محمد سلطان الولماني- السعودية
دراسة أجناسية: الإمتاع والمؤانسة
لأبي حيان التوحيدي
أبو حيان التوحيدي كاتب أديب مشهور، أثرى المكتبات العربية بمؤلفات أمتعت القارئ. والتوحيدي من أولئك الأدباء الذين لم يأخذوا حقهم من الحياة الدنيا إلا الشقاء. فامتهن أول حياته بالوراقة والنسخ، وقد قصد الوزراء والأمراء لعله يجد ما وجده غيره من الأدباء والعلماء من الأموال والعطايا. لكن الحظ لم يحالفه، بل أصيب بالبؤس والشقاء، ونفر منه الوزراء ورجال الدولة. ولم يكن هذا الحظ العاثر على نفسه فقط، بل لحق حظه كتبه ومؤلفاته فأحرقها، انتقاماً منه للناس الذين لم يدركوا علمه وأدبه.
ومؤلفه الإمتاع والمؤانسة هو من أجلّ المؤلفات عند التوحيدي، مؤلف يكشف لنا خبايا القرن الرابع وما يدور فيه من أحداث. وقد حاولتُ أن أدرس هذا الكتاب دراسة أجناسية، فأستخرجُ الأجناس المنطوية تحت هذا الكتاب من شعر ونثر، وأحاولُ تعريف كل جنس على حده، والخلوص إلى تجنيس الكتاب.
اسمه ومولده
هو أبو حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي الصوفي. اختلف المؤرخون في أصله بين شيرازي أو نيسابوري، لكنهم أجمعوا على أنه فارسي الأصل.[1] ولد التوحيدي في بغداد سنة 312هـ وبها نشأ. وأما نسبته للتوحيدي، فقد ذكر ابن خلكان أنه يقال إن أبا التوحيدي كان يبيع التوحيد ببغداد، وهو نوع من التمر بالعراق. [2]
شيوخه
تلقى التوحيدي علوم ومعارف في مكان نشأته – بغداد – وذهب إلى البصرة وتلقى العلوم على أيدي علماء البصرة، ومنهم: أبو سعيد السيرافي، والقاضي أبي حامد المروروذي، وسمع الحديث من أبي بكر الشاني. ومن العلماء الفلاسفة وعلى رأسهم أبو سليمان المنطقي وأبو محمد المقدسي وعلي بن عيسى الرماني. [3]
وفاته
اختلف في وفاته، لكن أقرب ما يكون أنه توفي سنة 403هـ.[4]
وصف الكتاب: العنوان
يزاوج أبو حيان التوحيدي عنوان كتابه بين "الإمتاع" و"المؤانسة". وهو ثنائي العنوان، ولهذا العنوان مدلولها على نفس المؤلف، وذلك لتؤنس التوحيدي من العزلة التي عاشها وحيداً، فأراد لكتبه ألا تبقى وحيدة مثل حاله حتى وفاته[5]. ولو نظرنا للعنوان من نظرة معجمية، فالإمتاع من: مَتَع الرجل ومَتُعَ، بمعنى جاد وظرف. وقيل كل ما جاء فقدْ متع وهو ماتع، والماتع من كل شيء البالغ في الجودة الغاية في بابه.[6] أما المؤانسة، فهي خلاف الوحشة، والأُنس، والإنسُ للطمأنينة. وفي بعض الكلام: إذا جاء الليل استأنس كلُّ وحشي، واستوحش كل إنسي.[7] ومن خلال تلك المعاني للعنوان، دار الكتاب ضمن المتعة والأنس، وجلب المتعة وإبعاد الوحشة.
وبعد عتبة الكتاب ننتقل إلى متن الكتاب ومادته. فقد قسّم التوحيدي كتابه إلى ليالِ، ودار المتحدثان في فنون كثيرة من العلم. وقد لا حظ المحقق للكتاب أن ليالي الإمتاع والمؤانسة هي أشبه بليالي ألف ليلة وليلة، فيقول "ثم إن أسلوب تقسيمه إلى ليالِ، وذكر ما دار في كل ليلة على سبيل الحديث والحوار، يجعله لذيذاً شيقاً، فهو أِشبه شيء بألف ليلة وليلة، ولكنها ليست ليالِ للهو والطرب(...) وإنما ليالِ للفلاسفة والمفكرين والأدباء "[8].
وعدد الليالي المثبتة في الكتاب أربعون ليلة. وإن كان هناك من يشكك في تلك الليالي وأنها من خيال التوحيدي. فالتوحيدي قد أبتكر في الإمتاع والمؤانسة عملا تخيلياً فيه تركيبة جديدة تستند إلى فكرة المجلس ودوره التاريخي.[9]
وقد التزم الكتاب أسلوباً واحداً في عرض لياليه، وهو أشبه بما نراه في ليالي ألف ليلة وليلة، فهذه تقوم على نموذجٍ واحد، فالبداية وهو طلب شهريار من شهرزاد قصة وتنتهي بالكلام المباح. وهذا ما نراه في الليلة الأولى، حيث يطلب الوزير "ملحة الوداع" فيكون بعدها تفرق الحضور والتوحيدي من مجلس الوزير. وبمجرد قراءة الكتاب نستشف صيغته ومسامراته. فصيغته واحدة على كل الليالي فهي على طريقة قال لي وسألني وقلت له وأجبته، والوزير يقترح الموضوع والتوحيدي يجيب، وعندما يجيب تثير "إجابته أفكاراً عند الوزير فيستطرد إليها ويسأله عنه"[10].
ولتأليف الكتاب قصة ذكرها المحقق وهي أن أبا الوفاء المهندس كان صديقاً لأبي حيان التوحيدي وللوزير أبي عبد الله العارض، فقرّب أبو الوفاءُ أبا حيانَ من الوزير، ومدحه عنده حتى جعل الوزيرُ أبا حيان من سُمّاره. ثم طلب أبو الوفاء من أبي حيان أن يقص عليه كل ما دار بينه وبين الوزير، فأجاب أبو حيان طلب أبي الوفاء، وفضّل أن يدون ذلك في كتاب. فكان من ذلك كتاب الإمتاع والمؤانسة[11]. وهذا الكتاب يشتمل على العديد من الأجناس الأدبية التي تنطوي تحته.
وقد اختلف الدارسون حول جنس الكتاب. هل هو من جنس المقالة أم الرسالة؟
يقرّ الدكتور محمد نجم أن الكتاب عبارة عن مقالات، وقد أورد مثالاً يثبت صحة ما قال وهي الليل الرابعة عندما وصف أبو حيان التوحيدي الصاحب بن عبّاد. فيقول نجم: "فهي مقالة هجائية بارعة"[12]. لكن ما نعرفه أن أدبنا العربي القديم لم يعّرف فن المقالة، فهي فنٌ غربي، وتاريخها مرتبط بالصحافة. لكن أقرب ما نشبهه بالمقالة في أدبنا العربي القديم، هو فن الرسالة.
وعندما نستعرض تعريف المقالة سيتبين الفرق بينها وبين الكتاب. فالمقالة "قطعة نثرية محدودة في الطول والموضوع، تُكتب بطريقة عفوية سريعة خالية من الكلفة والرهق"[13]. عند قراءتنا للتعريف نجد الاختلاف واضح وجليّ. فالمقالة "محدودة في الطول والموضوع" وهذا ما لا نجده في الكتاب، فبعض الليالي تمتد كثيراً مثل الليلة السادسة التاسعة الثانية عشر وغيرها كثير. أما الموضوع فعند التبحّر في الكتاب تجد الليلة الواحد تدور حول مواضيع عديدة، فيستطرد ويتشعب في إجاباته.[14] فالرسالة تستوعب في موضوعها ما لا تستوعبه المقالة من مسائل العلم والأدب والفكر.
ومن خصائص المقالة أنها لا تقوم على الجدل والنقاش، لكن في الإمتاع والمؤانسة رأينا المجادلة والمناظرة في الليلة الثامنة في مجلس الزير ابن فرات بين متّى المنطقي وأبي سعيد السيرافي. [15]
الأجناس التي ينطوي عليها الكتاب
1. الشعر
يعد الشعر من الأجناس الأدبية القديمة التي تضمنها الكتاب، فما عُرف عن التوحيدي النثر. فلقد استطاع أن يسم كل إنتاجه بالصبغة الأدبية في ميدان الفن أو في العلم.[16] كما يعرف علاقة الكلمة بالكلمة، وعلاقة الكلمة بالعبارة، وعلاقة ذلك بالمعنى فيضع اللفظ في مكانه الأحسن وموقعه الأفضل.[17] فهذه منزلته ومكانته من النثر. ولم يُعرف عن التوحيدي نظم الشعر، وهو نفسه يقرّ بذلك بصراحة. فعندما سأله الوزير أن يصف جماعة الشعراء، ويذكر بضاعتهم وما خص به كل واحد منهم، فيجيبه قائلاً: "لست من الشعر والشعراء في شيء، وأكره أن أخطو على دحض[18]، وأحتسي غير محض"[19]. ولكن الوزير لم يقبل اعتذاره، فيصفهم أبو حيان. وفي وصفه لهم يكشف عن ناقد بصير، ولكن إجادة نقد الشعر لا علاقة لها بقول الشعر.[20]
وأول ما يردنا من شعر يورده التوحيدي ورد في مقدمته، بقول الشاعر:
ألا إنما يكفي الفتى عند زيغه = = من الأود البادي ثِقافُ المقوِّمِ
والكفر مخبثة لنفس المنعم = = والشكر مبثةٌ لنفس المفضل[21]
وأورد أيضاً قول الشاعر:
من لم يكن لله مهتماً = = لم يُمسَ محتاجاً إلى أحد
أنت للمال إذا أمسكته = = فإذا أنفقته فالمالُ لك[22]
وهذا جنس الشعر يتداخل مع الرسالة، فقد استشهد به المؤلف لغرض في نفسه حيث كان موضع الاستشهاد يحتاج إلى الحكمة، فأحضر مقاطع من نصوص محفوظة في سياق الكتابة[23]. فأورد الشواهد ليحقق غرضه من ذلك. ومازال التوحيدي في غرض الحكمة، حيث يورد أبياتاً لزهير بن أبي سلمى أثناء حديث التوحيدي عن الأخلاق، فيقول:
ومن لا يذُدْ عن حوضه بسلاحه = = يهدم ومن لا يَظلمِ الناس يُظلَمِ
وآخر:
ومن لا يذد عن حوضه الناسَ أو يكن = = له جانب يشتد إن لان جانبُ
يطأ حوضه المستوردون وتغشه = = شوائبُ لا تبقى عليها النقائب
ومن الحكمة أيضا:
إني لأصفح عن قومي وألبسهم = = على الضغائن حتى تبرأ المِئَرُ[24]
ولا شك أن ابتداء التوحيدي بغرض الحكمة لم اعتباطياً، ولكن المجلس كان يحتم عليه ذلك. فوقار الوزير ومكانته وهيبته، تمنع التوحيدي من الابتداء بغير الحكمة أو الغزل، وإلا كان ذلك مستهجناً من التوحيدي. فالغزل مدعاة للنفرة منه.[25]
ثم ينتقل التوحيدي بعد ذلك إلى الغزل، فيورد أبياتاً طلبها الوزير حيث قال: "هات شيئاً من الغزل"[26] فأنشده التوحيدي:
كلانا سواء في الهوى غير أنها = = تجلّدُ أحياناً وما بي تجلّدُ
تخاف وعيد الكاشحين وإنما = = جنوني عليها حين أُنْهى وأُبعدُ
ثم تطرقا بعد ذلك إلى شعر المجون، ففي الليلة الثامنة عشرة ابتدأ الوزير الكلام وطلب من التوحيدي أن تكون هذه ليلة مجون. فأورد التوحيدي للوزير أبياتاً موغلة في الفحش.[27] ولم يكن للرثاء حظ كبير في هذه الليالي، فأول ما يرد من الرثاء في الليلة الثلاثين، حيث يذكر التوحيدي أبياتاً للأعشى يرثي أخاه لأمه، المُنْتَشِر. يقول الأعشى في مطلع القصيدة:
إني أتتني لسان لا أُسَرَّ بها = = مِنْ علو لا عجبٌ منها ولا سُخُرُ
فَبِتُ مرتفِعاً للنّجم أرْقُبُه = = حيرانَ ذا حذَر لو ينفَع الحذرُ[28]
ثم طلب الوزير من التوحيدي شيئاً من وصف الخمر
حيث قال: "أنشدني في الخمر شيئاً غريباً"[29]. فأنشد التوحيدي:
ومُوَرّد الوَجَنات يخــ = = طِرُ حين يخطر في مُوَرّدْ
يسقيك من جفن اللّجين = = إذا سقاكَ دموعَ عَسْجَدْ[30]
ثم استزاد الوزير من الخمريات، فلم يتردد التوحيدي، فأنشده:
وعذراء ترغو حين يضربُها الفحلُ = = كذا البكرُ تَنْزُو حين يفْتضُّها البعْلُ
تُديرُ عيوناً في جُفونٍ كأنّما = = حماليقُها بيضٌ وأحدقُها نُجْلُ
ومن بين هذه الأغراض الشعرية، تتكرر الأغراض الأخرى في بيتٍ أو أكثر. فلم يكن هناك منهج واضح يتْبعُه التوحيدي في إيراد الأبيات والاستشهاد بها. وإنما تأتي كيفما اتفق، فمرةً يورد للحكمة، ومرةً للغزل، ومرةً للخمريات، ومرةً للغزل بأبيات قليلة، ثم يعود لوصف الخمر وكؤوسها.
ونجد في الليلة العاشرة طلب من الوزير في ملحة الوداع للتوحيدي بأن يورد التوحيدي أبياتاً في وصف الربيع، فيقول الوزير: "ولتكن من سراة نجد، ليُشتم منها ريح الشيِّحِ والقيصُوم"[31] فأنشده التوحيدي:
مُطِرنا فلما أن رَوينا لها درت = = شقاشِقُ منها رائبُ وحليبُ
ورامت رجالُ من رجالٍ ظُلامةً = = وعادت ذُحولٌ بيننا وذُنوبُ[32]
إلى آخر الأبيات التي وصف فيها المكان ونزول المطر فيه. وقد يأتي البيت في أماكن متفرقة داخل الكتاب من أجل الاستشهاد به، لكن ما ذكرنا هو ما تحدثا عنه، وأطالا الحديث فيه.
2. النثر
أ. الحكاية
ضمّ الكتاب الكثير من الأجناس الأدبية النثرية. من أبرزها القصص أو الحكايات بأنواعها. ولا شك أن القصص قد عبّرت عن الحياة الإنسانية بمختلف شؤونها، وأصبحت صورة حية للذات.[33] ومن خلال قراءتنا للكتاب نجد أن القصص وردت في ليلتين هما:
((الليلة الأولى، والليلة السادسة عشرة)). بدأ أبو حيان حديثه في الليلة الأولى عندما أوضح فوائد الحديث، وهل يُمل؟ فروى ما قاله الخليفة الأموي، عبد الملك بن مروان، لبعض جلسائه عن شغفه بالمحادثة لأن فيها الدروس والعبر، فيقول: "قد قضيتُ الوطر من كل شيءٍ إلا من مُحادثة الإخوان في الليالي الزُّهر على التلال العُفْر".[34] وأعقب هذا الحديث بحب الخليفة الأموي، عمر بن عبد العزيز، لليالي عبيد الله بن عبد الله بن مسعود في الموعظة الحسنة والنصيحة وفي المشورة والهداية، وأنه مستعد لشرائها بألف دينار، لأن المحادثة عنده تُلقح العقل، وتُروِّح القلب، وتُسرِّح الهم، وتُنقِّح الأدب.[35]
وقد وردت بعض الحكايات هي أقرب للوعظ والنصح، يستخدم فيها أسلوب الترغيب والترهيب.[36] وحكايات الوعظ عادةً ما تتداخل مع أحاديث وأقوال للرسول صلى الله عليه وسلم.
فقد أورد التوحيدي في الليلة الثالثة والعشرين حكايات كثيرة منها:
وقال الواقدي: لمّا غالط خالدُ بن الوليد عبد الرحمن بن عوف قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خالد، ذروا لي أصاحبي، لو كان لك أحدٌ ذهباً تنفقه قراريط في سبيل الله لم تدرك غدوةً أو روحة من عبد الرحمن.[37]
ومثله:
وَفَدَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من بني عامر يستأذِنُه في المرعى حول المدينة، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: إنها ديارٌ لا تضيق عن جارنا، وإن جارنا لا يُظلمْ في ديارنا وقد ألجأتْكم الآزمة، فنحن نأذَن لكم في المرعى، ونُشْرٍكُكُم في المأوى ... إلخ"[38].
ومنها حكاية محمد بن سلمة حين ورد على عمرو بن العاص وغيرها كثير.
وتلك الحكايات تهدف إلى بيان الموعظة الحسنة وإتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا ما انتقلنا إلى الليلة السابعة والعشرين يروي التوحيدي حكاية أحد الصالحين قديماً، حيث قُطع عليه الطريق فقُتلْ فلم يُعرف قاتله، فدلت الطيور على قاتله، لأنها شهدت مقتل الرجل الصالح.[39]
ويورد التوحيدي الحكايات البطولية، فلا تخلو أمة من الأمم من شجعانها، والمدافعين عن أوطانها. نرى ذلك في الليلة الواحد والثلاثين حيث "استحسن ابن عبيد الكاتب كلاماً جرى أيام الأمين والمأمون، وذاك أن علي بن عيسى بن ماهان، لما توجه إلى حرب طاهر بن الحسين من بغداد، سأل قوماً وردوا من الري عن طاهر، فقالوا إنه مُجدّ... إلخ".[40]
ولم يخل الكتاب من حكايات المجانين ونوادرهم. وقد أفرد المؤلفون لنوادر المجانين وحكاياتهم أحاديث مثلما فعل الجاحظ في كتابه البيان والتبيين وابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد.
وعند قراءتنا للكتاب في الليلة الثامنة عشرة بدأها التوحيدي بقول: "حسنون المجنون بالكوفة ذات يوم حين اجتمع إليه المُجان يصف كل واحد منهم لذّات الدنيا، إذ قال: أما أنا فأصف ما جرّبته، فقالوا هات، فقال: الأمن العافية ... إلخ"[41].
وأورد أبو حيان التوحيدي في الليلة الواحد والثلاثين حكايات للمجانين، وقد أطال في هذه الليلة، فيقول التوحيدي: "فقد كتب مجنون إلى مجنون ((بسم الله الرحمن الرحيم، حفظك الله، وأبقاك الله، كتبتُ إليك ودجلة تطغى، وسُفنُ الموصل ها هي..."[42]. رسالة لم يُفهم منها شيء، وإنما هي خلط في القول، فهو يحذره من شرب المرق وسفن الموصل وينصح صديقه بوضع حجر أو حجرين عند رأسه.
وأعقب أبو حيان رسالة المجنون برسالة ثانية من مجنون إلى مجنون مثله
وجاء فيها: "وهَبَ الله لي جميع المكاره فيك، كتابي إليك من الكوفة حقاً حقاً حقاً، أقلامي تخط، والموت عندنا كثير، إلا أنه سليم والحمد لله، أحببت ليعرفه إعلامكم ذلك إن شاء الله"[43]. وبعدها ضحك الوزير حتى استلقى.
ب. الخطبة
يعدّ الجنس الخطابي من أقدم الأجناس النثرية التي عرفها العرب قبل الإسلام، واهتموا به على مرّ العصور، لما له من تأثير على جمهور السامعين.
والخطبة لغة مأخوذة من (الخَطْب)، وهو الشأن أو الأمر عظم أو صغر، والخطبة اسم للكلام الذي يتكلّم به الخطيب، وهو الكلام المسجع ونحوه.[44]
وقد عرّف أرسطو الخطابة بأنها: "القدرة على الكشف نظرياً في كل حالة من الحالات عن وسائل الإقناع الخاصّة بتلك الحالة".[45]. فالخطبة تعتمد على دعائم أساسية، فتعتمد على المشافهة والجمهور والإقناع. وازدهر فن الخطابة عند العرب، وذلك بسبب كثرة الحروب والأحداث الاجتماعية.
وقد وردت الخطبة في الإمتاع والمؤانسة في الليلة الثامنة، حيث طلب الوزير من التوحيدي كلاماً لليهودي وهبُ بن يعيش الرقي تحدث فيه عن عمر الإنسان وتأمله. فأورد التوحيدي تلك الخطبة للوزير وأطال فيها[46]، حيث قال التوحيدي:
إن ابن يعيش يريد بهذه الخطبة أن عمر الإنسان قصير، وعِلمَ العالم كثير، وسره مغمور، وكيف لا يكون كذلك وهو ذو صفائح مركَّبة بالوضع المحكم، وذو نضائد مزينة بالتأليف المعجب المتقن، والإنسان الباحث عنه وعمّا يحتويه ذو قوىً متقاصرة، وموانع معترضة، ودواع ضعيفة، وإنه مع هذه الأحوال منتبه بالحِسّ ... إلخ"[47].
ج. الأمثال
عند تتبعنا لمادة (مثل) في لسان العرب، نجد أن مثل: كلمة تسويةٍ يقال هذا مِثله ومَثَله، كما يقال: شِبهه وشَبَهُه. هذا في اللغة. أما في الاصطلاح فالمَثَلُ هو "الشيء الذي يُضرَب لشيء مثلاً فيجعل مِثْلَه"[48].
فالأمثال تنتقل شفاهاً على ألسنة العامة من جيل لآخر، والمثل مثل النادرة. صيغة شعبية موغلة في القصر، وهي عبارة مركزة. [49]
ووردت الأمثال في عدد من ليالي الكتاب. فنجده في الليلة الثالثة والرابعة والسادسة والتاسعة وغيرها من الليالي. ففي الليلة الثالثة تحدث التوحيدي عن بعض الشخصيات العلمية والأدبية، ومنهم ابن طاهر، فذكر التوحيدي مثلاً معروفاً " لا تكن حُلواً فتؤكل، ولا مُرّاً فتُعاف"[50]
ثم ذكر التوحيدي مثلاً في الليلة السادسة لبيان المفاضلة بين العرب والعجم
"ليس من القرائب ولا أنجب من القرائب"[51]. وطلب الوزير من أبي حيان التوحيدي في بداية الليلة التاسعة عشرة أن يجمع له كلمات بوارع، قصار جوامع. فمن ضمن ما كتب أمثالاً، ومنها "البِرُّ يستعبد الحُرُّ، والقناعة عزُّ المُعسر، والصدقة كنزُ المُوسِر"[52].
وسأله الوزير في حديثه عن طبائع الحيوان "من أين للحيوان غير الإنسان هذه الفطنة وهذه الفضيلة؟"[53] فأجابه بقول أستاذه أبي سليمان السجستاني في الليلة أربعة والعشرين بطائفة من الأمثال القصيرة، رواها التوحيدي لتدل على سوء الطباع عند الحيوانات وغدرها وخبثها وجبنها. ومن الأمثال التي ذكرها " أصْوَلُ من جمل، وأغدر من ذئب، وأروع من ثعلب، وأجبن من صفرد، وأجمع من ذرة النمل، وآلف من كلب، وأهدى من قطاة، واحذر من عقعق، وأزهى من عقرب، وأظلم من حية، وأشدُّ عداوة من عقرب، وأخبث من قرد، وأحمق من حُبارى، وأنفر من ضليم، وأجرأُ من ليث، وأحقد من فيل"[54].
ثم أورد التوحيدي أمثلة في بداية الليلة السادسة والعشرين عن الاستخارة والاستشارة وقوة القدرة وعن النجاح واليأس، وكثرة العيال بقوله: "ما خابَ من استخار، ولا ندم من استشار، وكل عزيز دخل تحت القدرة فهو ذليل وأكثر أسباب النجاح مع اليأس والعيال سوس المال".[55]
د. الحوار
تكرر الحوار داخل الكتاب كثيراً، حتى أصبح السمة الغالبة على الكتاب هو الحوار. فالكتاب قائم أصلاً على الحوار بين الوزير وبين أبي حيان التوحيدي.
وعندما نتتبع لفظة (حوار) في المعاجم سنجدها عند ابن منظور: الحَوْرُ الرجوع عن الشيء وإلى الشيء حارَ إلى الشيء.[56] وهذا في اللغة.
أما الحوار في الاصطلاح، فيعرّفه أحد الباحثين بأنه "حديث يجري بين شخصين أو أكثر في العمل القصصي، أو بين ممثلَين أو أكثر على المسرح"[57]. وعرّف آخر الحوار في النص المسرحي بأنه: " العملية الأدبية الوحيدة في البناء المسرحي"[58].
والحوار ورد في ليالي كثيرة من الكتاب، ومن الصعب تتبع كل الحوار داخل الليالي، لكن سنورد بعضاً منها من سبيل التمثيل.
أول ما يردنا الحوار بين الوزير والتوحيدي في الليلة الأولى. حيث طلب التوحيدي من الوزير أن يأذن له في كاف المخاطبة، وتاء المواجهة. فقال التوحيدي: "يُؤذن لي في كاف المخاطبة، وتاءِ المواجهة، حتى أتخلص من مزاحمة الكناية، ومضايقة التعريض، وأركبَ جَدَد القول من غير تقيّة ولا تَحاشٍ ولا مُحاباة ولا انحياش"[59].
فرد عليه الوزير بقوله:" لك ذلك، وأنت المأذون فيه، وكذلك غيرك، وما في كاف المخاطبة وتاء المواجهة؟ إن الله تعالى على علو شأنه، وبسطة ملكه، وقدرته على جميع خلقه يواجَه بالتاء والكاف ...إلخ "[60].
وفي الليلة الرابعة سأل الوزيرُ التوحيدي رضاه عن أبي الوفاء؟
فأجابه التوحيدي: "أرضى رضاً بأتم شكر وأحمدِ ثناء، أخذ بيدي، ونظر في معاشي، ونشّطني وبشّرني، ورعى عهدي، ثم ختم هذا كله بالنعمة الكبرى، وقلدني بها القلادة الحسنى...إلخ ".
فقال الوزير: "هات شيئا من الغزل"[61]. فلما أنشده التوحيدي سأله الوزير عن غلامه "خواشاذه" وأنه ما هرب من فناء الوزير إلا برأي التوحيدي وتجريئه. فقال التوحيدي: "والله الذي لا إله إلا هو ما كان بيني وبينه ما يقتضي هذا الأنس وهذا الاسترسال، إنما نلتقي على زنبرية[62] باب الجسر بالعشايا، وعلى باب أبي الوفاء... إلخ"[63]
وقد أطال الوزير والتوحيدي في سؤالهما وجوابهما. حيث امتدّ الحوار إلى أكثر من ثلاث عشرة صفحة.
وفي الليلة التاسعة بدأ الوزير بالحديث حيث طلب من التوحيدي أن يبدأ الكلام في هذه الليلة فقال الوزير: "فاتحةُ الحديث معك، فهات ما عندك".
فقال التوحيدي: "إن أخلاق أصناف الحيوان الكثيرة مؤتلفةٌ في نوع الإنسان وذلك أن الإنسان صفوُ الجنس الذي هو الحيوان... إلخ"[64]. فاسترسل التوحيدي بذكر صفات الحيوان وطباعها كالسباع والفأرة والذئب والجاموس والخنزير والفيل والكلب وغيرها من الحيوانات. فقد أطال فيها وصفها ووصف طباعها. ثم طلب الوزير من التوحيدي ملحة الوداع، فقال الوزير: " هاتِ الوداع، فإن الليل قد همّ بالإقلاع"، فأجابه التوحيدي: "قال أبو سعيد الذهبي الطبيب: لو علم الذي يَحمِل الباذنجان أن على ظهره باذنجاناً لصال على الثِّيران"[65].
وفي الليلة الخامسة عشرة وفي معرض حديث التوحيدي عن ابن يعيش اليهودي، سأل الوزير التوحيدي: "هذا كلامٌ ظريف، وما خلتُ أن ابن يعيش مع قدامته، ووخامته يسحب ذَيلَه في هذا المكان، ويُجري جوادَه بهذا العنان"، فقال التوحيدي: "إنّ له مع هذه الحالِ مَراميَ بعيدة، ومَقاصدَ عالية، وأطرافاً من المعاني إذا اعتلقها دَلّ عليها، إما بالبيان الشافي، وإمّا بما يكون طريقاً إلى الوَهم الصافي، ولقد مرّ له اليوم شيءٌ حرى بينه وبين أبي الخير اليهودي استفيد منه" فقال الوزير:
"وما ذاك؟ انثرْ علينا دُرَرَ هذه الطائفة التي نميل إليها بالاعتقاد وإنْ كنا نقع دونهما بالاجتهاد"[66].
أما في الليلة السابعة عشرة فقد دار الحوار بين الوزير والتوحيدي في مسائل نحوية. فسأل الوزير التوحيدي: "ما تحفظ في تَفعال وتِفعال، فقد اشتبها وفَزِعتُ إلى ابن عُبيد الكاتب فلم يكن عنده مَقْنَع ... إلخ" ولما كان النحو وتداوله يتطلب الأخذ والعطاء، فقد ردّ التوحيدي على سؤال الوزير فقال التوحيدي، يروي قولاً للسيرافي رحمه الله: "المصادِرُ كلها على تَفعال بفتح التاء، وإنما تجيءُ تِفعالٌ في الأسماء، وليس بكثير". فطلب منه الوزير حصرها.[67] فقد تكرر الحوار بين الوزير والتوحيدي حتى طال، ذلك لما في النحو من إفهام وشرح.
الخاتمة
تعمدتُ من إكثار الحوار حتى أوضح انتشار الحوار في ليالي الكتاب، وقد اعتمد الكتاب على الحوار في جميع لياليه. وكما أسلفت فإن الكتاب قائمٌ على الحوار بين شخصيتين. يعدُّ كتاب الإمتاع والمؤانسة موسوعة ثقافية، واجتماعية، وتاريخية، وقد ضمّن التوحيدي كتابه، بعض الأجناس الأدبية الحديثة مثل الحكاية.
= = =
الهوامش
[1] حسن السندوبي، أبو حيان التوحيدي، ط1، دار المعارف، تونس، 1991، ص 5.
[2] شمس الدين بن خلكان، وفيان الأعيان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، 1994، ج5، ص 113.
[3] حسن السندوبي، أبو حيان التوحيدي، ص 7.
[4] المرجع نفسه، 7. وقد فصّل القول في ذلك، حيث اُختلف في وفاته اختلافاً واسعاً، واخترتُ ذلك المرجع لأنه الأقرب في نظري.
[5] محمد السامرائي، أبو حيان التوحيدي- إنساناً وأديباً، ط1، الأوائل للنشر، دمشق، 2002، ص 79.
[6] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، ج5، 432، مادة (متع).
[7] المصدر نفسه، ج1، 112-113، مادة (أنس).
[8] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تحقيق أحمد أمين وأحمد زين، المكتبة العصرية، لبنان، المقدمة.
[9] كمال أبو ديب، المجلسيات والمقامات، 212.
[10] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، المقدمة، ص-أ.
[11] [11] المرجع نفسه، المقدمة – هـ.
[12] محمد نجم، فن المقالة، ط1، دار صادر، بيروت، 1996، ص 20.
[13] المصدر السابق، ص 76.
[14] محمد السامرائي، أبو حيان التوحيدي، 58.
[15] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تحقيق محمد إسماعيل وأحمد عامر، ط1، دار الكتب العلمية، لبنان، 2007، ص 96.
[16] زكريا إبراهيم، أبو حيان التوحيدي، الدار المصرية، مصر. ص 143
[17] المصدر نفسه، ص 144
[18] أي مزلقة.
[19] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ص 120.
[20] عبد الرزاق محيي الدين، أبو حيان، ط2، المؤسسة العربية، بيروت، 1979، ص 141
[21] ورد البيتان في صفحة 16–19.
[22] ورد البيتان في صفحة 21–24.
[23] صالح رمضان، الرسائل الأدبية، ط2، دار الفارابي، بيروت، 2007، ص 416.
[24] الأبيات الأربعة السابقة وردت بالترتب في الصفحات: 49 و52. والمئر: الضغائن.
[25] أتى الغزل بعد الحكمة ولذلك ذكرتُه.
[26] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ص 53.
[27] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ص 236.
[28] المصدر نفسه، 352. والمنشر: هو ابن وهب بن سلمة الباهلي، قال الآمدي: وهو أخو الأعشى لأمه.
[29] المصدر نفسه، ص 471.
[30] العسجد: الذهب.
[31] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، 172. والشيح والقيصوم: نوع من النباتات قريب من الشيح.
[32] الذحول: جمع ذحل، وهو الثأر.
[33] صبري مسلم حمادي، توظيف القصص الشعبي في الفن الروائي، المأثورات الشعبية، العدد 11، الدوحة، يوليو 1988، ص 76.
[34] التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ص 33.
[35] المصدر نفسه، ص 33.
[36] موسى سليمان، الأدب القصصي عند العرب، ط5، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1974، ص 323.
[37] التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ص 268.
[38] المصدر نفسه، ص 270.
[39] المصدر نفسه، 316–317.
[40] التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ص 354.
[41] المصدر نفسه، ص 236.
[42] المصدر نفسه، ص 355.
[43] المصدر نفسه، ص 356.
[44] ابن منظور، لسان العرب، مادة (خطب). انظر حسن محسن، في الشعر والنثر، ط1، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1979، 81.
[45] محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، دار الثقافة، بيروت، 1973، ص 95.
[46] أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ص 97.
[47] المصدر نفسه، ص 97-99.
[48] ابن منظور، لسان العرب، مادة (مثل).
[49] محمد السامرائي، أبو حيان، 98.
[50] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ص 49.
[51] المصدر نفسه، ص 71.
[52] الصدر نفسه، 244.
[53] أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ص 278.
[54] المصدر نفسه، ص 278–279.
[55] المصدر نفسه، 311.
[56] ابن منظور، لسان العرب، مادة (حور).
[57] مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، ط4، مكتبة الشروق الدولية، مصر، 1425هـ، حرف الحاء. 205.
[58] ميشال عاصي، الفن والأدب، ط3، مؤسسة نوفل، بيروت، 1980. ص 182.
[59] أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، 28.
[60] أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ص 28–29.
[61] المصدر نفسه، ص 53.
[62] زنبرية: إحدى سفينتين كانتا في الجانب الشرقي من بغداد.
[63] المصدر نفسه، 54.
[64] أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ص 127-128.
[65] المصدر نفسه، ص 139.
[66] المصدر نفسه، ص 190-191.
[67] أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ص 199.
= = =
المصادر والمراجع
1. أبو حيان التوحيدي، تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، المكتبة العصرية، لبنان.
2. أبو حيان التوحيدي، تحقيق محمد حسن إسماعيل وأحمد عامر، ط1، دار الكتب العلمية، لبنان، 2007.
3. زكريا إبراهيم، أبو حيان التوحيدي، الدار المصرية، مصر.
4. شمس الدين بن خلكان، وفيان الأعيان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، 1994،
5. صبري مسلم حمادي، توظيف القصص الشعبي في الفن الروائي العراقي، المأثورات الشعبية، العدد 11، الدوحة ،1988.
6. عبد الرزاق محيي الدين، أبو حيان التوحيدي، ط2، المؤسسة العربية، بيروت، 1979.
7. كمال أبو ديب، المجلسيات والمقاميات والأدب العجائبي، فصول، العدد 4، 1996.
8. محمد رجب السامرائي، أبو حيان التوحيدي، ط1، الأوائل للنشر، دمشق، 2002.
9. محمد الشيخ، أبو حيان التوحيدي، الدار العربية للكتاب، 1983.
10. محمد نجم، فن المقالة، ط1، دار صادر، بيروت، 1996.
11. موسى سليمان، الأدب القصصي عند العرب، ط5، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1974.