عبد القادر كعبان - الجزائر
إدمان مراهقة
قلبي يرتعش للحقيقة المؤلمة التي سمعتها لتوي. كدت أقع على الأرضية. كلماته كانت تنافس دقات قلبي:
"ابنتك تتعاطى المخدرات."
تلك المراهقة التي فتحت لها أبواب الحرية دفعتها مزاجيتها المتحررة إلى دخول عالم الإدمان.
دمعت عيناي تأثرا. اجتاحتني المرارة حتى ظننت أن العالم يوشك على نهايته. قام من مكانه محاولا تهدئتي:
"اجلسي سيدتي. سينتهي كل هذا بجلسات خاصة للعلاج."
وقعت على الكرسي منهارة بينما كانت هي بالغرفة المجاورة مخدرة الجسد تحوم بها الممرضات كسرب حمام أبيض.
ابتسم الأخصائي وعلى وجهه تعبير غريب ينم عن الأمل.
"سأطلب عصير فواكه لكلينا."
قلت بنبرة وجع: "لا داعي، أشكرك."
حاولت التهرب من واقعي الأليم، لكن أحسست بشعور قاتل يسحق روحي.
داهمتني كلماته:
"ستظل أياما تحت العلاج. يمكنك المغادرة يا سيدتي."
لأول مرة أصبحت أشبه بحمامة تائهة في فضاء لا نهائي داهمتها رياح الحرمان.
= = =
نبض قلبي
تتجسد صور الماضي أمام عيني. صغيرة كنت حين جمع القدر بيني وبينه. لم يكن الزوج فقط بل رفيق الدرب. نظرت في مرآتي التي عكست ملامح وجهه مبتسما، فتراقصت الدموع في عيني.
أشياء منثورة من حولي في أرجاء المكان. بيت توقف نبض قلبه، فيه ولدت آمال، ومنه شيعت أحلام.
أنظر للساعة الجدارية. لقد تجاوزت السادسة ولم يعد بعد.
يتردد صدى صوته مناديا: عزيزتي لقد تأخر.
يحاول صوته طرد الصمت. قمت وجلست على كرسيه الذي كان يستلقي عليه منهكا بعد عودته من العمل.
كانت تتجاذبه رائحة القهوة المنبعثة من المطبخ في كل مساء، ليبدأ بحكاية يومه الروتيني وسط عمال همهم الوحيد ملء أفواه جائعة تنتظر الخبز.
عدت لأتلمس ملامحه من خلال الصورة. تأملت نظراته الدافئة. قلت بنبرة عتاب:
"غدوت وحيدة يا ونيسي. يسكنني فراغ قاتل منذ رحيلك عنا."
أجابني ضاحكا كعادته: "ألا زلت تشتاقين."
أجبته متغابية: "ماذا تقصد بسؤالك؟"
لم يجبني، بل اكتفى بابتسامة بارقة. ورحت انتظر وكلي اشتياق لسماع كلماته.
قاطعنا رنين جرس الباب. وضعت الصورة جانبا، وذهبت لأرى من الطارق.
فتحته. هو كعادته متأخرا. وبخته قائلة: "ما الذي أخرك هذه المرة؟"
عانقني مبتسما: "لكم اشتقت إليك يا أمي."
= = =
قلق
أقف ككل يوم أمام نافذتي لأنظر إلى المدينة. غارقة أراها في سبات عميق. يلفها الصخب. أهلها لا يجدون سوى التجارة كمفتاح للعصر.
قلقي على مدينتي أنساني نفسي. أحسست لحظتها بوهن يدب في أطراف جسدي الهزيل. تذكرت أنني مجرد عاطل عن العمل لا يملك فلسا في جيبه.
فاجأتني أسئلة داخلية: فيما تفكر؟ ماذا ستفعل؟ وما هو الحل يا ترى؟
وجدت نفسي تائها. لا أكاد أفهم شيئا، لا أعرف كيف أتصرف.
كل يوم دكتور. أشعة. تحاليل.
وقفت في مكاني وقلت في نفسي: نخرت جسده الأمراض، ولا أستطيع التخلي عنه.
فاجأني صوته مناديا: "لقد نفذ الدواء يا بني."
رددت متسائلا: "ما العمل الآن؟"
كنت كمن يسوق سيارته باتجاه معاكس.