لطفي بنصر - تونس
حين ينبت الشر في السباسب العليا
تقطع أربع دقائق يوميا في اتجاه المقهى وتجلس ووجهك مسكون بنظرات المحيطين بك، والأحلام الضائعة تطاردك. عيناك تسافران إلى هناك حيث الشغل والمال والكرامة. الكل يعرف حكايتك. إنك عاطل عن العمل. ما ذنبك؟ ما ذنب السنين تلك الطويلة التي قضيتها خلف أسوار الجامعة، واليوم تتحطم وتتوارى وتنساب في شوارع مدن هجرك فيها الفرح؟
تجلس في مكانك المعهود وتطلب من النادل العجوز فنجان قهوة، ثم تتناول الجريدة وتتصفحها بعصبية زائدة، وينطبق صدرك. أربع سنوات عجاف والدنيا هناك جميلة. أينتهي العمر، وأنت ل تزال بلا شغل؟ أقرانك وجدوا الشغل والزوجة والأولاد، وأنت لا تزال على حالك. إنك لست إنسانا.
كيف الخلاص من هذه الأشياء التي تمزقك؟ هل تهرب من نفسك؟ إلى أين المفر؟ تعود نظراتك إلى الجريدة. تستوقفك أعمدتها الخاوية، حتى صحف اليوم أصبحت تتاجر بأحلام ومشاعر الناس، تنظر في صفحة عروض الشغل وإذ بك تبقى سجين إعلان عرض عمل، أطنب صاحبه في قدرته على توفير عقود العمل، وتسافر إليه وتمده بالمال الذي بعت من أجله المزرعة وجواز السفر، ويعدك وهو يقسم بأغلظ الأيمان أن همه تشغيل الشباب مثلك، بل قل الأغبياء مثلك.
صحيح أنك ذو قلب طيب وشريف، ولكن ماذا تفعل بهذا القلب وغيرك ينهش لحمك دون رحمة؟ عدت إلى البيت وأنت تحمل وعدا، بل قل صك سفر. مضت الأيام والأسابيع والأشهر وصاحبك لم يهاتفك. دب الشك إلى ذهنك وأنت تسمع حكايات أمثالك ذهبوا فريسة خداعه. تيقنت أنك الضحية الأخرى. أربع أشهر وأنت تطارد الأمل. أربع أشهر وأنت غارق في التفكير. ماذا يعنيك الانتظار بعد اليوم؟
عدت تتسكع في الشوارع وعلى أرصفة المقاهي. حتى الشوارع أصبحت تضيق بك، وأنت أشعث الوجه أغبر الوجه تتنقل بين المكاتب ولا تجد شغلا، فتعود منكسر النفس، ممزق المشاعر. كان بالإمكان أن تكون سعيدا لو صدقوا ما وعدوا ولكنك ستعود إلى البيت وتحس الحريق في صدرك، وتغيم الدنيا في عينيك وتود أن تفعل أي شيء يرضي الأهل فتخفي غصتك وتواري وجهك.
"أنا أمنحك فرصة الحياة الكريمة."
ويرقص قلبك فرحا.
"كيف ذلك بالله عليك؟"
"ألست تريد عملا قارا؟ كم تدفع لي؟"
"أدفع العمر كله. ألا يرضيك؟"
ما لك تعطيه سنوات عمرك رشوة؟ من يضمن لك ذلك؟ حتى وإن صدق فالثمن باهظ. إنه يستبيح دمك ويساومك. وإن لم ترض فلك الله، ولك أرصفة الشوارع. دست على أشياء كثيرة في صدرك، ووضعت حدا للتردد. سأدفع ولكنك اقتنعت أن الدنيا صراع وجلبة، والغلبة فيها للأقوياء الذين فهموا قانون اللعبة، ولذلك كان في الدنيا أغنياء وفقراء. وذات مساء خسرت كل شيء وعدت لتعلن إنك لست رجلا وأن اللصوص هم الرجال.
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ