذكر حرص الدولة الأموية على هوِّيةِ الشعر والسياسة ولذلك ابتعد الشعر عن التطور السريع والمفاجئ فبقي في قالبه العربي شكلاً ومضموناً في منأى عن العنصر الأعجمي الذي لم يدخل ساحة الأدب والشعر والسياسة إلا في العصر العباسي وهو العصر الذهبي للأعاجم وللثقافة الإسلامية العربية معا وقد تهيأت له الظروف المساعدة.

إن العصر العباسي كان حافلاً بالمستجدات المطروحة على أنماط الحياة المختلفة فلم يبق العرب على منبر الخلافة منفردين فظهر العنصر الأعجمي وبشكل خاص الفارسي والرومي وحصل التزاوج والاحتكاك وشرَّع العرب نوافذهم للثقافات الوافدة المختلفة وتنشَّطَ من كان خامدا لخوف ورهبة فوجد أمامه الباب مفتوحاً. فُسِّرَ القرآن وجُمِعَ الحديث ودُوِّنَ وترجمت الكتب وظهرت النظريات الكلامية واستقرَّ المسلمون فبنيت بعض المدن كبغداد وتوسع الاستقرار في المدينة على حساب الحياة البدوية فانتقل الناس من الخيام إلى البيوت وما فيها من بناء ومتعة.

أليس كافيا للتغيير والتجديد في منحى الحياة وطريقة الحياة؟ وهذا فعلاً ويمكن أن نطلق القول عن هذه الفترة بأنها فترة تلاقح ما بين الثقافات الوافدة والثقافة العربية فظهرت علوم حديثة كالفلسفة والمنطق والفلك والعلوم وترجمت آثار الأعاجم الهامة "كليلة ودمنة" وكتب أرسطو وأفلاطون.

في هذه الظروف المتداخلة والمعقّدة برز شعراء وكتاب من أصل أعجمي ودخلوا معمعة التنافس بثبات فمنهم من دخلها بحسن نية كأبي تمام وابن الرومي ومنهم من دخلها وهو يحمل شيئا في أعماقه يريد التعبير عنه متحدِّيا العرف والمجتمع كبشار بن برد بمجونه وشعوبيته وأبي نواس الذي يطلُّ على الساحة متحاملاً على العرب وتراثهم معلنا سخريته من العرب ووقوفهم على الأطلال ومنازل الديار.

إلى هنا والأمور طبيعية ولكن ما نريد قوله والوصول إليه: هل من المنطق أمام هذه التطورات أن تبقى القصيدة العربية في ثوبها المألوف الذي لم يعد يليق بها بعد أن مرَّتْ عليها فصولْ وأنواء؟ فلا بد أن يشمل التغيير شكل ومضمون القصيدة فالمضمون تطور لدرجة كبيرة فلم تعد القصيدة سطحية بأفكارها ومعانيها بل بدأنا نحتاج لكد ذهني وتأمُّل في فهمها. وهل نسينا الخصومة حول مذهب أبي تمام والبحتري وكذلك حول المتنبي ومثله المعري؟ فمضمون القصيدة أصابهُ عمقٌ فكريّ لدرجة جعلت القراء ينفرون منه وبخاصة المتمسكون بالثوب القديم واعتبروه خروجا عن عمود الشعر العربي ولكن المعركة الحامية ظهرت في شكل القصيدة ومطلعها.

صحيح أن أبا نواس هاجم مطلع القصيدة العربية ودعا إلى تجنب الأطلال في أكثر من قصيدة بحجة التجديد الذي يجب أن يشمل كل شيء في الحياة وكذلك يعلن موقفه من الوقوف على الأطلال ولا أعتقد أنه ينبغي ذلك بل مدخلاً للتعبير عن شعوبيته وحقده الدفين:

قل لمن يبكي على رسم درس == واقفاً ما ضرَّ لو كان جلس

لا تبكِ ليلى وتطربْ إلى هند == واشربْ إلى الوردِ من حمراء كالورد

فدعوة أبي نواس شعوبية يخفي وراءها كرهاً للعربية وحقدا دفينا وهذه الدعوة التي دعا إليها قادمة آجلا أم عاجلا. وهذا الذي نقوله يؤكده الشعراء الذين سبقوه أو لحقوا به لقد بدأ الشعر يخرجون عن نهج القصيدة الذي ألفناه في الجاهلية فالشاعر الذي عاش في العصر العباسي واحتكَّ مع الأحداث والمستجدَّات عن قرب لا بد أن يعبِّر عن همومه أو يوظف تجربته وحكمته وهذا ما نجده في مطلع القصائد فقد خرج الشعراء بمحض إرادتهم دون دعوة موجهة يبتغى من ورائها التشهير والطعن وإبراز التميُّز فأبو الطيب المتنبي تكثر الحكمة عنده والتي استهل بها قصائده:

لكل امرئ من دهره ما تعوَّدا == وعادة سيف الدولة الطعن في العدا

وقوله أيضاً في قصيدة ثانية:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا == وحسب المنايا أن يكنَّ أمانيا

إن تطوُّرَ الحياة لا بد أن يؤثِّرَ في حياة الناس عامة والشعراء بشكل خاص لما يملكون من رِقَّة وإحساس وعدسات لاقطة فابن الرومي بعد تأمُّل ومعانة وصل إلى هذه المطلع الشعري العميق المستخلص من تجاربه:

سليمُ الزمان كمنكوبهِ == وموفورهُ مثلُ محرومِهِ

وأبو العتاهية يعتمد على المقطوعات الشعرية ذات الغرض الواحد فيعلن تجربته وحكمته بعد اختبار لمستجدَّات الحياة:

مَنْ عرف الناس في تصرُّفهم == لم يَتَتبَّعْ مِنْ صاحبٍ زللا

فالحكمة والمصائب والمعاناة أصبحت اللازمة والمطلع المناسب لأغلب القصائد وهذا طبيعي وحصيلة انعكاس لثقافة العصر وتعقيداته الاجتماعية والسياسية فلم تعد هناك حاجة للوقوف على الأطلال طالما أنهم استقرّوا في المدن واستوطنوا البلدان. إذاً الخروج عن نهج القصيد لم يكن مذهباً فكرياً أو دعوةً كما يحلو للبعض أن يحكم عليها بل هي محصلة طبيعية دون اللجوء إلى العمليات القيصرية كما أرادها أبو النواس وغيرُه الذين أرادوا أن يحقِّقوا مآربهم والأسماء كثيرة من المتنبي إلى المعري رجوعاً إلى أبي تمام وبشار والوليد بن يزيد وغيرهم فنجد في شعرهم الشكوى من الزمان والإنسان والعتاب المر ومنهم من استهلَّ قصائده بالخمرة فأشْجعُ السلمي وهو شاعر عباسي يمدح الرشيد مستهلا قصيدته بوصف الخمرة:

لا عيش إلا في جنون الصبا == فإن تولّى مجنونُ المدام

كأسٌ إذا ما الشيخُ والى بها == خمسا تردَّى برداءِ الغلام

ومن جانب آخر نرى الشاعر مطيع بن إياس يشارك الطبيعة ويخاطبها شاكيا الزمان من قلب مفعم بالحزن:

أَسْعِداني يا نخلتي حلوان == وابكيا لي من ريب هذا الزمان

واعلما أنَّ ريبَهُ لم يزل يُفْرِ == قُ بين الألاّف والجيران

كل هذه المطالعُ تُوصلنا إلى أنَّ مطلع القصيدة ومضمونها تطوَّرا بشكل طبيعي فما الحكمة إلا بوح نفسي لما يختلج في نفس الشاعر حالها كحال الوقوف على الأطلال ولكن من المنطق التعايش مع الواقع والتأثرُ به، فأبو تمام يستهل قصيدته البائية في وصف معركة عمورية ومدح المعتصم بالحكمة وفيها يعبِّر عن وجهة نظر في المنجمين وكذلك أبو الطيب المتنبي يقف هذه الوقفة في وصف لمعركة الحدث ونرى هذا في قصيدة أبي البقاء الرندي في الأندلس وقبله البحتري في سينيته المشهورة وأبو العلاء المعري في رثاء الإنسانية:

غيرُ مجدٍ في ملَّتي واعتقادي == نوح باك و لا ترنُّم شاد

وكذلك في رثائه لجعفر بن علي المهذب:

ومن أبى في الرُّزْءِ غير الأسى == كان بكاهُ منتهى جهده
والشيءُ لا يكثُر مدَّاحُهْ == إلاَّ إذا قيس إلى ضدِّه

بعد كل ما تقدم أرجو أن أكون قد وصلْتُ إلى نتيجة خلاصتُها أنَّ الوقوف على الأطلال ليس إلا انعكاسا وإحساساً بواقع مألوف وإن استهلال القصائد بالحكمة والعتاب والشكوى وغير ذلك في العصر الأموي والعباسي ليس إلا انعكاسا طبيعياً جاء في وقته وإن ما دعا إليه أبو النواس كان مقررا أن يأتي في وقته المناسب ولكن شاء أبو نواس أن يظهر شعوبيته كما يظهرها روَّاد الحداثة التي لا تحمل سوى الهدم لتراثنا لأنها تنسف الجذور، وتفتح المجال لدك الثوابت في لغتنا وتفكيرنا ولا نعتقد أن الحداثة مرهونة بالشعر فحسب.

ويبقى الأدب في كل مراحل التاريخ مرآة تعكس متطلبات الحياة ومؤثراتها والأدباء أكثر الناس تأثيرا في الحياة ومستجداتها والجديد يجدُ مَنْ يعارضه ويناقشه ويخاصمه وما هذا إلا خير للأدب والثقافة فأدب من دون جديد ونقاش وجدلٍ مدروس يؤول إلى جماد، ونعلمُ أنَّ كلُ جديد سيصبح قديما كما قال الناقد ابن قتيبة في مقدمة كتابه "الشعر والشعراء".

= = = = =

المراجع:

1= الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف.

2= مصادر الشعر الجاهلي، ناصر الدين الأسد.

3= اتجاهات الشعر العربي في القرن الهجري، محمد مصطفى هدره.

4= التطور والتجديد في الشعر الأموي، شوقي ضيف.

D 25 كانون الثاني (يناير) 2012     A محمود محمد أسد     C 1 تعليقات

1 مشاركة منتدى

  • "... ما دعا إليه أبو نواس كان مقررا أن يأتي في وقته المناسب ولكن شاء أبو نواس أن يظهر شعوبيته كما يظهرها رواد الحداثة التي لا تحمل سوى الهدم لتراثنا لأنها تنسف الجذور، وتفتح المجال لدك الثوابت في لغتنا وتفكيرنا ولا نعتقد أن الحداثة مرهونة بالشعر فحسب."

    صدق هذا الكلام، فلكل زمن أبونواسه.

    شكرا على هذا البحث المستفيض و الهام في تطور مطلع القصيدة.


في العدد نفسه

كلمة العدد 68: الجوائز والتغاضي عن الأخطاء الفادحة

عن مبدعة الغلاف

قراءة في تجربة الانتقال السياسي التونسي

منظور النّقد عند عبد الملك مرتاض

تجربة كريمة ثابت الشعرية