عدلي الهواري
كلمة العدد الفصلي 15: الكتب والقصص الصوتية: هل هي بديل مناسب للقراءة؟
أجهزة تسجيل الصوت قبل ظهور الكاسيت كانت كبيرة. يوضع على طرف الجهاز بَـكَـرَة فارغة، وعلى الطرف الآخر بكرة لُـفّ حول محورها شريط ممغنط يسجل الصوت عليه.
في السبعينيات على ما أذكر ظهر جهاز تسجيل الصوت باستخدام شريط صغير ممغنط داخل غلاف من البلاستيك (كاسيت) وعلى طرفية أيضا مكان ليتحرك الشريط من طرف إلى آخر أثناء التسجيل أو الاستماع إلى الصوت المسجل.
حجم الكاسيت كان في بعض الحالات صغيرا جدا، وكان هذا النوع مستخدما في المكاتب لكي يسجل مدير الشركة مثلا نص الرسالة التي يريد من السكرتير/ة طباعتها.
أصبح كل بيت يملك مسجل كاسيت، وانتشرت محلات بيع الأغاني المسجلة على كاسيتات. وصار من الممكن تسجيل خطابات وأشعار تلقى في المهرجانات. وبهذه الطريقة تعرف الناس على قصائد مثل قصيدة مظفر النواب التي يهجو فيها الزعماء العرب (القدس عروس عروبتكم). ولولا الكاسيت لما حظيت بالانتشار، فالإذاعات ما كانت ستبثها.
ومن المعروف أن لبعض الناس احتياجات خاصة بسب إعاقة ما. وبالنسبة إلى المعاقين بصريا، تمت الاستفادة من وجود الكاسيتات لتسجيل كتب، وكانت أشرطتها تباع في المكتبات مثل الكتب الورقية.
ولكن أمر الكتب الصوتية لم يعد مقتصرا على تلبية حاجة لفئة محدودة من الناس، كمحدودي الرؤية أو المكفوفين. وقد لاحظت بعد متابعة بعض الفيديوهات على يوتيوب وجود دعايات مباشرة وغير مباشرة لقراءة كتب معينة بصيغتها الورقية، وتوصية بالاستماع إليها إذا كان الشخص غير مغرم بالقراءة المباشرة من كتاب بين يديه.
ودعيت أيضا إلى الاستماع إلى قصص مقروءة، ففعلت لكي تتكون لدي فكرة أفضل عن هذه المسألة. وعلى ضوء كل ما سبق، أود التعليق على هذه المسألة، أي الاستماع إلى الكتب والقصص، إلى آخره، بدلا من قراءتها.
إن القراءة المباشرة من الكتاب أو الصحيفة أسرع بكثير من الاستماع إلى النص نفسه مسجلا. ولذا، عندما أريد أن أستمع إلى قصة من الأدب الروسي مترجمة إلى العربية قد يتعين عليّ قضاء عشر دقائق في الاستماع إليها، في حين أني سأقرأ النص المكتوب في خمس دقائق، أو أقل. وعند الاستماع إلى نصوص مقروءة، وجدت أن التمكن من اللغة أثناء القراءة يتفاوت من شخص إلى آخر.
من الممكن أن تنجذب إلى نص قصير مقروء بطريقة جيدة، وتركز على المحتوى، ولكني أشك في المقدرة على التركيز على ما تسمع عندما يكون النص طويلا. هل حقا تستطيع أن تركز على رواية طويلة أو كتاب علمي مليء بالمصطلحات والنظريات الغريبة؟
ربما لو كنت ضريرا، وبحاجة إلى من يقرأ لك، سوف تركز. ولكني أتحدث بشكل عام هنا. كلنا نعرف تجربة الشعور بالملل عند الاستماع إلى محاضرة طويلة، أو خطاب، سواء أكان ذلك في قاعة صف أم مهرجان إما نتيجة الإطالة، أو الأسلوب الرتيب، وما إلى ذلك. أود لو يصف لي أحد شعوره أثناء الاستماع إلى كتاب علمي. ماذا يجذبه لمواصلة الاستماع إلى أن ينتهي الكتاب؟
كثير من الناس يستخدم سيارة للقيام برحلة قد تستمر ساعات، وهؤلاء يلجؤون إلى الراديو أو الأشرطة أو الأقراص المدمجة للاستماع إلى القرآن الكريم أو الأغاني. ولكن في حالة الكتاب لا أزال غير قادر على استيعاب مسألة التركيز على ما تستمع عليه، وبالتالي احتفاظ ذاكرتك ببعضه.
النقطتان الأهم بالنسبة إليّ هما الوقت والمقدرة على التركيز. وهما نقطتان لا يلتفت إليهما الكثير من الناس الذين يهتمون بالكتب المسموعة أو مشاهدة فيديوهات تعليق على أحداث يهمنا التعرف على الآراء فيها. لشرح هذه الفكرة، أو الإشارة إلى ظاهرة عمل فيديوهات.
كثيرون يعلقون على الأحداث بتصوير فيديو. ونادرا ما تكون الفيديوهات قصيرة. ولذا أنت دائما بحاجة إلى وقت أكثر مما يمكن توفره لأي إنسان، فإذا أردت الاستماع إلى أكثر من شخص يعبر عن رأيه بفيديو، فسوف تحتاج إلى يوم يتألف من ثمان وأربعين ساعة.
خضت بنفسي تجربة عمل فيديوهات فوجدت أني مهما حاولت أن أوجز، يتكرر في معظم الأحيان تجاوز الدقائق العشر التي كنت أضعها هدفا لنفسي. ومن الواضح أن التعليق على أحدث مهمة، وشرح الخلفيات وتقديم الحجج، يحتاج إلى وقت، وبالتالي لا يمكن التعبير عن رأي في مسألة مهمة بسرعة. وإن أطلت في الشرح، فسوف يحجم الراغبون في الاستماع عن فعل ذلك، أو سيكتفون بدقائق قليلة.
والفيديوهات على أهميتها في إيصال الرسائل والتواصل مع الجمهور، إلا أن فيها إهدارا لوقت المتابعين. الأفضل في رأيي الاعتماد على الكتابة، فأنت في هذه الحالة تقضي وقتا أكبر في ترتيب أفكارك والتعبير عنها، وتوفر على المتابعين الكثير من الوقت.
للمقارنة، سأشير إلى كلمة العدد هذه وغيرها، فهي لا تكتب في دقائق، بل ساعات، وأحيانا أكتب قليلا منها كل يوم وأخضعه للمراجعة. لو قرأتها لتكون افتتاحية مسموعة، فسوف يكون طول التسجيل بضع دقائق. أما في حالتها المكتوبة، فتقرأ في دقيقتين ربما. ولذا، مقابل الوقت الطويل الذي قضاه شخص واحد في الكتابة، حصل توفير في وقت كل من يقرأ الكلمة. ولو سجلت الكلمة صوتيا بصورة مرتجلة، لكان الوضع معكوسا: أوفر الكثير من وقتي، وأستهلك أكثر مما يلزم من وقت كل من يستمع.
خلاصة رأيي في الأمر هي الترحيب من حيث المبدأ بأن يشغل الإنسان نفسه بما هو مفيد، بما في ذلك الاستماع إلى الكتب. ولكن الإنسان المهتم بتطوير نفسه يجب ألا يبخل عليها ببذل مزيد من الجهد، فلا يقضي ساعة على الاستماع إلى فصل من كتاب ولديه خيار قراءة الفصل نفسه في ربع ساعة، فيكون استفاد من وقته بشكل أفضل.
- مسجل صوت قديم
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
1 مشاركة منتدى
الكتب والقصص الصوتية: هل هي بديل مناسب للقراءة؟, فنار عبد الغني ،لبنان | 5 كانون الأول (ديسمبر) 2019 - 17:44 1
السلام عليكم
لاغنى عن الكتاب، فهو أكثر من صديق. وعلى الرغم من استماعي للكتب والقصص المسموعة الا اني لم أتوقف عن قراءة الكتب. إن ضيق الوقت وضغط العمل يدفعان بي للاستماع للكتاب المسموع وكما ذكرت الاستفادة الاكبر هي في القراءة المباشرة.ذات يوم كنت اسمع أحد قصص ماركيز ،بعد لحظات وجدت نفسي ،أتناول المجموعة القصصية وافتح على نفس القصة وأعيد قراءتها.لبعض القارئين أداء وقدرات باهرة على جذب المتابعين وهم أيضا يعرفوننا على أدباء وكتاب لم نكن نعرفهم. لكن نستطيع القول بأنه لا وجود لبديل ينافس الكتاب. وشكرا لأنك أثرت الموضوع.