عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

الزين نور الدين - الجزائر

صحوة الأرواح


الزين نزر الدينقلت لك مرضك من داخلك، وإنك تحتاج إلى طبيب نفساني ف ع لا.

آه، ما بك؟ ما لجسمك ينتفض؟

هي ذي الحقيقة لا تزعج. إنك مليء بالعقد تحاول تحطيم المرآة، تتأسف، وتستدير نحو ... تشد رأسك بين يديك، يتشتت فكرك. أشياء هاربة تمارس حضورها عليك بحدة، وإلى حيث لا تدري. تتحرك. تفتح النافدة، فيما علت الرياح المجنونة تجلد أسوار المباني، بحبيبات رملية رقيقة، الكلاب تعوي بالخارج وأنت تتألم بالداخل، تتنفس من تحت ماء العرق خيالات تحس بها على مقربة منك.

تلتفت بحذر وتُبسمل، لا شيء، كتبك مبعثرة على سريرك الوسخ وقطتك فرشاة مزركشة بالأبيض تبعث سيمفونية شبيهة بحس المبرد المهترئ لديكم، تتطلع إليك حوامض الفقر، تلقي بالكتاب أرضا، تدحرج أصابعك مع رقبتك توسع من ربطة عنقك، تحمل القلم بين أناملك اللزجة، يرتعش، ما به؟ لا تعرف بالضبط ربما أصابه مرض تناقضات العرب. تقحمه يخط حرفاً، حروفاً، كلمة، عبارة، رسومات مبهمة، تلقي به على الطاولة مهزوماً كما هزم قيس.

لأول مرة تقف، أبطال ملثمون يشاطرونك الجلوس، ومسامير بمقعدك تدفعك نحو الوقوف، وثمة أشياء تتآكل بخاطرك لا تعرف من أين أتت، كالوديان مصبها عندك، ومنبعها مجهول. تمشي. تنساب مع الخطوات، الثانية تدلف الغرفة، والثالثة، والرابعة الرواق.

تتنهد ضجيجاً من أعماقك، تقف تمسح العرق رغم البرد القارص يعود يتراءى لك أن كل شيء تغير. تحس بالدوران. تتجمع بحلقك رغبة في التقيؤ. تحاول أن تقلب أحشاءك، وبسرعة لا توصف يتحول إلى بصاق. تبصق على الأرض بصقتين وتتجنبهما.

تسقط كالمصاب بالنوبة القلبية على فراشك. تعلوك دارات من الغبار، تعتريك برودة الأسكيمو، تتكوش كالقنفد، تخيم على وجهك ضبابية، وتحضرك أصوات غريبة اللهجة ترتدي رقابها رباطات عنق أنيقة. كانوا ينبثقون من الأرض كالجراد، وفي شكل شياطين التفوا حولك بعيون متدلية، وألسنة نارية وأيادٍ هوت عليك بلا هوادة كالخفافيش حتى إذا لزموا الصمت نطق أقصرهم، وهو يحبس رقبتك بقدمه:

"هذا هو الذي ... وتآمر ضدنا مع أبطال غرباء عن الجهة."

...!

قاطعه الثاني في حنق: "إن كان هو حقا فليفعل ذلك الآن."

...!

صاح الثالث: ماذا تنتظرون يا قوم؟ فلتكن اليوم إذن(...)

"أرجوكم! أرجوكم! يا سادتي."

"اصمت. الآن بدأت تعترف. كلكم تتكلمون في الفسح، وعندما تضيق بكم الأرض تحشرون أنوفكم أرضاً خشية التاريخ."

حرك رابعهم أذنيه كالجرو وتقدم مني يهتز، وهو يحمل مخلبا ضخما وقطعة سجادة ملطاء.

لا تزعج: هي ذي الحقيقة، نعم نجوم السماء فوق الجميع. وأنت: أين أنت؟ بين السماء والأرض. وهم كذلك.

وتأهب لكتابة المحضر.

"ما اسمك؟:

...

"عمرك؟"

...

"من أي فصيلة أنت؟"

...!

"ماذا تقول؟ ن. ن. نا. نون. والقلم؟"

من أين أتيت بهذه المهزلة؟ يا وقح خذها أيها اللعين!

يا إلهي. يا إلهي. إني على هدى. أي. أي. أرجوكم. أرجوكم. إني مصاب بداء الوهم.

صعدوا فوقه، وأخذوا يندبون ويرقصون على جسده المرصوص ويرددون شعارات تجاوزها الزمن. تلاشت أصوات من أماكن مجهولة فكانت جماجم تتوعده لاهثة على الأرض، وتقذف بحروف في شكل أسنان لامست السقف لتمطر على قلبه الذعر.

تشابكت أياديهم وتقلصت وجوههم فأخذوه إلى مكان بارد تناثرت من سقفه خيوط حمراء وأجسام بشرية معلقة بجثث الثعابين والأفاعي الضخمة. ومن خلف الهامش المنسي تدافعهم زفرة بلهجة سلطوية تتدلى الهياكل النخرة بزمن الرفض و...

"أنتم مشبوهون بحجة التمرد."

ولما فتحت عيني اليمنى كان آخر ما رأيت من تحت سريري نفر كبير من الصبية يحملون على أكتافهم فوضى من الأشياء، وأجراسا تقرع، تؤذن بخراب الذكرى.

كانوا يشبهون كثيرا جرح حيّنا الملثم بذاكرة الحزن والعيون الغائرة بسر المنفى والمكمم بخيوط العنكبوت، في حين لغط الآخرين كان يملأ أذني المعطبتين.

D 1 نيسان (أبريل) 2011     A الزين نور الدين     C 0 تعليقات