عبد السلام بحاج - المغرب
عبادة الربة أفريكا في الحقبة الرومانية
تعتبر الربة أفريكا (Africa) ربة محلية، نبعت من الأرض الأفريقية، ويدل على وجودها عدة آثار مادية، منها تمثال يجسد هذه الربة في مسرح قيصرية عاصمة الملك يوبا الثاني[1]. فهل يعبر وجود هذا التمثال عن دور هذه المعبودة كحامية للمدينة، أم أن الأمر يتعلق فقط، برغبة الملك يوبا الثاني في ربط ملكه بالجذور الأفريقية العريقة؟
في أصول الربة
تم العثور في مدينة قيصرية (شرشال) بالجزائر الحالية، على تمثال يجسد امرأة متوجة برأس دلفين، في الحامات سنة 1888. ولتمثال هذه الربة ملامح أفريقية، رغم أن الباحث ماريتز يقول إنه لا يوجد دليل إبيغرافي يصرح باسم الربة أفريكا[2].
ويورد المؤرخ اللاتيني بلينيوس الشيخ نصا جاء فيه أنه في المقاطعة الأفريقية لا يقدم أحد على فعل شيء حتى يتضرع مسبقا للربة أفريكا [3]، فهل يدل هذا على أن عبادة هذه الربة كانت عبادة شعبية في المناطق الأفريقية.
مقارنة الربة أفريكا بمعبودات أخرى
تتماثل هذه المعبودة مع ربات ذات طابع محلي، كالربة مورا (Maura) لامتلاكهما نفس المميزات والخصائص، كما تدل ذلك نقيشة موقع ألبوليي ونقيشة موقع صالدي التي تنعتها بألما [4] رغم أن ماريتز يرى أن مورا هو نعت أو صفة لربة وليس اسما لها. وتتساءل الباحثة حمدون عن مدى مطابقة هذه المعبودة مع الربة (Patria) خصوصا عندما تقدم الإهداءات من أجل سلامة الإمبراطور [5]. وتتطابق أيضا مع الربة كايلستيس، وهي تظهر في صورة امرأة تحمل قرن الخصب ويرافقها أسد.
تقترن أفريكا في معبد تيمكاد بالرب (Sarapis)، خصوصا في الحقبة السفيرية وفي التقدمات المكرسة من أجل سلامة الإمبراطور كركلا[6]، حيث تم العثور على رجل للرب ساربيس في نفس المعبد وبجانب المقدس المركزي المقام للربة أفريكا.
تتمتع الربة أفريكا بوظائف عدة، منها حامية البيوت، ولها وظيفة زراعية، فهي تظهر من خلال التمثال البرونزي لموقع لامبيز العسكري[7] بحضور قرن الخصب وبروز الثديين ما يعطي لها صفات ربة مغذية.
ويدل قربان الثور المقدم لها بموقع تيمكاد على وظيفة الخصوبة والإخصاب الذي تتمتع به هذه الربة، لأنه كما معلوم فإن الثور يقدم كقربان لربات الخصوبة الزراعية، أو يعتبر من خصائصها المميزة كما الحال بالنسبة للربتين سبيل وكايلستيس. ويرافق الربة أفريكا في الحامات، جنوب تيمكاد، أسد جاثم على ركبتيه، وهي تحمل بيدها قرن الخصب.
الانتشار الجغرافي للربة أفريكا
عرفت الربة أفريكا انتشارا متفرقا، يشمل شمال أفريكا القديم، كما تدل على ذلك الإشارات الإبيغرافية. وتظهر الربة أفريكا على فسيفساء منزل تسدروس بملامح أفريقية، ومثلت على زوايا اللافتة الفصول الأربعة. وفي نفس الموقع تظهر هذه المعبودة أيضا على صحن كبير بشكل نصفي وبملامح الجني[8]. وعثر الباحث توفنو في موقع وليلي على تمثال نصفي من البرونز لربة سنة 1946، وقام بمماثلته بالربة إيزيس، لكن الباحث لوغلاي قام بمطابقته بالربة أفريكا[9].
وعثر أيضا على رأس صغير للربة أفريكا في موقع شرشال [10]، وتمثال من البرونز في موقع لامبيز وتمثال نصفي في موقع تاموغادي، حيث توجد هذه الربة إلى جانب الربين ساربيس وإسكولابيوس في أكبر معبد في المنطقة [11]. بني معبد لهذه الربة سنة 213 م على بعد 300 متر جنوب تاموغادي، وتبلغ مساحته 6952 مترا مربعا. وهذا المعبد ذو المقادس الثلاثة والمسبح والقاعات المخصصة للاستقبال والراحة، هو أولا وقبل كل معبد شعبي للسياحة الدينية.
= = =
الهوامش
.
[1] Hamdoune Christine, La Dea Africa et le culte impérial, in Lieux de cultes, aures votives, temples, églises,mosqués, IXème colloque international sur l’histoire etl’archéologie de l’Afrique du Nord antique et médiéval ‘ Tripoli 19 -25 Février 2005), éditeurs du centre nationale de la recherche scientifique, Paris,2008,p.152.
[2] Maritz.J.A, Dea Africa, Examining the evidence, in classical Antiquity, vol 15, 2006, p.102.
[3] Pline L’ancien, Histoire Naturelle, XXVIII,24.
[4] Albulae, CIL,VIII,21665 ;Saladae, AE,1928,38.
[5] AE, 1987,1078 ; Hamdoune,La Dea..op.cit, p. 160.
[6] Le Glay, Un Pied de SARAPIS à Timgad en Numidie, in Hommages à Maarten Jozef Varmasern, Margreet de Boer.T.A.Edridge,1978, p.583.
[7] Le Glay, Encore la dea Africa, dans Mélanges Piganol, Paris, 1966, p.1235.
[8] Salomonson J.W, Un plat en terre cuite trouvé à EL Djem, pièce d’importation ou produit local ?,CT,45-46, 1964,pp.127-128.
[9] Le Glay, Un centre de syncrétisme en Afrique ; Thamugadi de Numidie, dans l’Africa romana, IX (Nuoro), 1991, Sassari, p. 71.
[10] Le Glay, Encore la dea Africa …op.cit, p.1234.
[11] Laporte Jean Pierre, Isiaca d’Algérie ( Maurétanie, Numidie et Partie de la Proconsulaire ), in Isis en Occident, actes du IIème colloque international sur les études Isiaques, Lyon III, 16 -17 Mai 2002.édité par Bricault Laurent, Brill, Paris, p.253.
◄ عبد السلام بحاج
▼ موضوعاتي