عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

زوليخا موساوي الأخضري - المغرب

أقراص الفيسبوك


هل أنا مدمنة؟ سؤال محيّر. فيسبوك وأرق. لم أكن أبدا أتجاوز العاشرة ليلا، أجلس بترف جميل في فراشي وأستمتع برواية أو شعر أو أضمومة قصصية. ثم بعد أن أشبع جوعي من متعتها، أغلق الكتاب، أطفئ النور وبمجرد ما أغمض عيني أذهب في سبات لذيذ.

لاحظوا أن كل حركاتي طبيعية، هادئة بل انسيابية. أتحرك بخفة، ذهني متوقد لكن في نفس الوقت في سلام مع نفسه ومع الكون وأنا في سلام مع سريري، اسلمه جسدي بكل اطمئنان، أنتشي في دفئه الحنون وأشم عطر الخزامى في الملاءات والمخدة. أجرّب حظّي مع طقس موت يومي مؤقت. إن عانقني الموت الأبدي أوصيكم خيرا بنصوصي اليتيمة.

أخرج من موتي المقسّط. أقف في الشرفة أستنشق هواء الفجر ملء رئتي. هذه ميزة أخرى من مزايا الكتاب، يجعلني أستيقظ في ساعات النهار الأولى مرتاحة البال، مستبشرة بالحياة.

الآن وبعد أن استبدلت سريري بطاولة الأكل في المطبخ، المكان الوحيد في البيت المسموح لي بالتدخين فيه، أصبحت معلقة على شاشة الحاسوب. أفرك عيني المتعبتين من كثرة التحديق كأن الحقيقة حول ماهية الوجود الإنساني ستقفز منه.

وبقدر تحديقي بقدر تعمق المتاهات. ما الذي يجري؟ هل الحياة دائما هكذا بهذه المتناقضات: براءة/خبث، سذاجة مكر، عنفوان تذلل، حب كره، صراحة كذب، صدق/خداع، تواضع/نرجسية، موهبة حقيقية/غرور تافه؟

أين كنت أعيش كي أكتشف هذا الآن فقط؟ هل فعلا الفيسبوك مجتمع مصغّر؟ ألا يعيد الناس عبر هذه الوسيلة التكنولوجية المتطورة إعادة إنتاج ما هو سائد؟ كيف يمكن جعل الفيسبوك أداة تدخل مجتمعاتنا في حقبة فعلا جديدة؟
هل أنا مدمنة؟

تسونامي صور .تعليقات. نصوص. أخبار تغرق طمأنينتي. أبحر فيها رغما عني ساعات وساعات. تتعتمّ الشاشة. تصبح الكلمات جيشا من النمل أمام عيني. أرفع بصري نحو النافذة. الليل يزحف عليّ وعلى المدينة. لم أنتبه للوقت.

هل أستطيع أن أترك الشاشة؟ هل أنا مدمنة؟

لم يكتب لي أحد. لماذا نسيني أصدقائي هذا اليوم؟ ألا أظهر لهم؟

على شفير اغتراب يتلظى داخلي، أمشي، أشاكس الوقت. أحاول أن أمزق الأقنعة التي تحيط بي فتنبت أذرعا على شاشة الحاسوب. تصعد. تمتدّ. أفعل كل ما بوسعي كي أنقذني منها. لكنها تهبط ظلال كآبة تدور حولي. تركض في دمي.

لا، لن أشغّل الحاسوب. سأصمد بضع ساعات أخرى. أدعه وحيدا في الغرفة المجاورة وأستلقي على الأريكة أخبئ وجهي في كتاب. هل غفوت؟ سأعدّ لي قهوة.

اللعنة على الحاسوب وعلى الفيسبوك. لم تمض سوى ساعة واحدة. أكاد أختنق. أهرع إليه. أشغله. تقفز أصابعي بخفة فوق أزراره. أوف أخيرا! انفتحت صفحتي. هل من جديد؟

أحدقّ بضع لحظات. الشاشة مليئة بالرموز. كتابة، صور، أغان، قرآن... ولا أثر لي. لا رسالة. لا لايك. لا تعليق.
خاوية على عروشها! فلنرحل يا قلبي!

هؤلاء الغرباء عنّي الذين أصبحوا أقرب إليّ مني يتفنّنون في تعذيبي. هل أهذي؟

هل أنا مدمنة؟

هل أخرج من المشهد؟ هل أعلن على الملأ فراري منّي؟

ظمآنة. ظمآنة أنا لهمسة تلملمني. لوردة حمراء تلتفّ حول روحي التائهة تكشف لي أسرار الموج وما يخبئه الكون من دوائر. قطعة من السماء ما أرى. تسخر من الصمت حولي، وما سنته لي من حواجز.
لماذا أبقيني عارضة على رصيف الانتظار؟ كيف لي أن أنفلت من قبضة السراب؟ والجدران الخشنة تترصّدني، بوقاحة تتفحصّني .

يعلن الحاسوب ثورته عليّ. يغلبني هذا المارد الجامد المنزلق من بين أصابعي كرذاذ الماء. يا للمجنون!

هل أنا مدمنة؟

D 25 شباط (فبراير) 2012     A زوليخا الأخضري     C 9 تعليقات

8 مشاركة منتدى

  • الأخت زليخة الأخضري الفاضلة : بادئ ذي بدء أهنأك على تطرّقك لموضوع صار شاغل العالم بأسلوب أدبّي شيق راق , لو قبلت صداقتي أنا هاوية لامحترفة أدب سأبعث لك نصا على بريدك الالكتروني لم ينشر في أي موقع الكتروني كتبته في بداية الألفيّة الثالثة عن الاحتلال التقني الغريب لانسانيّتنا ومشاعرنا , هو سلاح ذو حدّين فلولاه لما كنت أحاورك الآن , غالبا ماأجده سؤال عصّي الاجابة كحكاية البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة !! هل ياترى عندما صرنا بزمن الأنا ومن بعدي الطوفان ودينكم ديناركم لجأنا اليه؟؟ هل لأنّه رفيق مهذّب صامت لايملنا أو يناكفنا مهما فعلنا به ومعه؟؟ هل هو دواء الوحدة وغربة النفس؟؟
    قرأت مرّة عن احصائية مفادها انّ من مازالوا يعيشون حياة اسريّة مستقرّة سعيدة أبعد مايكونوا عن هذا الادمان لكن بنات صديقتي رغم توفّر كل وسائل العيش الكريم والحياة الأسريّة الدافئة مدمنات حاسوب ونت (ليتها وقفت على الفيس بوك!!) حتى انني مرة سألت كبراهن وهي جامعيّة في المرحلة الأولى تشاطرني أسرارها العاطفية الصغيرة , قلت لها : فلان زوج المستقبل ان شاء الله زميلك لماذا تعاتبيه وتغضبين منه وتصالحيه انترنيتيّا وليس وجها لوجه؟؟ خيّل لي انّه خفر الصبايا وماشابه لكنها قالت ببساطة: لا بس هيك لمّا ببهدلو بتعقيب مثلا على المسنجر كل من يعرف بريدي الالكتروني مثلك رح يقرأ ماكتبت هيك البهدلة جماعيّة!! منطق غريب من صبيّة غاية في الرقّة والجمال والحرص على مشاعر الآخرين..وماخفي كان أعظم من اندفاع الشباب بربيعهم العربي وخلّينا بنصّك بعيدا عن السياسة أحسن ههه
    يعطيك ألف عافية وبتمنى تكوني من ضمن مجموعة الأصدقاء والصديقات اللي تعرفت عليهم بعود الند ولاتخشي هجري فتواصلنا الالكتروني غير شكل بس المهم حينها مايزيد ادمانك !! مع التحية والاحترام


  • في البداية النص رائع ولا يصف حال الكاتبة فحسب بل حال الكثيرين منا. وهناك الكثير من النقاط السلبية للفيسبوك ولكن هذا لا يمنع من وجود قصص اخرى تبين ايجابية الفيسبوك. هو أداة وتختلف في استخدامها من شخص لآخر.

    بوجهة نظري، الفيسبوك اتاح للشباب مساحة من الحرية للتعبير عن شخصياتهم التي اما يتمنون ان يصبحوا عليها او التي يكبتونها في داخلهم ولا يظهرونها للخوف من المحيط الاجتماعي، ولذلك يعيشون في هذا العالم الافتراضي المسمى فيسبوك، وهو ما حاولت اظاهره في قصة عتم الليل التي نشرت في العدد 67 من عود الند.

    الاستاذة أمل النعيمي، هل لي ان أطلب منك ان ترسلي لي بحثك، أود الاطلاع عليه اذا تكرمت.

    سيبقى الفيسبوك موجودا ولكن علينا ان نتعلم كيفية التعايش معه.


    • الفاضل أحمد التميمي: الآن فقط قرأت طلبك بارسال البحث أستميحك عذرا لو تصوّرت انني تأخرّت أو تقاعست, البحث سيّدي لو كان بحوزتي لما بخلت به عليك به لكنني استعرته من اخصّائية في علم النفس في احدى المؤتمرات الطبيّة الّتي كنت أحضرها فمهنتي طبيبة بشرية والادب هواية أو هبة أنعم الله بها علي أتواصل بها ومن خلالها مع ذاتي ودواخل الأخريات والآخرين حين أجد الوقت والمزاج والأهم ما أظن انّه يستحق الكتابة عنه ولي بعض نصوص في عود الند لو رغبت الاطلاع عليها في الاعداد الثلاثينية وبعض الاعداد الأربعينيّة ولي نصّ لم ينشر هنا يتحدّث ضمنيّا عن غزو التقنيّات عالمنا بايجابياتها وسلبياتها عنوانه: حوار في رسالة اليه ثم استطرد : من امرأة في القرن العشرين الى رجل في القرن الحادي والعشرين كتبته بداية الألفيّة الثالثة حين قامت الدنيا ولم تقعد احتفالا بهذه التقنيّات ولا دري لو رغبت الاطلاع على النص كيفيّة ايصاله لك
      تأكّد أخي وصديقي في الانسانية انني لست ضد هذه التقتيات اطلاقا واتابع جديدها عن كثب لكن الشيء لو زاد عن حدّو انقلب ضدّو كما تقول الأمثال الشعبيّة والافراط لايسبب تخمة فقط بل ادمان وعاهات لاحصر لها برأيي المتواضع على الأقل
      الا يكفينا زخم الحياة المتسارع والعولمة وغير ذلك والتّي هددت ومازالت الروابط الانسانية والعلاقات الروحية بالانقراض؟
      هذا الافراط الذي يعلم الله فقط نهايته
      آخر نص نشر لي بعود الند: كلاسيكيّات مكتوب آي تي يختلف عن ادمان الفيس بوك لكن ربّما لو قرأته تجد فيه قواسم مشتركة فالأفكار تتوائم كما تعرف كتوارد الخواطر, شكرا لاهتمامك بقراءة تعقيبي مع التحية والاحترام

  • سامحك الله أخت زوليخا! ... من سمح لك التسلل إلى دواخلنا وكشف أسرارنا؟ ... توصيف رائع لحالتنا مهما ادعينا غير ذلك ... وخاصة في بدايات الإدمان أو عندما نترك والفيسبوك لوحدتنا!


  • هـل انا مدمنــة..أسأل نفسي هذا السؤال كل يوم..وفي آخر الليل حين آوي إلى فراشي..وأطفأ حاسوبي..
    جيب نفسي بالقول.. ربما كنت كذلك...لكنه إدمان ليس مضرااا كثيرا على الاقل بالنسبة إلي..
    انا مدمنة ..لكني من خلاله أكتشف الكثير من الأمور التي كانت غائبة عني..
    انا مدمنة..فأنا أعيد صقل شخصيتي بالتفاعل مع كل ما يحدث..
    انا مدمنة..لكني أجدد في نفسي أشياااء لم تخطر ببالي..
    انا مدمنة..لكني بالمقابل اتعرف على عالم كان بعيداا جداا عن متناولي..
    انا كنت اعايش كل شيء عبر الاستماع للاخبار ومشاهدة ما يحدث..لكني اليوم أصبحت أعيش مع كل شيء يحدث..
    أعايش اشخاصا يعيشون الفرح..وآخرين يعيشون الحزن..وأخرون ينجحون..وغيرهم يفشلون...و.و.و.و
    انا اعاود التصديق على انسانيتي ..حتى لو كان عالما افتراضيا.. نحن بايدينا ..بصدقنا بكل شيء فينا..نستطيع ان نجعله عالما حقيقياا...
    أبدعت بالوصف والله زوليخــا..


  • لاشارككم الراي في امر الادمان على الفيسبوك:
    ابني انا يملك حاسوبين اي شاشتين، يغرق بينهما حد الاذنين، يقضي لياليه بيضاء من غير نوم حد الفجر، ينام بعدها الى الظهر. حين يستيقظ يوقضهما يلقي السلام والامان عليهما، يرتشف قهوته وعيناه فيهما.. وهكذا هي ايامه عسى ان يحدث الله امرا، عزائي في ذلك ان تخصصه اعلام آلي. الى حينها ابني انا غير موجود ،فقد غرق لي في الحاسوب.
    شكرا اخت زوليخا على هذه الواقعية


  • بطلتك مقيدة و ليست مدمنة . حب الاخرين لها لها يساوي سلاماً نفسياً وعدم كبسهم الازرار للصق عبارات السؤال و الترحيب و الملاطفة يجعل صفحتها و روحها خاويتين . الكتاب ينادينا و اما الفيس بوك فيهرب منا و عادة الانسان ان يتمسك بكل ما يهرب منه . و يطالبه بالمزيد من الحب و الحنان و الفيس بوك


  • وصف واقعي شيق ورائع للادمان" السيبيري " !


  • أبدعت وأحسنت الوصف. كأنك تعبرين عما في داخلنا. هذا الفيسبوك فيما له وما عليه بات حقيقة في علم الحياة الاجتماعية

    نعم هو الادمان. لذلك أنا الآن في مرحلة الشفاء منه ... العملية الجراحية ... البتر. أريد فترة أرجع بها لنفسي بدل التعلق بالاخرين. فتكون النهاية مني وبيدي و على نظرية حسن الخاتمة، بدل أن تكون منهم أو يكون الخروج من الباب الضيق


في العدد نفسه

عن مبدع الغلاف

كلمة العدد 69: عن الانتماء لقيم

المشهد النقدي في الجزائر قبل الاستقلال

أبعاد التصوف

حوار مع الناقد عبد الله الفيفي