عــــــود الـــنـــــــد

ضانا: منطقة في جنوب الأردن تحظي بصفة محمية طبيعية منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي. الصور المستخدمة مع النص من تصوير الكاتبة.

ترهقنا حياتنا بماديتها الجافة فنكاد نبحث عن أرواحنا في متاهات هموم ومشاغل، فلا نكاد نجدها. وتجنح الروح للحظات صفاء، ونقاء، وسكينة، فتسابقنا تعانق الطبيعة، وترتشف النور عطرا؛ فلا بد لنا من وقفات نستجمع فيها أنفسنا المبعثرة، ونلملم فيها شتات قلوبنا المنكسرة المنهوكة. هذه الوقفات تحلو بين أحضان أمنا الأرض التي وهبها الخالق لنا؛ صورها وزينها فأبدع. نجثو بين يديها، نشتم تربها، ونسمو نحو زرقتها، ونتطهر من هموم وأغلال وأسار مادة.

محمية ضانا، الأردن

ساقتني الروح إلى جنوب الأردن الحبيب تحديدا محافظة الطفيلة الهاشمية قاصدين منطقة ضانا في لواء بصيرا، العاصمة القديمة لمملكة آدوم.

على مدخل بصيرا يقابلك مقام الصحابي الجليل، الحارث بن عمير الأزدي، رسول النبي محمد، الله صلى الله عليه وسلم، حيث قتل الصحابي هناك، وكان مقتله سببا في وقعة مؤتة الشهيرة. ويضم المقام مسجدا واسعا ذا تصاميم ونقوش إبداعية تجلت في جوانب المسجد والمنبر. كما يحتوي المقام مرافق متنوعة تخدم الزوار.

محمية ضانا، الأردن

نكمل المسير صعودا نحو ضانا عابرين بين بصيرا وغرندل ورواث" لنعتلي كتف "لحظة" هذه المنطقة الخضراء تمد يدا لـ"ضانا" تصافحها صبح مساء. نستمر في الارتفاع، فضانا تحملها جبال "القادسية" على ارتفاع 1600 متر عن سطح البحر ثم تنخفض عنه في مناطق أخر في سهول وادي عربة حتى 200 متر تحت سطح البحر.

محمية ضانا، الأردن

مطلة ضانا تشرف على قريتها القديمة التي جددت بعض بيوتاتها لتستخدم نزلا للسياح وزوار المحمية. تقف السيارة. تهبط منها. تطل على ضانا فتبهرك جبالها الشماء تشعر بها بعيدة قريبة. ينام بحنو بين ذراع تلك الجبال "وادي فينان" ذاك الذي كلما تأملته حيرني بنداءاته: أن تعالي واستكشفي أسراري، فأنا هنا بين جبال ضانا أغفو وأرمقكم، قد احتضنت أجدادكم قبل الميلاد، وبعد الميلاد. وحتى اللحظة لم أبخل عليكم بعطائي.

محمية ضانا، الأردن

في محمية ضانا تشاهد تنوعا بيئيا وجغرافيا مثيرا للإعجاب. لقد حبا الله منطقة ضانا تنوعا حيويا حيث تجد فيها الأقاليم الحيوية الجغرافية الأربعة: إقليم البحر الأبيض المتوسط، إقليم الصحراء العربية، الإقليم الإيراني-الطوراني، والإقليم السوداني. وهذا مما أثرى الطبيعة الغناء فيها من حيوانات ونباتات ما بين السرو دائم الاخضرار، وشجيرات صغيرة من الشيح، وأشجار البلُّوط والعرعر.

محمية ضانا، الأردن

سجل في عام 1996م ثلاثة أنواع نادرة عالميا من النباتات جديدة على العلم وحملت اسم "ضانا" ضمن اسمها العلمي؛ تخليدا لمنطقة ضانا، وقد أثبت أن لبعضها قدرة على علاج بعض أمراض المعدة والأمعاء.

محمية ضانا، الأردن

في طريقك لقرية ضانا تنفذ إلى "شلال ضانا" الذي كان يتدفق غزارة وصفاء يوم وصولنا؛ فقد اغتذى من ثلوج وأمطار هذا العام من فضل الرحمن، وتمتد السواقي من هذا النبع لتسقي بشرا وحيوانات ومزارع. وقد امتدت نباتات الخبيزة الخضراء على جوانب النبع تتمايل زهوا بعذب مائها. لا تتردد مدَّ كفيك، وارتشف رشفات من ماء ضانا: ستفاجئك عذوبته وحلاوته.

ضانا أصبحت محمية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي تشهد عشرات الآلاف من الزوار سنويا. أقيم لأجل استقبال زوار محمية ضانا وتوفير الراحة لهم فندقان ونزل فينان ومخيم الرمانة والقرية القديمة وبيت الضيافة. هناك تجد سياحا من شتى أقطار المعمورة، يحملون كتبا وخرائط. يتجولون ويقرؤون ويتتبعون ويبتسمون.

محمية ضانا، الأردن

ضانا رسالة تبعث لنا بها أمنا الأرض لنكون أبناء بررة نصون خيراتها، ونحترم جيراننا فيها، ونقدر حقهم في العيش ضمن مواطنهم الطبيعية: الحيوانات والطيور والنباتات، وستمنحنا رضاها اخضرارا وماء وسكينة وصفاء.