عدلي الهواري
أكلة منسف
لم ينم طوال الليلة الماضية. ذهب إلى المكتبة ليمضي بعض الوقت في تصفح الكتب وتصوير بعض صفحاتها، ويتفادى بذلك النوم في النهار. وذهب إلى المكتبة أيضا للتهرب من موعد يلتقي فيه مجموعة من الأشخاص على أكلة منسف.
كان يظن أن وقت أكل المنسف ظهرا، ولذلك غادر المكتبة حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر. كان الطقس ربيعيا دافئا. نزل من الباص، وتمشى بقية الطريق إلى البيت.
استلقى على أحد المقاعد في غرفة الجلوس والنعاس يغالبه. لم يكن يريد أن ينام، لأنه إذا فعل ذلك فسوف يصحو في منتصف الليل، ويفسد نظام نومه من جديد، كما يحدث دائما. رن جرس الهاتف. لم يقو على الوقوف، بل سحب سلك الجهاز حتى صار الهاتف في متناول يده.
"مرحبا"، قال الشخص المتصل.
"أهلا"، رد الرجل النعسان، وهو لا يعرف بعد مع من يتحدث.
"هل ستأتي لأكل المنسف؟" سأل الشخص.
"إذا وجدت أحدا آتي معه"، رد الرجل النعسان وهو يأمل ألا يكون هناك أحد يذهب معه.
"ليلى ستأتي"، قال الشخص مشيرا إلى خطيبة الرجل النعسان.
"حسنا، سأتصل بها لأرتب الحضور معها عندكم." قال الرجل النعسان مستسلما.
"إذن، نراك الساعة الخامسة. إلى اللقاء"، قال الرجل المتصل مختتما المحادثة الهاتفية.
اتصل الرجل النعسان بخطيبته بعد دقيقة من انتهاء المحادثة الهاتفية.
"هالو"، ردت الخطيبة.
"ذاهبة إلى جـَمـْـعـة المنسف؟" سأل الرجل النعسان خطيبته.
"نعم، ولكن ليس قبل ساعة"، قالت الخطيبة.
"حسنا، مري عليّ بعد ساعة."
"إذا أتيت إلى هنا فسوف تضمن أن تكون الساعة ساعة"، قالت الخطيبة متفلسفة.
"لا، لن آتي، وخذي من الوقت ما شئت." رد الرجل النعسان.
كانت الساعة تقترب من الرابعة عندما اتصل الرجل النعسان بخطيبته. وما أن انتهى من الحديث الهاتفي معها حتى عاد يصارع النعاس، وقال لنفسه لا بأس إن غفوت قليلا، فعندما تأتي ليلى ستوقظني.
- شخص نائم على كنبة
دخلت ليلى بيت الرجل النعسان بالمفتاح الاحتياطي الذي معها، وشاهدته مكوما على الكرسي الكبير.
"أفق، هيا بنا نذهب." أمرته خطيبته.
نظر إلى ساعته فوجدها تقترب من السابعة. لقد طالت الساعة التي تحدثت عنها إلى ثلاث تقريبا.
"كم من الوقت تحتاج لان تلبس وتستعد؟" سألت الخطيبة بغضب.
"لا أحتاج إلى أي وقت. كل ما أحتاج لفعله هو لبس الحذاء، ونغادر."
"لا أريد أن اقضي من الوقت طويلا هناك، ساعتين أو ثلاث"، قالت الخطيبة بغضب أكبر، وسارعت لتضيف "لم أكن أريد الذهاب أصلا."
في ثانية واحدة استعرض الرجل النعسان في ذهنه تسلسل ما حدث وما قيل منذ تلقيه المكالمة من الشخص الذي ذكّـره بالدعوة إلى أكل المنسف، حتى قول خطيبته له إنها لم تكن تريد الذهاب أصلا. لقد تحدثت معه ناقمة لأنه يحتاج إلى دقيقتين للبس حذائه، وهي التي قضت في الاستعداد ثلاث ساعات دون أن يستعجلها أحد. وجاءت لتقول إنها لا تريد أن تمكث طويلا هناك -ساعتين أو ثلاث- وهو الذي ظن أن عدم المكوث طويلا يعني نصف ساعة أو نحو ذلك. وجاءت تقول إنها لم تكن تريد أن تذهب أصلا، وهو الذي اتصل بها بعد أن علم أنها ذاهبة دون أن تعرف أو تسأله إن كان سيذهب أم لا.
امتعض الرجل النعسان من التوبيخ، وثار لكرامته، وقال بازدراء:
"لقد غيرت قراري. لا أريد أن أذهب، بل أفضل مواصلة النوم."
◄ عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصص
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ