عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: غالب هلسا - الأردن

فلسفة الواقعية الجديدة في الأدب العربي


الموضوع أدناه مقتطف من مقالة عنوانها "فلسفة الواقعية الجديدة في الأدب العربي"، نشرت في مجلة "الآداب" في عدد ممتاز خاص بالاتجاهات الفلسفية في الأدب المعاصر. العدد 3: آذار (مارس) 1972، ص ص 42-43.

غالب هلسانقل لنا يوسف إدريس جو الريف المصري بصدق وإخلاص، ومن الداخل، فلم يحاول إضجارنا بالوصف التفصيلي الخارجي الذي يراد به تصوير الغرابة والطرافة.

كما قدم لنا أحلام شبان المدن وكفاح مثقفيها، ومشكلات الموظف الصغير والعامل والمخبر والعسكري. كما صور لنا لوحات حية من أعماق المدينة الدنيا.

إلا أن ما يصدم القارئ في هذا الفنان الجيد هو محاولته الصريحة للتعالي على القارئ وعلى الشخصيات التي يخلقها.

يبدأ في العادة في عرض مختلف المواقف بواقعية ساذجة وفهم سطحي شائع: قاطع الطريق الرجل العملاق الضخم الذي ليس في نفسه أي مجال للخوف أو الحب أو الدين. العسكري الذي يعذب المساجين السياسيين، قويا، بارعا، مفتول العضلات إذ كان الباشا "يعتبره نموذجا للرجل الكامل، وكثيرا ما كان يأمر بإحضاره أمام ضيوفه في الصالون، والأجانب منهم خاصة، ليفرّجهم عليه ويجعله يقف يستعرض عضلاته أمامهم، فخور به باعتباره اكتشافه الخاص، ويقولون إن السيدات كنّ يتأوهن لمرآه".

وضابط البوليس فرحات القاسي المخيف. ضريح الولي الدلالة القاطعة على سيادة الخرافة وانتشارها. والموظف الذي يعتقد أن خير وسيلة للمحافظة على زوجته من عيون الذئاب هي وضع ستارة على البلكونة. والمخبر بصورته الشائعة، والقاضي المتزن الذي يدعوه واجبه أن يفصل في خلافات الناس، الخ.

إلا أن الكاتب يفاجئنا في كل مرة باعتزاز وتعال بأننا كنا مخطئين في تصورنا، وأننا لا نرى من الأمور إلا ظاهرها وما هو سطحي، فالإنسان ليس هو الذي نراه فيه وإنما هو حقيقته الاجتماعية كوضع وموقف.

يوسف إدريسلذا نرى كل شخصية وكل موقف يتحولان إلى ضدهما، فالسفاح قاطع الطريق يتحول إلى إنسان ضئيل الجسد، متلفع في ثياب امرأة، يبكي لأن زوجته لا تكترث به، قد دفعته ظروف لا فكاك منها ولا حيلة له فيها إلى الجريمة.

والعسكري الأسود المشهور نجده شخصا مهدما، في حالة انهيار تام، غير قادر أن يضاجع زوجته، وقد بلغ به الأمر أن يتحول إلى شبه حيوان. أما ضابط البوليس فرحات فيتكشف لنا عن إنسان يجسد أحلام الشعب في اشتراكية طوباوية، وعن شخص ارتفع إلى صفاء الحلم وسذاجته.

ويتحول ضريح المولى إلى رمز على بطولة الشعب وتضامنه في الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي. كما تصبح الستارة التي تغطي البلكونة وتحجب الزوجة عن العيون التي تحاول اجتذابها الوسيلة المضمونة التي تستطيع من خلالها أن تتبادل العلاقة مع الآخرين.

أما المخبر فيتحول إلى طفل ساذج يسرق شيكا بدون رصيد ويحتفظ به. والقاضي الوقور يتحول إلى مراهق يلجأ إلى أساليب المراهقين ليتأكد من حب خادمته له، ثم يتحول في النهاية إلى أرسين لوبين أبله.

وبكلمة أخرى، إننا نرى الإنسان يتحول إلى قضية. إن قشرته الخارجية التي يختبئ في داخلها تنزع عنه ويقدم إلينا جوهره: الإنسان في وضع معين، وحقيقته هي الحقيقة العميقة لهذا الوضع. ولذا يتكشف لدينا الإنسان العادي عن صفات الفروسية، والشهامة والطيبة والأحلام الكبيرة التي لم نستطع تبينها للوهلة الأولى.

كما أننا نلاحظ فقدان الموقف المضحك في قصص يوسف إدريس، وتتركز الفكاهة عنده في السخرية من أشخاصه. والجانب المضحك فيهم هو بسبب عدم مباشرتهم الحياة بمفهومها البرجوازي الصغير، فالداية مضحكة لأنها تنفخ دخان سيجارتها من أنفها. والنشالة مضحكة لأنها تسمي قلم "الباركر" البالكز، وهكذا، أو بكلمة أخرى إن الشخصية تصبح مضحكة لأنها تختلف عنا.

إننا نخرج من هذه النظرة السريعة لإنتاج يوسف إدريس بثلاث نتائج:

الأولى: تكرار الموضوع، وتكرار أسلوب معالجته. وهذا يعني ثبات مفهوم الكاتب للفن.

الثانية: تعالي الكاتب على شخصياته، وعلى القارئ وإخضاعهم لموقفه.

الثالثة: هو اعتقاد الكاتب بأن الإرادة الإنسانية الواعية تلجأ للتزييف، وأن حقيقة الإنسان تكتشف من خلال سلوكه التلقائي.

إن هذه ليست أخطاء يوسف إدريس وحده، ولكنها أخطاء المدرسة كلها التي جعلتها عاجزة عن مواصلة بداياتها المجيدة. وهذه كلها تعود إلى أسباب سياسية واجتماعية على المستويين المحلي والعالمي.

= = =

للاطلاع على النص الكامل للمقالة، استخدم/ي أحد الرابطين أدناه.

أرشيف المجلات العربية

https://archive.alsharekh.org/Articles/255/20147/455751

أرشيف مجلة "الآداب".

https://al-adab.com/sites/default/files/aladab_1962_v10_03_0042_0046.pdf

D 1 أيلول (سبتمبر) 2021     A غالب هلسا: مقتطفات     C 0 تعليقات