فراس حج محمد - فلسطين
قصة الفكرة والمتعة معا
وليد 2020 Waleed
قصة للكاتبة الفلسطينية مايا أبو الحيات. صدرت عن وزارة الحكم المحلي الفلسطينية عام 2010، ووزعتها وزارة التربية والتعليم على المدارس. زودت القصة برسومات يارا بامية، وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية مريم حجاوي.
يشكل الكتابُ عملا متعدد الأهداف؛ فهو نص يناقش فكرة غاية في الأهمية، وبأسلوب بسيط وسلس وممتع، ويركز على قيم تربوية وتعليمية نحن بحاجة إلى ترسيخها في وعي الأجيال الجديدة، بطريق الأدب بعيدا عن الوعظ المباشر، مجسدة في حالة دراسية كتلك المعروضة في هذه القصة، إنها درس متكامل في التربية المدنية والمجتمعية، ومن هنا يأتي اهتمام وزارة الحكم المحلي بنشر الكتاب ورعايته ووزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية بتعميمه على طلبة المدارس من خلال رفد المكتبات المدرسية بنسخ منه، لعله يساهم في إحداث التغيير السلوكي المنشود لدى الطلبة.
وقد اشتملت القصة (وليد 2020 Waleed) على مجموعة من الرسومات المعبرة، وكأن الكاتبة تريد أن تعرض الفكرة مشفوعة بالصورة لتكون أدعى للتأثير والإقبال؛ فاقتران الصورة بالفكرة أمر يزيد من إيضاحها وترسيخها في الذهن، لاسيما أنها تستهدف الفتيان والفتيات، وهي فئة مرتبطة بالصورة إلى حد كبير، أو تأثر فيها الصورة بشكل أفضل.
وزيادة على كل ذلك، فقد جاءت القصة باللغتين العربية والإنجليزية، وفي ظني أن ذلك يتجاوز البعد التعليمي للغة، وإن كان حاضرا وبقوة، بدليل بساطة التراكيب، ومناسبتها لهذه الفئة كونها تستخدم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، ولعلها تتجاوز هذا البعد إلى ما هو أهم اتساقا مع الهدف العام للقصة، ألا وهو إعطاء شريحة الفتيان والفتيات قيمة في أهمية التعامل مع الآخر، وهذا التعامل الحضاري مع الغير، لا شك أنه يلزمه تعلم اللغة التي يتحدث بها هذا الآخر، ويفكر بوساطتها، سواء في ذلك اللغة على المستوى الفكري، وهذا بالتأكيد متنوع داخل اللغة الواحدة، أو على مستوى الوحدات الصوتية والصرفية والتركيبية، بوصفها لغة مغايرة في كل هذه النواحي، عدا أن اللغة الإنجليزية لغة عصرية وطاغية في كل المجالات، وأصبح امتلاكها ضرورة للتعايش داخل المجتمع الواحد بين أبنائه المختلفين عرقيا وثقافيا، وهي بذلك تمثل بعدا قيميا غاية في الدلالة، وتؤسس كذلك لبعد عالمي، فلا ترضى أن تظل حبيسة النطاق الجغرافي الضيق، وبالتالي فإنها تفترض تواصلا أيضا من الآخر مع هذا العمل.
تناقش الكاتبة على مدى سبعة عشر مقطعا قصصا ومشهديا بعض جوانب الحياة المعاصرة، وبالتحديد مشاركة الجميع ببناء مجتمع فعّال وقادر على تقديم العون عبر مؤسسات يسودها الوعي بأهمية العمل من أجل المجموع، بـاثّــة الكاتبة رسالتها التوعوية في ثنايا السرد القصصي المطواع والأخاذ، ومتوسلة بعض التشويق وروح المغامرة التي يسعى لها الفتيان وتشغف بها الفتيات، وتتعرض خلال كل ذلك إلى بعض ما يشوب الحياة الأسرية من ضيق وتبرم، وما يعتمل في نفوس الطلبة من تبرم من المدرسة والمعلمين، لافتة النظر إلى أهمية الكشف الذاتي والتعلم الحر، فليست المدرسة هي الوحيدة موطن التعليم والتعلم، بل الحياة مدرسة، إنها– أي القصة– عمل تعليمي وخلقي، لعله يشير إلى استراتيجيات تدريس وتثقيف لا بد من مراعاتها عند ممارسة العيش ضمن مجتمع ذي مؤسسات مدنية.
ومن خلال ذاكم العنوان المثير والجاذب (وليد 2020 Waleed)، فإن مايا تقلق راحتنا قلقا فنيا مبررا غير مزعج، وتجعلنا مضطرين لرؤية سنة 2020، ونحن في أل 2010، فترسم في البداية صورة قاتمة للمدينة، أي مدينة، مدينة شبه ميتة، بلا أحياء، بلا عمران، تملؤها القمامة، تعمها الفوضى، بلا مؤسسات، وبلا خدمات، فما السر يا تُرى؟
إنه جهل الإنسان بأهمية دوره في المجتمع الذي يعيش فيه، لذا فإن الوليدَيْن -المقيم والقادم- يقودان مجتمعا شبه معدوم ليعيداه إلى الحياة من جديد عبر التنظيم والتخطيط والعمل التعاوني السليم، ومن خلال مؤسسات يقوم برعايتها من يعرف عمله جيدا، وهكذا نكتشف أن "وليد 2020 هو وليد 2010"، وكأن الكاتبة تريد أن تقول: إن التغيير يقع على عاتق هذا الجيل، وأنه سيثمر تغييرا حقيقيا، ولكنه ليس بِعَصا سحرية، بل لا بد له من وقت، إنه عقد من سنوات البناء والتعاون، ليتحقق الحلم، لتكون خاتمة القصة، وقد غيرت قناعات وليد، وأصبح يمتلك وعيا اجتماعيا لما يدور حوله، "فيكفيه أنه يحاول أن يكون شخصا أفضل بنظر نفسه وبنظر الآخرين ليشعر بالسعادة."
لقد أمتعتنا مايا أبو الحيات، كما فعلت سابقا في روايتها القصيرة حبات السكر، فدام الإبداع ودام الألق والحضور.
- غلاف قصة وليدي 2020
◄ فراس حج محمد
▼ موضوعاتي