عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

سهير سليمان (*) - مصر

يوميات ثورة مصر: شهادة


(*) صحفية وناشطة مصرية مقيمة في بريطانيا. شاركت في ثورة 25 يناير وعايشتها منذ الأيام التحضيرية لها أثناء زيارة دورية للقاهرة.

.

سهير سليمانيوم الخميس، 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وعلى الأدق في تمام الساعة الثانية عشر منتصف اليوم دقت ساعة الزحف لميدان التحرير.

قد لا يصدق البعض أن المظاهرة بدأت باثني عشر شخصا، ثم انضمت لنا كل الفئات على الطريق. وبالرغم من كل المصاعب التي واجهناها من غلق الكباري (الجسور) والشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير إلا أن أجساد السيدات أزاحت صفوف رجال الأمن المركزي والشرطة والمخابرات من على كوبري الجلاء الذي صمد شاهدا على عصور التغيير بالتاريخ المصري.

استمرت أعداد المتظاهرين تزداد على الطريق حتى ما إذا وصلنا إلى الميدان انضمت الحشود الأخرى التي بدأت مسيرتها من أنحاء القاهرة المختلفة. وللحقيقة والتاريخ لا أستطيع الجزم بالإعداد الهائلة إلا أن أقول ما سمعته بأنها فاقت عشرة آلاف إنسان. تعالت الأصوات بإسقاط النظام، ومحاكمة رموز الفساد وغير ذلك من شعارات.

لم تمض نصف الساعة حتى انهالت مصفحات المياه التي لم تؤثر قوة اندفاعها على صمودنا أمامها، ثم أسرعت عربات الشرطة بالدخول بين صفوفنا في محاولة للتفريق فأطاحت بالكثير. ثم بدأت القنابل المسيلة للدموع بالرغم من النداءات التي تعالت: "سلمية. سلمية. سلمية." وكلما تعالت أصواتنا كلما ازداد عنفهم واعتدائهم علينا.

بجواري وقفت فتاتان بملابس المدارس الثانوية تبكيان من شدة العنف، فاقتربت منهما في محاولة لطمئنتهما. وحاولت بما أستطيع من جهد العبور بهما إلى أحد الشوارع الجانبية. ولكني لم أستطع الصمود أمام قوة المياه، فانهرت على الأرض لا أرى غير أرجل المتظاهرين، ولا اسمع غير صراخ الفتاتين، حتى امتدت لي يد لا اعرف لمن، ولكنها لم تتركني حتى استطعت الوقوف. حينذاك أصبح همي أن أقود الفتاتين خارج الميدان بكل ما تبقى لدي من قوة.

حين وصلنا إلى محطة المترو اتضحت لي حالة تهلهل وتمزق ملابسي وتلطخها بدماء: بعضها لي وبعضها لم اعرف لمن. ووصولي إلى المحطة مع الفتاتين أشعرني بالاطمئنان عليهما. وعندئذ قررت الذهاب إلى المنزل والعودة إلى ميدان التحرير في اليوم التالي.

* * *

يقال إن الثورة التونسية مفجرة للثورة المصرية. اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. وهنا يمكن أن انضم إلى صفوف معارضي هذا الرأي، ليس من منطلق الانحياز لبلدي ظالمة أو مظلومة، بل من على أساس التحليل الموضوعي.

لم تبدأ ثورة 25 يناير في هذا اليوم. الثورة المصرية بدأت قبل أربع سنوات، ولكن الحكومة نجحت في إجهاض كل حركة شبابية أم طلابية، إخوانية أم حزبية جرت في مصر خلال الأعوام الأربعة الماضية، ولكن هذه التحركات، بلا خلاف، مهدت خطوة على طريق ثورة 25 يناير.

حدثان أسهما في شحذ عزيمة الشباب. التفجير الإجرامي الفظيع لكنيسة القديسين بالإسكندرية مساء 31 ديسمبر (كانون الأول 2010)، الذي عاد بذاكرتنا إلى عام 2009 والأحداث في نجع حمادي بصعيد مصر التي أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى في إطلاق نار شمل كنيسة مار جرجس في المدينة. لم يكن جرح نجح حمادي قد التأم بعد، فجاء تفجير كنيسة القديسين لينكأه، بل ويحدث جرحا أعمق. بعد ما جرى في الإسكندرية، بدأ شباب مصر الواعي في استيعاب خطة الحكومة في خلق شكل جديد من أشكال الفتنة الطائفية.

تبادل الشباب المعلومات عبر البريد الإلكتروني عما يجب اتخاذه من مواقف. في السادس من يناير (كانون الثاني 2011) أخذت موقعي أمام إحدى كنائس القاهرة، مشاركة مسيحيي ومسلمي مصر الذين جعلوا من أجسادهم سور حماية لكل كنائس مصرنا بأجمعها. تتابعت الوقفات الاحتجاجية من مكان لآخر يوميا حتى جاء ظهر يوم الثورة، الخميس 25 يناير (كانون الثاني) 2011.

= =

JPEG - 35.1 كيليبايت
مسيرة جماهيرية في مصر
D 1 نيسان (أبريل) 2011     A سهير سليمان     C 0 تعليقات