عبد السلام بحاج - المغرب
الماء أمان: عرض كتاب
استأثر الماء كمادة حيوية، واهبة للحياة ولاستمراريتها، وكمصدر للخصب والإخصاب، بانشغالات الإنسان الإفريقي خلال الحقبة الرومانية. ويظهر ذلك جليا، من خلال مجموعة من المعبودات، التي تؤمّن له استمرار وجود هذه المادة، وتجنبه مخاطر الجفاف وشح المطر، وانتشار المجاعات. لذلك، قدمت لها القرابين الحيوانية والنباتية، قرب العيون والمنابع والآبار ومجاري المياه. وبنى لها المعابد والمباني، التي تقام فيها طقوس هذه العبادة، وطلب الصحة والاستشفاء والسياحة والاستجمام.
وسنحاول التعرف على كل هذا في كتاب "الماء في المغرب القديم؛ بين المقدس والمدنس"[1] للأستاذ والمؤرخ عبد العزيز بلفايدة المتخصص في العبادات القديمة بشمال إفريقيا، وهو مؤلف مدوّن باللغة الفرنسية، وصادر عن مطبعة الرباط نت سنة 2011. قدمت له الباحثة الجزائرية نصيرة بن الصديق، وهي صاحبة أطروحة حول الرب إسكولابيوس الإفريقي.
يتألف الكتاب من مقدمة وجزئيين وخاتمة عامة. يهتم الجزء الأول بموضوع الماء وعلاقته بالمقدس. بينما حاول الجزء الثاني معالجة سياسة تدبير الماء في الحقبة الرومانية. كما تم تذييل الكتاب بملاحق ضمت ثلاثا وعشرين لوحة، تخلد معبودات الماء في بلاد الغرب القديم، وتوزعت بين الفسيفساء والنحت والتماثيل والقناديل الزيتية.
اعتمد المؤلف على ببلوغرافيا متخصصة تتكون من أمهات المصادر الأثرية اللاتينية، وكذلك مجوعة من المصادر الأدبية الكلاسيكية المحلية والأجنبية، بالإضافة لعدد هام من المؤلفات والمقالات المتخصصة في الموضوع محلية وأجنبية.
استهل الباحث الجزء الأول من كتابه بدراسة المعبود المائي الذكوري نبتون، الذي يترأس الأنهار والعيون والمياه الجارية (ص 22)؛ وهو رب للاستشفاء والصحة والزراعة (ص 25). تمت عبادته في مناطق متعددة من البلاد المغاربية: في الداخل وعلى المناطق الساحلية. تناول المؤلف أصول نبتون الليبية والرومانية، لأن الرومان أثناء احتلالهم للمنطقة كانوا في حاجة لمعبود مائي، يحتمون به، أو يخفون سياستهم وراءه، أثناء بناء المنشئات المائية، فالحاجة أصل العبادة كما يقول بول فين.
وتطرق المؤلف أيضا لأتباع نبتون ولأشكال تصوره وتمثله. وتناول بالدراسة المعبودات المائية الأنثوية (الحوريات) التي تعد تجسيدا لعيون الماء والجبال والغابات، وهي تختزن القوى المنتجة للأرض والتوالد عند الإنسان، وتظهر غالبا في صور إنسانية (ص 42). وتمثل على الفسيفساء في الحمامات العمومية والخاصة (ص 49).
وتطرق الباحث بالدراسة والتحليل لمعبودات موضعية ثانوية، وهي امتداد لتصورات عقائدية بدائية عند الإنسان، كعيون الماء والآبار والأنهار، وهي تجسد غالبا في فكرة جني الماء، الحامي للنبع من الجفاف، والساهر على ديمومة عطاءه، والحامي للإنسان أثناء تعامله مع مصادر المياه، فهو جني المكان (ص 51)، المالك للمكان، أو كما يصطلح عليه في ثقافتنا الشعبية بـ "مول المكان" أو "موالين المكان" بصيغة الجمع للدلالة على وجود حماة متعددين للمكان.
وتم التخليد لجنّي المنابع في مناطق متعددة من شمال إفريقيا (ص 53-56). كما تم تقديس المطر وتأليهه تحت مسمى الرب "أنزار"، وتقدم له خطيبة أو عروس"تسليت أونزار"، لكونه مصدر للحياة وللموت أيضا يجب اتقاء شره، وهي عادة تمارس إلى عهد قريب في المغرب عند انحباس المطر.
وتناول الباحث أيضا بعض المعبودات التي لها علاقة غير مباشرة بالماء كالربين مركوريوس وكايلستيس (ص 69-72)، وبعض رموز الاستمرارية والامتداد لعبادة الماء، إلى يومنا هذا، وإن في حلل جديدة (ص 93-100).
تحول المعبود الوثني الخاص بالماء، في ظل الإسلام إلى "ولي صالح" له بركاته وقدراته الخارقة التي تتحكم في وظائف الماء الاخصابية والاستشفائية. وتقدم لها القرابين الحيوانية والنباتية من أجل الحصول على "بركة" الخصب والزواج وزيادة النسل والحماية.
وفي الأخير درس المؤلف مسألة تدبير الماء خلال الحقبة الرومانية بالمنطقة من خلال التطرق لتقنيات التزود بالماء للشرب والري والأموال المرصودة لذلك، سواء من الخزينة العمومية أو من التبرع والإحسان، وكذلك القوانين المنظمة لتدبير وتوزيع الماء (ص 103-126).
= = =
[1] Belfaida Abdelaziz, L’eau au Maghreb antique ; entre le sacré et le profane, Rabat, 2011.
◄ عبد السلام بحاج
▼ موضوعاتي