محمود الزواوي - الأردن
هيمنة السينما الأميركية على السينما العالمية
شهدت السينما الأميركية ثورة تكنولوجية في سبعينيات القرن الماضي أحدثت تحولا جذريا في مسيرتها كصناعة وفن ووسيلة ترفيه جماهيرية، ما زالت أصداؤها تتردد حتى هذه الأيام. وأحدث ذلك تغييرات رئيسة في طبيعة أفلام هوليوود وأنواعها وجمهورها، بهيمنة أنواع سينمائية معينة كأفلام الحركة والمغامرات والخيال العلمي واختفاء أو تراجع أنواع سينمائية أخرى، كأفلام الغرب الأميركي أو رعاة البقر والأفلام الغنائية والاستعراضية.
واقترن ذلك بتحول طبيعة مشاهدي الأفلام في صالات العرض السينمائي داخل الولايات المتحدة وخارجها إلى صغار السن، وخاصة المراهقين الذين يشكلون غالبية رواد دور السينما في سائر أنحاء العالم. كما أسهمت التكنولوجيا، التي انعكست في المؤثرات الخاصة البصرية والصوتية واستخدام الحاسوب، في طبيعة الإنتاج السينمائي وارتفاع تكاليفه.
ورافق التطور التكنولوجي ظهور أدوات ووسائل جديدة كأشرطة الفيديو والأقراص المدمجة (DVD) والتسجيلات الموسيقية التي أسهمت جميعها في تغيير وتطوير طبيعة الإنتاج السينمائي وتوزيع وتسويق الأفلام السينمائية، ولعبت دورا كبيرا في هيمنة السينما الأميركية على السينما العالمية.
ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة تشكل السينما الأميركية حاليا 90 بالمائة من قيمة السينما العالمية، فيما تشكل جميع صناعات السينما الأخرى في العالم العشرة بالمائة الباقية. كما أن إيرادات صالات العرض السينمائي التي كانت تشكل المصدر الرئيسي لإيرادات السينما الأميركية حتى خمسينيات القرن الماضي أصبحت الآن تشكل جزءا بسيطا من الإيرادات الإجمالية لهذه الإمبراطورية المتنامية، حيث أصبحت إيرادات الفيلم السينمائي الأميركي على شباك التذاكر تشكل 20 بالمائة من إيراداته الإجمالية، وتأتي الإيرادات الباقية من مبيعات وتأجير أشرطة الفيديو والأقراص المدمجة والتسجيلات الموسيقية وحقوق العرض التلفزيوني والمنتجات التجارية والألعاب الإلكترونية التي ترافق عرض الأفلام الملحمية ضخمة الإنتاج.
ومن نتائج هذه الطفرة التكنولوجية أيضا تراجع أو اختفاء بعض الصناعات السينمائية العريقة كالإيطالية والفرنسية والسويدية التي تحولت من صناعات سينمائية إلى سينمات فردية لمخرجين أفراد. ويعزى السبب الرئيس لذلك إلى هيمنة الأفلام الأميركية على دور السينما في هذه الدول، وإقبال الجمهور السينمائي الأوروبي، الذي يشكل الشباب وخاصة المراهقين غالبيته، على مشاهدة الأفلام الأميركية، وخاصة أفلام الحركة والمغامرات والخيال العلمي التي تتمتع بشعبية جماهيرية عالمية.
وينعكس الإقبال المتزايد على مشاهدة الأفلام الأميركية في الدول الأخرى في الازدياد المستمر لنسبة إيراداتها في تلك الدول مقارنة بإيراداتها في دور السينما الأميركية. وينطبق ذلك بشكل خاص على أفلام الحركة والمغامرات والخيال العلمي، حيث تصل تلك النسبة إلى 70 بالمائة.
ونتيجة لهذه التطورات ازدادت تكاليف إنتاج الفيلم الأميركي مع مرور الوقت، حيث يبلغ معدل تكاليف إنتاج الأفلام التي تقدمها استوديوهات هوليوود الرئيسة نحو 100 مليون دولار، وتصل أحيانا إلى 250 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى تكاليف حملات الدعاية والترويج والتوزيع لهذه الأفلام، والتي تتراوح بين 50 و80 مليون دولار للفيلم. وينفق معظمها في الولايات المتحدة على الإعلانات التلفزيونية.
ولعل فيلم الخيال العلمي "أفاتار" يقدم مثالا على مجمل ما سبق ذكره حول دور التكنولوجيا المتقدمة في الإنتاج السينمائي باستخدام المؤثرات الخاصة، وارتفاع تكاليف الإنتاج وتحقيق إيرادات خيالية. إذ تشكل المؤثرات الخاصة والبصرية 60 بالمائة من هذا الفيلم. وقد بلغت تكاليف إنتاجه 237 مليون دولار، فيما بلغت إيراداته العالمية الإجمالية 2,78 مليار دولار، وهو رقم قياسي جديد في الإيرادات السينمائية. وتحقق أكثر من 72 بالمائة من هذه الإيرادات خارج الولايات المتحدة، أي في دور السينما الأجنبية. واستخدم في هذا الفيلم أكثر من 2000 من الكوادر الفنية التي شملت 1100 من فنيي المؤثرات البصرية.