عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 5: 48-59 » العدد 50: 2010/08 » ثقافة صحية: هل أصبحت البدانة وباء؟

سامية الأطرش - بريطانيا

ثقافة صحية: هل أصبحت البدانة وباء؟


سامية الأطرشذات يوم كان امتلاء الجسم يعتبر أمرا إيجابيا، فقد يدل على حال حسنة فيها ما يكفي من الطعام والشراب، وربما الثراء. وكان الإقبال على تناول المواد الدسمة أمرا عاديا يشجع المرء عليها في الولائم والزيارات الاجتماعية. ثم أصبح الجسم الرشيق هو الذي يدل على حالة جمالية أفضل. وتغيرت المقاييس، وصار السعي إلى الحفاظ على الوزن متدنيا غاية الكثير من الناس، رجالا ونساء، وكثرت وسائل إقناعهم بمزايا خفض الوزن وسبل تحقيق ذلك، من خلال نظام غذائي أو رياضي، بل وصل الأمر إلى إجراءات طبية، كعملية ربط المعدة. خلاصة الرأي السائد هذه الأيام أن السمنة وباء، مثله مثل التدخين، فكلاهما مسؤول عن أمراض تكلف معالجتها الكثير، ولذا لا بد من الوقاية، فهي خير من العلاج.

يذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن الدول الأوربية التي تعالج مرضى السمنة المفرطة قد وفرت مبالغ نقدية ضخمة تتراوح بين سبعين إلى مئة وخمسة وثلاثين مليون جنيه، لأن المستشفيات لم تعد تعالج الأمراض التي تنجم عن السمنة، والتي تكلف مبالغ كبيرة، مثل مرضي السكري والقلب.

ويرى المختصون أن الدهون المتراكمة في الجسم ليست صديقة، بل أكبر تهديد للصحة والحياة. ولذا يرون أنه من الضروري أن تقدم للناس المعلومات الكافية عن مساوئ ومضار البدانة قبل أن تتحول إلى كارثة. وتذكر الإحصائيات أن عدد الأفراد الذين يعانون من السمنة المفرطة في بريطانيا يقارب ثلاثة أرباع مليون شخص.

ونتيجة للاهتمام الشديد بمخاطر البدانة، أصبحت المستشفيات تسعى إلى إقامة أقسام متخصصة بمعالجتها، من أشهرها مركز امبيريال (Imperial) في مستشفى شيرنغ كروس (Charing Cross) في لندن، حيث يوجد فريق طبي مختص بالعمليات الجراحية لغايات إنقاص الوزن.

والفريق الطبي متعدد الاختصاصات، ويضم الجراح أحمد أحمد (رئيس الفريق/وسط الصورة)، وجون كزينز (أخصائي التخدير/يمين الصورة)، والجراح شريف محمد حقي (يسار الصورة)، وكارل لارو (أخصائي الجهاز الهضمي)، وسمانثا شـولتز (أخصائية علم النفس)، وكارين اودونيل (مسـؤولة فريق قسم التمريض) وجوان بويل (أخصائية النظم الغذائية).

JPEG - 21.5 كيليبايت
ثلاثة أطباء

وقد توجهت بمجموعة من الأسئلة إلى أعضاء هذا الفريق، وبدأت بالجراح أحمد أحمد، الذي سألته إن كانت العمليات الجراحية تحقق حلم الحصول على قوام جميل والتمتع بصحة أفضل، حسب ما يذكر في أخبار المشاهير الذين أجروها.

يقول الجراح أحمد أحمد ردا على السؤال:

السمنة مشكلة العصر وهي من المشاكل الطبية العويصة التي تزداد حول العالم مع ما يصحب ذلك من مشاكل صحية على الأفراد والمجتمع والتكاليف المادية والمعنوية التي تصرف في علاج الأمراض المصاحبة للسمنة. إن عدد المرضى الذين يلجئون للجراحة لتخفيض وزنهم يرتفع بسرعة كبيرة لأنهم يعانون من مشاكل نفسية وعضوية كبيرة مرتبطة بحالات السمنة.

نتيجة لذلك، أنشئ في مستشفى شيرنغ كروس مركز السيطرة على الوزن ليقدم للمرضى والراغبين في العلاج خدمات متكاملة تشمل التثـقيف وعلاج للسمنة على حساب وزارة الصحة البريطانية، وذلك لمساعدة الأفراد على عمل تغييرات جذرية في نمط حياتهم. نحن نعلم أن الناس دائما يبحثون عن الحلول السهلة والسريعة التي تتحقق بالجراحة، لكننا لا نتخذ هذا الطريق إلا بعد فشل كل المحاولات لتخفيف الوزن. عندها فقط نقرر إجراء العملية الجراحية.

ويشرح الجراح المصري شريف محمد حقي أن دراسات حول مدى نسب نجاح النظم الغذائية في خفض الوزن جعلت تفكير الأطباء يتجه إلى البحث في كيفية الســيطرة على المعدة والجهاز الهضمي لتحقيق أعلى نســبة لخفض الوزن، وما يتبع ذلك من تحســن كبير في الحالة الصــحية للأفراد بصــفة عامة، وزوال الشــكوى من العديد من الأمراض المزمنة التي كان يعاني منها الأفراد، وبالتالي تحســن مسـتـوى حياتهم، والاستغناء عن الكثير من الأدوية والزيارات الطبية وما يتبع ذلك من توفير مالي ســواء للدولة أو الأفراد.

ويقول الدكتور شريف إن عمليات ربط المعدة تؤدي إلى خفض الوزن نسبا تتراوح في السنة الأولى بين 20 إلى 25 % من الوزن الكلى، ولوحظ أيضا أن من بين كل عشــرة أفراد زالت بعد العملية شــكوى ثمانية منهم من عدة أمراض مزمنة كانوا يعانون منها وهذه الأمراض هي: التهاب العمود الفقري والركبتين والشــخير المرتفع وصــعوبة التنفس أثناء النوم وما يسببه من خطورة على حياة المريض، أما مرض السكري من الدرجة الثانية فقد زال بنســبة 88%.

وقد تسنى لي حضور اللقاء الأسبوعي للفريق الطبي، فهو مفتوح لمن يرغب في معرفة التفاصيل الطبية عن هذا النوع النوعية من الجراحات، ووجهت أسئلة إلى أعضاء الفريق الطبي، ولكن قبل تلخيص الإجابات سأقدم شرحا موجزا لعملية ربط المعدة.

شرح لعملية ربط المعدة

تهدف عملية ربط المعدة إلى تقليل حجمها، وهي تدخل في نطاق جراحات المنظار. تربط المعدة بحلقة مطاطية من مادة السيليكون، يتم وضعها حول مدخل المعدة، ويمكن التحكم في قطرها بالتضييق أو التوسيع. تملأ الحلقة بسائل طبي بعد ستة أسابيع من إجراء العملية الجراحية وبمعدل مرة واحدة في كل شهر، وبذلك يمكن تضييق الحلقة أو توسيعها، وجعل حجم المكان المتاح لاستقبال الطعام اقل من المعتاد، وبالتالي فإن كمية أقل من الطعام تملأ فراغ المعدة، وبالتدريج يقل وزن المريض بمرور الأيام نتيجة انخفاض كمية الطعام التي اعتاد على تناولها.

JPEG - 21 كيليبايت
عملية ربط المعدة

لماذا يجري البعض العملية؟

القاسم المشترك بين جميع الساعين إلى إجراء عملية جراحية لخفض الوزن هو أنهم جربوا كل نظم تخفيف الوزن. ومعظم الذين اجروا العملية كانوا راضين عن النتائج، ومستوى استمتاعهم بالحياة نتيجة التخلص من الكثير من المشاكل الصحية. ولكن تظهر أحيانا جوانب سلبية بعد العملية مثل شعور المريض بالقيء والشعور بالضعف، والحرمان من أكلات لا يستطيعون تناولها بعد إجراء العملية وخاصة المأكولات ذات الدهون والكاربوهيدرات.

أدوار الفريق الطبي

طبيب التخدير جوناثان كزينز (Jonathan Cousins) يشرح دوره في العملية قائلا:

إن الجراحات التي يلزمها تخدير كلي تصاحبه خطورة عدم الإفاقة من العملية لذلك لابد من فحص لمريض فحصا كاملا من جميع النواحي الطبية لمعرفة قدرته على تحمل التخدير والإفاقة منة في وقت محدد بعد إجراء العملية الجراحية.

طبيب: كارلويضيف الدكتور كارل لارو (Carel le Roux)، أخصائي الجهاز الهضمي:

بعد إجراء جميع الفحوص الطبية للمريض لتهيئته للجراحة نستمر في معالجته لننقله إلى بر الأمان ولا توصف سعادتنا عندما نحصل على نتائج إيجابية طيبة. وقد أثبتت النتائج العلمية للأبحاث اختفاء معظم الأمراض المصاحبة للسمنة المفرطة وهي الشفاء من مرض السكر من الدرجة الثانية ولم يعودوا بحاجة إلى حقن أنفسهم بالأنسولين. أيضا 80% من المرضى الذين أجروا الجراحة وكانوا يعانون من صعوبة التنفس والشخير العالي أثناء النوم قد شفوا تماما. كذلك 80% من حالات ارتفاع ضغط الدم فقد رجعت إلى معدلاتها الطبيعية.

وتشير دراسات إلى أن جراحة إنقاص الوزن تعيد للنساء البدينات خصوبتهن وقدرتهن على الإنجاب. ولذا يقول البروفيسور ستيفن بلوم إنه "من المهم جدا مساعدة النساء البدينات على استعادة خصوبتهن التي قلت أو فقدت نتيجة الوزن الزائد.

الجوانب النفسية

ولإنقاص الوزن جوانب نفسية أيضا. وتقول الدكتورة سمانثا شولتز (Samantha Scholtz) الأخصائية النفسانية عن تأثير جراحة إنقاص الوزن على مرض الاكتئاب:

ممرضة: سامانثاالاكتئاب مرض خطير تعاني منه نسبة عالية في عالم البدينين والبدينات. إلا أن حالة المريض تتحسن بعد إجراء الجراحة وخصوصا في العام الأول. وقد أفادت بعض الدراسات بأن الاكتئاب يعود إلى بعض المرضى بعد مضي سنتين إلى ثلاث من إجراء العملية نتيجة ازدياد الوزن مرة أخرى. وتعزو ذلك إلى أن بعض الحقائق لم تؤخذ في الحسبان مثل توقعات المريض للمنظر الجمالي العام بعد فقد الوزن والترهل الذي يصاحب الجسم، وعدم التمكن من تناول الكثير من الأطعمة التي كانت محببة إلى نفسه، مما يسبب الشعور بالإحباط. ولكنها تقول إن دراسة عن حالة المرضى الذين اجروا عمليات جراحة إنقاص الوزن في أيرلندا الشمالية منذ سنة تبين أن حوالي نصف الذين كانوا يتعاطون أدوية مضادات الاكتئاب لم يعودوا بحاجة إليها بعد مرور سنة من إجراء العملية.

الرعاية قبل العملية وبعدها

ممرضة: كارينيضم الفريق الطبي الممرضة كارين اودونيل (Karen O’Donnell)، التي تتولى مسؤولية الإشراف على رعاية جميع المرضى في مركز إنقاص الوزن قبل العملية وبعدها، فلكي تتم العملية بنجاح يطلب من المريض إتباع نظام غذائي صارم لمدة أسبوعين للتخلص من الدهون التي تغلف الكبد، والمشي يوميا نصف ساعة وإجراء تدريبات للتنفس العميق، والتوقف عن التدخين إذا كان المريض مدخنا.

الجانب الغذائي

ممرضة: جوانوتؤكد أخصائية التغذية جوان بويل (Joanne Boyle) على نقطة مهمة وهي أن المريض الذي أجرى جراحة إنقاص الوزن يستلزم علية أن يتناول حبوب الفيتامينات المركزة طوال حياته، لأنها تعوض الجسم عما يفقده من مواد ضرورية نتيجة إتباع نظام غذائي معين وتناول كميات قليلة من الطعام بعد العملية.

وفي الختام أعود إلى تقارير منظمة الصحة العالمية فتوقعاتها لعام 2005 أشارت إلى وجود حوالي مليار وستمئة مليون فرد فوق سن خمسة عشر عاما يعانون من زيادة في الوزن (في كل العالم). وأشارت أيضا إلى وجود أربعمئة مليون في عداد البدينين. وينطبق تصنيف البدين على نسبة محددة بين وزن الإنسان وطوله. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى انتشار البدانة بين عشرين مليون طفل من سن خمس سنين فأكثر. كما أن السمنة أصبحت تتزايد في الدول غير الثرية، سواء التي تعتبر ذات دخل متوسط أو منخفض، ويناء على ذلك يمكن القول إن البدانة في عصرنا لم تعد تميز بين الغني والفقير.

D 1 آب (أغسطس) 2010     A سامية الأطرش     C 0 تعليقات