مختارات: Len Ortzen
مختارات: كتاب عرب في الأدب الفرنسي
كتاب عرب في الأدب الفرنسي
لن أورتزن
Len Ortzen
أصوات
مجلة ثقافية تصدر أربع مرات في السنة
العدد الأول 1961 السنة الأولى
رئيس التحرير: دنيس جونسون-ديفيز
ومن أدباء هذا الجيل الجديد مالك حداد الذي أصدر رواية التلميذ والدرس" التي تعتبر مرحلة متقدمة في طريق نموه الأدبي.
ولد حداد في قسنطينة، وقضى في فرنسا سبع سنوات من عمره البالع 33 سنة. وبعد أن درس القانون في جامعة ايكس-ان-بروفانس في جنوب فرنسا عاد إلى الجزائر حيث أصدر مجلة "التقدم" الأدبية.
ومنذ عام 1955 استقر في باريس حيث بدأ نشاطه الأدبي بديوان شعر رحبت به الدوائر الأدبية الأوروبية أجمل ترحيب. وفي روايات حداد نلمس صنعة الشاعر الفنية وقدرة الراوي الذي يجمع في أسلوبه بين الصورة الشعرية والعبارة الفلسفية.
وروايتاه الأوليان هما تجربة جديدة في الشكل، كما أنهما تتميزان بالجدة في الموضوع. ولعل ما يهز مشاعر قارئ هاتين الروايتين هو حزن المؤلف أكثر من بؤس وشقاء الشخصيات. ولهذا تبدو الحكاية والشخصية والأحداث باهتة بجانب هذا التيار المتدفق من الأسلوب الفني والعبارة الأنيقة. وهكذا يغلب على هذين العملين المذهب الانطباعي في لمعان وبريق الصحراء وفي تفاؤل مرير — على حد قول الفنان نفسه:
"لا أظن أن في سلوكنا مثل الآخرين ما يبعث على الشعور بالخجل والضعة، ذلك لأن الآخرين أيضا لا يمكنهم أن يسلكوا سلوكنا، ولا يمكنك في هذه الأيام أن تكون فريدا إلا إذا غنيت في مجموعة حتى يسمع صوتك".
وفي روايته "التلميذ والدرس" اهتم حداد اهتماما خاصا بالحوادث والعقدة، بينما اتخذ لحكايته الشكل الفني الشائع. ففي هذه القصة نجد طبيبا عربيا في جنوب فرنسا يستعيد أحداث ماضيه في ليلة لم يجد فيها إلى النوم سبيلا، وكان سبب هذا الأرق وتدفق هذه الذكريات أن صديقا عزيزا يعمل جراحا —وكان موضع حبه وإعجابه— بلغه أنه يحتضر. وكانت معه في الغرفة ابنته فضيلة تطلب منه أن يجهضها وأن يخفي حبيبها وهو مجاهد عربي يبحث عنه البوليس. ويرفض الطبيب أن يساعد هذه الابنة المنكوبة، فليس في ماضيه التافه ما يدفع الآن إلى ذلك. ولكنه يوافق أخيرا عندما يعرف أن صديقه المحتضر كان يخفي هذا المجاهد في داره.
وقد عالج حداد في قصصه —مثل مولود معمري— هذه الهوة التي تفصل الجيلين، ولكن على نحو أعمق. فالابنة فضيلة تصبغ أظافرها، وتدخن، وتستخدم في حديثها الكلمات الفرنسية عندما تتحدث عن مشكلات العالم العربي، وهي تنظف أسنانها بالمعجون بدلا من السواك حتى أن أباها يعلق على هذا كله في كلمات ساخرة:
"أحمد الله أن مات أبي قبل أن يراك في هذا الحال. إني أذكر كيف صُدم عندما شاهدني يوما أركب دراجة وأنا أرتدي بنطلونا قصيرا. ولا يزال الكبار في قريتي يتحدثون عن هذا الابن الذي كان يدرس الطب في باريس ويرتدي ملابس الأطفال رغم أنه كان كبيرا يحلق ذقنه وكان في سن تؤهله للزواج. ولم ينس والدي هذا الحادث أبدا ولم يغفر لي هذا السلوك، وكان يذكرني به عندما كنت أذهب لزيارته كل عام".
ويمتاز أسلوب حداد في هذه الرواية، كما هو في كل رواياته، بالحدة والتدفق. غير أنه يؤخذ على هذه الرواية إصرار المؤلف على أن يتدخل دائما بين القارئ وبين شخصياتها. فهو يغفل أن قيمة القصة وما تقدمه من متعة فنية تعتمد على حركة الشخصيات وحياتها لا على أفكار المؤلف التي يسجلها في شكل تقريري في ثنايا الرواية.
وفي هذه الرواية يقف حداد في صراع مع المدنية الحديثة التي تفتقر، كما يقول، إلى مجد الله وعظمته. ويقول حداد على لسان الطبيب:
أنا لا أقيم وزنا للعلم أو للصنعة الفنية ما لم أجد فيها حياة وروحا، وليست الروح بحاجة إلى مصعد آلي لتصل به إلى الجحيم أو الفردوس. وإذا سمحنا لهذا العلم الثلجي البارد أن يستمر ويتقدم في طريقه هذه فلن يبعد ذلك اليوم الذي نضع فيه قطعة نقود في آلة ما لنستمع إلى صلاة الجمعة ثم نقول ها قد ذهبنا إلى الجامع وصلينا . . . أو تتمكن آلة أخرى من إجراء عملية جراحية كما يفعل صديقي الجراح. ولكن هذه الآلة لن تقدر أن تحمل لي ابتسامة صديقي — تلك البسمة الإلهية الرائعة".
وتسود مثل هذه الأحاسيس والمشاعر والانفعالات أعمال الأدباء من جيل مالك حداد، وبخاصة أعمال ادريس شرايبي وهو مغربي يقارب عمره عمر حداد. وقد بدأ شرايبي نشاطه الأدبي بإصدار روايتين، ولكنه تحول إلى كتابة القصة القصيرة، وهي الشكل التعبيري الذي يتفق مع طبيعته ومزاجه الأدبي.
= =
ص 81-82
https://archive.alsharekh.org/MagazinePages/MagazineBook/Aswat/Aswat_1961/Issue_1/index.html
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي