كلمة العدد الفصلي 22: حرية المطالبة بمصادرة الحرية
من الظواهر المؤسفة في العالم العربي أن فكرة الحرية وممارستها تثير قلق الكثيرين من منطلقات مختلفة، فهناك من يريد حياة تسير حسب فهم ضيق للدين، وهناك من يستكثر على الشعب أن يحكم نفسه من خلال نواب ينتخبهم في انتخابات دورية.
ونظرا لأن المجتمعات العربية غير معتادة على الحوار الاجتماعي الذي لا موعد محددا له، نجد أنه عندما يبدأ نقاش حول قضية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، تعلو الأصوات التي تطالب بوقف النقاش.
من غير الواقعي أن تتوقع كمواطن في دولة عربية أداء رائعا من حكومة أو برلمان أو وزير أو مسؤول ما في ظل نظام يعيش على تأليه الحاكم، ودورك كمواطن الإشادة بحكمته في إدارة شؤون البلاد. وعندما يكون واضحا وضوح الشمس أن الأمور لا تدار كما ينبغي لها، تكثر الأعذار، وتسمع من المبررين أن هذه الأمور تحصل في الدول المتقدمة.
توجد أيضا ظاهرة ادعاء الكثيرين أنهم ذوو عقلية مستنيرة، لذا تراهم قلقين على نمط الحياة في أفغانستان بعد استعادة حركة طالبان السيطرة على أفغانستان أكثر من قلقهم على الأوضاع الاقتصادية الصعبة في بلادهم والحريات المصادرة فيها. يكثر الحديث دائما عن أوضاع بلد آخر، بحيث يصبح الجميع خبراء في شؤون الدول الأخرى. أما الحديث عما يجري في بلدك، فيعرضك للاعتقال.
ومن القضايا التي تكثر الإشارة إليها في الدول العربية دور المثقف. كل من يصنف نفسه ضمن هذه الفئة تجده متحمسا لفكرة أن للمثقف دورا مميزا في المجتمع. ولكن الأحداث التي شهدتها الدول العربية منذ 2010 تحديدا تظهر أن أقلية من المثقفين يتمسكون بالتفكير النقدي المستقل. عندما يحرك المثقف حدث سلبي واحد، ويكون صامتا تجاه نهج مدمر، يحق للإنسان أن يتساءل: كيف يهتم المثقف بمسألة جزئية، ويتجاهل الوضع العام السيء؟
هل اعتقال مثقف لمشاركته في مظاهرة مثلا يختلف عن اعتقال مواطن عادي فعل الشيء نفسه؟ الحرية يجب أن تكون للجميع. عندما يتم التعامل مع أفراد المجتمع على أساس فئات لها خصوصيات، تكون هناك مشكلة في النظرة إلى المجتمع وضرورة تمتع كل أفراده بحقوق وواجبات متساوية.
صورة الأوضاع في الدول العربية محبطة، ويفاقم الإحباط أن الأمل بالتغيير ضعيف جدا، وليس من الواقعية أن يشعر الإنسان بتفاؤل تجاه قرب تحسنها ولو ببطء.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
1 مشاركة منتدى
تحياتي وتقديري لاستاذي وصديقي. من الملاحظ أيضا حالات هروب مختلفة بدلا من الاعتراف بوجود مشكلة ثم التفكير في حلها.بحيث اصبح الهروب من المناقشة او من المواجهة او من اتخاذ خطوات عملية هومن الاولويات. ويتخذ الهروب وجوها عديدة منها الادمان على الارجيلة لدى فئات واسعة من المجتمع العربي أو تجاهل مايحدث او خلق عالم افتراضي وعندما يريدون اعطاء رأيهم يتجهون كما قلت الى قضايا خارجية.الله المستعان.