عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أمل النعيمي - الأردن

مراسم إقالة الضوء الأحمر


أمل النعيميمن قبل أن يؤرّخ التاريخ بقبل وبعد الميلاد، وقبل وبعد الهجرة، اعتاد الحقّ والباطل أن يسيرا كخطّين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا. وفي حلّهما وترحالهما بين الأزمنة والعصور كان لكلّ منهما مريدوه ومعادوه. الحق يزهو بالتقدّم في المسير وكثرة الأنصار الأخيار الّذين طالما عاضدوه كلّما كبا وتقهقر، والباطل يتوعّد بالويل والثبور وعظائم الأمور وتحرقه الغيرة فيتظاهر بالغرور.

في يوم لم يؤرّخه الزمن بأرض مجهولة الاسم والعنوان فكّر الباطل أن يستأجر شيطانا ليغتال الحق. دار بينهما جدال عقيم ما لبث أن أثمر، حيث أهدى الشيطان الباطل أغلالا من نوع جهنّمي ترك له مفاتيحها وأسّر له انّه إذا تمكّن من أسر الحق فسيكون وقع ذلك عليه وأنصاره أمضّ من ميتة سهم مسموم. ولفت انتباهه انّه ليس مسؤولا بعد ذلك لو هبّ لأنصار الحق وحرروه لو توقّف عن المسير أو استطاع أنصاره إيقافه.

انفرجت أسارير الباطل وكشّر عن أنيابه بابتسامة عريضة وبخبث استثار الحقّ بقوله:

"هل ترى تلك البقعة الجغرافيّة هناك؟ إن فيها عددا هائلا من أتباعي سترى منهم ما يجعلك تعيد حساب النفس وتحسّ بأنّك تافه جبان استغفلك بعض من أرادوا أن يلتفعوا ببزّتك لينالوا مرادهم في الحياة."

ولأنّه الحق يستمدّ عزيمته من إيمانه بذاته أجاب الباطل بلا مبالاة وسخرية:

"إذا كنت تريد الخوض في تحدّ ورهان فأنا طوع يمينك. هيّا بنا."

ولأنّه الباطل، أدرك أن الحقّ لا يجيد المراوغة فاختار أرضا ينظمّ السير فيها آنذاك بإشارات المرور: أحمر تعني توقّف. أصفر: استعد للحركة أو التوقّف. أخضر: سر.

ولأنّه الحق، التزم بإشارات المرور.

ولأنّه الباطل، استثمر تقاربهما الشديد المتعمّد عندما أنار الضوء الأحمر فكانت المرّة الأولى من الأزل الّتي يتوقّف فيها الحق وإذا بالباطل في تلك اللحظة الخرافية يكبّل الحقّ بالأغلال.

وصل الخبث ذروته حين أضحى معصم الحق في قيد، ومعصم الباطل في طرف القيد الآخر، وما بينهما سلاسل مشتركة.

تحرّك الباطل يجر الحقّ أينما يريد وكيفما يريد. تعثّرت الحال وأطبقت على النفس هموم ثقال. اختلط الحابل بالنابل وكلّ شيء صار يتصدّره الباطل. الحق إليه مقيّد أسير مجبر على اتباعه أينما يسير. يستجير ويستجير. فهل من مجير؟

كان لا بد أن يسمعه أحد ليدرك ما حلّ به من مصير. واحد ثمّ عشرة. مئة ثم الكثير الكثير.

جلسوا. تحاوروا. من يوقف الباطل الذي اعتدى على الحق بإشارات مرور؟ كيف نحرّر الحقّ ليعود سبّاقا في كلّ الأمور؟

تعالى صوت المؤذن في الجوامع. دقّت أجراس الكنائس. اجتمع العلماء والأدباء والحكماء وكل إنسان ذي ضمير.

القضيّة شائكة ومعقّدة. أوّل ما يجب فعله هو معاقبة من تسبّب في إيقاف الحق. همهمات. من؟ أسئلة. تكهّنات. اللّون الأحمر أليس كذلك؟ يجب شطبه من الطيف الشمسي أو شطب الطيف إذا استدعى الأمر. ولكن ستتزايد حوادث المرور. هذه خطوة يجب التفكير مليّا قبل الإقدام عليها.

تشكّلت لجان وخصصّت لهذا الموضوع الجلل جلّ وقتها واهتمامها. يجب الحصول على إجماع الآراء وبعد ذلك لكل حادث حديث ولكل مقام مقال. وانّ هيمنة الباطل ساعة والحق حتى قيام الساعة. والكلّ يبحث عن صيغة ينفر منها المنطق ويقبلها الاستثناء للبدء بمراسم إقالة الضوء الأحمر.

D 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2010     A أمل النعيمي     C 0 تعليقات