هيام فؤاد ضمرة - الأردن
الحجر الاجتماعي: جانب إيجابي
عود الند: عدد خاص: كورونا: يوميات وتأملات
منذ اللحظة التي أعلن فيها عن ظهور فايروس كورونا المستجد في الصين، وإرسال حكومة الأردن طائرة لإعادة المواطنين الأردنيين إلى الوطن قبل استفحال انتشاره وتحوله إلى جائحة غير مسيطر عليها، لم أترك وسيلة إعلامية إلا وتتبعتها بهوس، ليس من مدخل خوف، بل من مدخل الرغبة باستكمال مظاهر الوعي من خلال فهم الفيروس واستيعاب هويته، وطرق انتشاره، ونسبة إمكانية النجاح بعلاجه، وهذا ما فتح أمامي فكرة طرق الوقاية منه في حدود الإمكانيات.
وعليه اتخذت قرار تجميد النشاط الثقافي الأسبوعي للملتقى، خاصة بعدما لاحظت صعوبة توقف الجميع عن سلام الأيدي وعادة تبادل التقبيل على الوجنتين. وكتبت لأعضاء الهيئة الإدارية بقراري، فأيدوه بإجماع كخطوة واعية للسيطرة على جماح هجمة الفيروس، وكتبت نص الإعلان، وقام المسؤول الإعلامي بنشره على المواقع الإخبارية وعلى صفحاتنا الشخصية على الفيسبوك.
وابتدأت بنظام الحجر على نفسي قبل أكثر من أسبوع من إعلان الدولة، واتخذت من بيتي ملاذي الآمن الذي يقيني الاختلاط، وقمت بتوفير مستلزمات البيت الضرورية للمعيشة حتى الأدوية الرئيسية من باب إحساسي بالمسؤولية، ووضعت لنفسي نظاما بحيث أجعل كل وقتي فرصة مستفادة، إن كان من خلال القيام ببعض الترتيبات المنزلية التي كانت تنتظر تفرغي لها، أو بالنسبة لقلمي وحاجتي للكتابة والبوح، وتنظيم مواد لأكثر من كتاب وتجهيزها للطبع، مما كنت لا أجد له الوقت في سابق الأيام.
وأكثر ما أسعدني أن ابنتي وجدت طريقة هي وصديقتها في لبنان أن تبقيا بينهما الكاميرا مفتوحة لقضاء الوقت إما بالحديث وتبادل المعلومات، أو باللعب بإحدى الألعاب الإلكترونية المسلية. واتفقتا أن تتناولا وجباتهما في ذات الوقت وكأنهما على سُفرة واحدة، مما شجعهما ذلك إلى الاجتهاد ودخول المطبخ وتعلم أساليب جديدة بالطبخ وتطبيقها، وكلتاهما لم يسبق لهما دخوله إلا لتناول وجبة الطعام.
ومن الطبيعي أن أتبادل أنا أيضا الصباحات والمساءات مع والدتها وأهل بيتها، وكذلك كنا نفعل مع بناتي في بلدان اغترابهن. وحتى تلك الموجودة في عمان لا تشعر بالوحدة، خاصة أن زوجها الذي عاد من دبي في الحملة الأولى كان يقضي فترة الحجر في فندق على شاطئ البحر الميت.
ورغم أني انهمكت بتقسيم وقتي ما بين القراءة والكتابة، وتفقد الصحب والأهل، والقيام بالواجبات المنزلية، وكان الوقت يمضي معي دون تسربات للملل، إلا أني ظللت على تتبع مستمر للأخبار المحلية والعالمية. وأشد ما أسفت له هو لأولئك المرضى الذين يتقصدون بث الأخبار المزيفة، التي فاضت بها مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عجيب، وكأنما نجاحهم بتشوية الحقيقة يجعلهم بانتشاء غريب.
كذلك الأمر بالنسبة إلى أولئك الذين يمتلكون أجندات خاصة سياسية أو فكرية تدميرية للعقل، بحيث يثيرون فوضى التفكير الخاطئ، ويبعدون الناس عن تلقي الحقيقة وامتلاك التوازن العقلي بالتفكير واتخاذ القرارات الصائبة، وبرمجة العقل بغير متطلبات الوعي.
كتبت مقالة مطولة بهذا الباب ونشرتها، وتابعت كتاباتي للمقالات والنشر رغم ملاحظتي هروب الناس عن القراءة الطويلة، وتفضيلهم استقبال الرسائل القصيرة، حتى لو كانت مجتزأة وغير متكاملة وأحياناً كثيرة مزيفة، الناس باتت ملولة لا تحتمل كل شيء يأخذ منها الوقت رغم غرابة ما تشكوا منه، ألا وهو الملل، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الغالبية العظمى من الناس افتقدت إحساسها بمنح ذاتها التمكن من الحياة بنجاح، أو امتلاك العزم للارتقاء الذاتي من خلال تجهيز العقل وتأثيثه بالوعي والفكر المستنير.
يبحث الناس دوماً عن المعلومة الجاهزة المكثفة دون التحقق من صدقيتها، وكل ما هو جاهز مسبقا دون تفعيل للعقل بما يملأ الوقت بالإيجابيات، هذه الطريقة وملاحظة تعميمها جعلت شعوبنا مثقلة بالهموم ومتلقية فقط للمعلومة زيفها وصحيحها بنفس القيمة، فقد باتت العقول تعاني الترهل كما أجساد العجائز، لا تمارس الجدية بحياتها، تنظر للأمور بسطحية واضحة.
حين كنت أتلقى مكالمة من احدى الصديقات وتبدأ ببث مشاعرها السلبية بالشكوى من الملل الذي يطبق على أنفاسها، وأضيع أنا الكثير من الوقت لدعمها النفسي لترفع من معنوياتها، كنت سرعان ما أفاجأ أنها لا تلتزم بالحجر الوقائي، وتتسرب خارج منزلها بكل الطرق الممكنة، وما فشلت بتحقيقه من التعرف على جيرانها بالمجمع السكني الذي تعيش به منذ حوالي عامين، فقد تمكنت بفترة الحجر الوجيزة أن تلتقط كل مار عند مدخل المجمع، وكل رأس يطل من على شرفة شقته، لإلقاء التحية ونثر عبارات تفتح بها مجالا لتبادل الحديث، لتجد نفسها تلك الجارة تقول لها من باب اللياقة تفضلي اشربي فنجان قهوة. وسرعان ما تتقارب المسافات ليصبحن أكثر تقارباً وربما انسجاماً. حقا هو إجراء قد يكون إيجابيا بين الجيران في حدود المعقول، لكنه لن يكون كذلك على المدى الطويل.
إن فكرة المكوث بالبيت في وقت الحجر الوقائي الصحي، ليست حالة معاناة وملل وشكوى من الضجر عند أصحاب العقول الممتلئة، فقد كان الوقت عندهم ثمينا للتفرغ لأعمال تمنوا التفرغ لها في سابق العهد، فالإنسان إذا ما تحرر عقله عن جسده المادي يصبح إنساناً متميزا بقراراته وإنجازاته وإدارة وقته وتفعيل عقله بالإيجابيات.
ما معنى العجز مع التقدم بالسن عند الإنسان؟ هو استسلام العقل لعملية حدوث الشيخوخة بالمعنى الرئيسي، أي هي عملية عقلية بالدرجة الأولى، تؤدي إلى عملية برمجة سلبية للعقل وحدوث تراكمات لها، تترك أثرها على الجينات، فيبدأ حينها الحطام الخلوي بالتراكم أيضاً مما يجعل الخلايا بطيئة، فيبدأ الجسم بالتراجع بكل أعماله الطبيعية نتيجة الترهل وضعف العضلات وضعف النظر وتهتلك المفاصل، ويبدأ الجهاز المناعي بالتدهور شيئا فشيئا إلى أن يحدث الموت.
هنا ما يؤكد أن الخوف من الفيروس والضجر والشكوى من المكوث في المنازل، إن هو إلا تخليق عقلي سلبي يأخذ صاحبه نحو التهلكة، والأمر الإيجابي أن الخلايا التي يدمرها عقل الإنسان، هي نفسها أيضا قابلة لأن تصحح ذاتها وتشفي نفسها، وتخرجها من تسارع الشيخوخة بأن تنجح بالتغلب على سلبيات تفكيرها، وعدم الاستسلام لحالة الضجر، وإيجاد وسائل تغني عن كل ما هو سلبي. وعقل الإنسان ليس بقاصر عن إيجاد وسائله المناسبة لطبيعته.
- لافتة: عود الند عدد خاص كورونا
◄ هيام ضمرة
▼ موضوعاتي