عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

د. الحسن الغشتول - المغرب

في ذكرى رحيل زهرة زيراوي


شهادة في حق الأديبة المبدعة الخالدة زهرة زيراوي رحمها الله

.

الحسن الغشتوليطغى علينا الأسى بعد غيابك عنا أيتها الغالية. نحنُّ إليك، فنعيد قراءة ما لاح في علياء خيالك النقي من رسم ووسم. نوقن بما حدست وتفرست. نوقن بما شهدت وعرفت. نقرأ ما كتبت ذات يوم عن حنينك إلى فردوسك البعيد. لما رأيت الدرب دوني، أيقنت أني أشد الرحال إلى غابات بعيدة المنال.

لم نتجرع مرارة هذه الكلمات إلا بعد رحيلك عنا. فكم تقسو الدنيا بفراقك أيتها الأم العظيمة! تذهبين وعلى جبينك حرف يهرب من زيف السنين. تذهبين فيساقط جسد الياسمين، فلا يسندني غير دمع ومغناة في فم الريح.

أصيخ إليها بجرحي، بشرخ في أعماقي. أفشي لنجمة وحيدة سر المتاهات. هي سليلة أنجم خوالد اللألاء. هي التي تعيد للجسد روحه، كالجوهر الوضاء، تسري في الجذور الدفينة. تتلمس مزلاج الوطن.

أيها النجم المسجى في سراك ائتلاق ينجذب الوله الصدوق به. ينجذب من وريده لا من يده. عقيدتك شيمة علوية. ذكراك يا زهرة تمتد حلما في الأرض. يكبر الحلم تتدلى جدائله. تسكن أنفسا مَشُوقَة بوميض وهاج تلتهب فتائله. لم يعد الجسد يعبأ بآثار السهم الذي جاب خرائطه. يَبْرَأ من أعراضه الدنية كلها.

زهرة زيراويفُـرشاتك كما علمت اكتهلت يا زهراء. فُـرشاتك تصوغ ضرباتها ظلمة المساء وتمنح الهواء لونه القرمزي. طيبتك التي لا حد لها. سخاء قلبك، ضميرك الصاحي أبدا. إنسانيتك المتأصلة. كلها خلال لا يخترمها الفناء ولا تنسيها بعدك لجة الليل الطويل.

ذكراك صارت ترتيلة تلازمني مذ رحلت. العربات الخفية في المتاهات البعيدة والمدينة من دونك موحشة، وأنت المنار. المدينة من دونك صمت موجع. عساك ترجعين أيتها الخالدة في عالم الصفاء. عـساك تسكنين في عروقنا وتزهرين في حدائق الفؤاد.

تماهيت بعلياء الكون إذ ناداك الفردوس هزارا يصدح للحياة. مضيت في الغياهب تشقين دجاها. تسائلين السحب والأنواء. وحدك في عوالم السدم تتطلعين إلى خطف برق بأجنحة تخفق رؤاها مثل رؤى الخالدين. بأشرعة تخوض لججا تبدد العتمات، تصافي موجا يغسل العثرات.

النور أنت والنَّوْرُ أنت. الغصن الأبدي الذي استوى في أعماق القلب سيدة المقام: كل الغيمات تسأل عنك، وغصنك يعد لبرق الغمام، يوقن بأنك تنزلين ماء نقيا من ذات سماء. تأتين في المطر لتخضل الحياة وأنت ترقبينها في عز وخيلاء.

D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2019     A الحسن الغشتول     C 0 تعليقات