عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

فداء أبو مريم - فلسطين

في الحرب


فداء أبو مريمفي الحرب

سألوني ما اسمك؟ قلت نسيته بين ذراعي أبي. فتشوا عن ملامح وجهي حتى وجدوها في صدر أمي. تحسست جسدي. كان ظلاً لطفل يبكي وفي يده قطعة خبز، آخر ما تبقى من أمه التي ذهبت تبحث عن بقاياها، فصارت رماداً والطفل لا زال يبكي في جسدي.

في الحرب

قشرنا القلق كتفاحة عفنة نسد جوع أرواحنا، وأكلنا الوهم وجبات دون أن نشبع. التهمنا بقايا الخيبات فأتخمتنا.

في الحرب

غرسنا الورد في ضلوعنا كي لا يموت فنمت حدائق في أجسادنا. للحرب حكايات كثيرة عن النجاة والحياة ترويها الجدات كلما جدلن الوقت ضفائر انسدلت على أكتافهن، ففي الحرب حكاية واحدة هي الموت. يهرب الجميع حينما تُروى؛ يطحنون الألم فيتطاير وجعاً ويتساقط دموعاً.

الحرب ليست حكاية واقعية، وكذلك نعتبرها استثنائية رغم أننا لم نخرج من الحرب، لقد كنا نخرج إليها. تقاسمنا بقايانا كي نقوى على المشي نحو مكان آمن، وعجزنا عن سماع الموسيقى، فصوت وداع الشهداء الموسيقى الثابتة لضحايا الحرب.

صعدنا نحو السماء بسرعة البرق كي نطل على البلاد.

لم يكن يوماً الخروج من الحرب فسحة. لقد كانت محاولات: محاولات أن تتنفس رائحة غير الغبار والتراب والدم. لن تجد ياسمين أو بقايا عطر قديم في ثيابك. ستنفض كل ذلك مع الغبار الذي صبغ لون روحك والثياب.

لم نخرج يوماً من الحرب إذ أننا انشغلنا بغسل بقايا الدم عن جدران الذاكرة بالدم ودموع الملوحات بأيديهن بالسلام على من تزفهم الأكتاف. انشغلت النساء بترقيع قلوبهن الممزقة، فيما انشغلت الجدات بالحكايات عن ذكريات السلم وهن يرّتبن أضلاع الأطفال بعد أن اقتلعهن الخوف.

في الحرب تجرب كل أنواع الخوف، ويبقى دائماً خوف لم نجربه بعد.

لم نخرج يوماً من الحرب الوحيدة والواحدة مع ذكرياتنا التي قضمت أجزاءنا وبقينا ظلا لأشلاء متناثرة على جدران هذه المدينة المليئة بتناقضات الحياة والموت.

D 1 حزيران (يونيو) 2021     A فداء أبو مريم     C 0 تعليقات