ظلال عدنان - الأردن
رسالة إلى جــنـيــن
نبض قلبك، حركاتك، انقلابك، ركلاتك وصورتك بالأبيض والأسود على جهاز الأشعة فوق الصوتية كلّها تؤكّد وتثبت وجودك وتنبئ عن قرب قدومك. وأنا يقلقني الانتظار. إليك يا صغيرتي أخطّ كلمات أنت ألهمتنيها حتى قبل أن يعانق النور عينيك، وقبل أن تلثم شفتاي نعومة خديك.
أنا يا صغيرتي اشتقت إليك وأشفق عليك؛ أنتظرك في دنيانا وأخشى عليك من قسوتها؛ فثلاث ظلمات تحيط بك هنا خير لك من ظلمات متراكبة في عالمنا، والضيق الذي يحاصرك فيجعلك تنثين حول نفسك تحتضنين جسدك أرحم من سعة هنا تخنق روحك تلوثا وضجيجا، وعيشك وحيدة بين قلبي وكبدي أحفظ لك من جموع وملايين لا تكادين تصطفين لنفسك منها خليلا صادقا صدوقا فتقاسين غربة ووحدة.
لست أرسم لك سوادا بل أمحو عن لوحة الحياة ضبابا أخفى حقيقتها، فتاه مساكين كثر في غياهبها، أداموا النظر في أديم هذه الأرض فغابت عنهم نجوم السماوات وأنوارها، تعشّقوا رائحة وحلها فحجبت عنهم نسائم الخلاص.
- صورة لجنين
ولست كما قد يظنّ البعض أشكو قلة إيمان وتوكل، بل أساس حياتي أنني أسلمتكم لخالقي الذي هو أرحم بكم مني، لكنه الخجل والحياء من دموع أمهات ثكلن، ومن تقاسيم الحزن والوجع المتنامية في حياتهن، يعانين وهن الحمل والوضع والإرضاع ثم يفجعن بفلذات أكبادهن يقدمون قرابين لحمامة عرجاء، وثمنا لأنهار سوداء.
أعلم يا حبيبتي أنني رغم نصائحي لك أنك لن تطيعينني، وذات لحظة سيكون المخاض، يأتي فجأة كالموت. لا نعلم متى وأين، ومن سيكون معنا، يشد عزائمنا ويقوينا ويثبتنا. كلاهما بداية حياة جديدة، وأحدهما يفضي للآخر، وتختلط فيهما الدموع بالبسمات؛ فمن فرح لميلاد طفل أو فرح لموت ظالم أو طاغية، إلى حزن لموت عالم وصالح أو ميلاد طفل على حاجز أو بين القضبان أو بين أحضان الكوارث الطبيعية والمصطنعة من مجاعات وحروب.
يأتي المخاض ويشتدّ الكرب، ويعلو الأنين وينهمر الدمع يخالط حبات عرق مجهدة، وتتعالى الدعوات وتمتدّ الأيادي تساند وتخفف، وتمرّ الدقائق وتدور الستون مرّات ومرّات فتنقضي الساعات، وتكاد روح الأمّ أن تغادرها لكنها تعود مع بكاء الطفلة المولود، وعادت للروح الروح.
ومع كل مخاض تأخذني العبرات عليها؛ فقد طال بها المخاض، طال وامتدّ حتى أصبحت عجوزا لم تعد قادرة على احتمال آلام الولادة، وما زال جنينها المرتقب يكبر ويتضخم داخلها. فريق يحاول إثبات وجوده وقرب قدومه، وفئة تؤكد أنه لا زال يتشكل داخلها وأن علينا الصبر والتحمل والانتظار، وآخرون يحاولون إجهاضه وقتله، فمتى نسعد بمولودك يا أمتي؟ وهل ستلدين لنا أسودا أم فئرانا قتلنا جبنها وتخاذلها وخياناتها. وحتى يحين مخاضك، ستبقى الحرائر ينجبن ويربين وينشئن رغم قنابل وقذائف وسجون واغتيالات وإبادات، فلا بد يوما سيعلو زئير أسد فوق كل الظلمات.
◄ ظلال عدنان
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ