عدلي الهواري
كلمة العدد الفصلي 27: الموارد الرقمية بين المكتبات والمواقع المفتوحة: مقارنة
عبرت أكثر من مرة في افتتاحيات سابقة عن رأيي في مسألة المفاضلة بين النسخ الورقية من الكتب والمجلات والصحف وغير ذلك من مراجع والنسخ الرقمية منها، وكان رأيي ولا يزال أن للنسخ الرقمية ميزات تجعلها تتفوق على الورقية. الأسباب بإيجاز: التكاليف، وسرعة وسهولة إيصال المادة الرقمية إلى المهتمين بها، مما يؤدي إلى المساهمة في انتشار المعرفة في قطاعات أوسع من المجتمع، ومختلف المناطق في البلد الواحد والعالم بأسره.
سأعقد في هذه الكلمة مقارنة بين استخدام مواد رقمية متوفرة فقط من خلال مكتبة عامة أو جامعية، وأخرى متوفرة في مواقع أرشيفية مفتوحة مثل archive.org. المقارنة معتمدة على تجربة شخصية تمت في الآونة الأخيرة.
كنت أبحث عن نسخ رقمية من بعض الصحف العربية الصادرة في الثمانينيات. وقد قادني البحث إلى وجود بعضها على ميكروفيلم في المكتبة البريطانية، لندن. كذلك قادني البحث إلى نسخ متوفرة في موقع archive.org.
طلبت من خلال موقع المكتبة البريطانية معاينة ميكروفيلم حفظ عليه أعداد صحيفة من العام الذي أريد، ولكن دخول قاعات المطالعة مشروط بحيازة بطاقة عضوية في المكتبة سارية المفعول. ولذا، قبل الصعود إلى قاعة المطالعة، كان عليّ أن أجدد بطاقة العضوية، التي تأخرت في تجديدها بعدما اجتاح وباء كورونا العالم، وفرض إغلاقات تفاوتت في درجة شدتها. تجديد البطاقة تم بعد أن كنت حجزت موعدا لذلك، وأحضرت معي الوثائق المطلوبة التي تثبت الهوية ومكان الإقامة.
صعدت إلى قاعة المطالعة التي حددتها لمعاينة الميكروفيلم الذي طلبت استخدامه مقدما. كان في انتظاري ثمانية صناديق في كل واحد منها ميكروفيلم.
الميكروفيلم وسيلة حفظ نسخ ورقية من الصحف تحديدا، وسبقت عصر الكمبيوتر بكثير. معاينته تحتاج إلى جهاز خاص. ذهبت إلى جهاز المعاينة، لكن كان ما أرى مقلوبا، وجربت أكثر من مرة أن أراه بشكل مقروء فلم تفلح محاولاتي. طلبت المساعدة من إحدى العاملات في المكتبة فقالت إن هناك أجهزة مشاهدة أحدث من التي استخدمت، ويمكن فيها قلب الصور، لكنها موجود في قاعة أخرى، واقترحت عليّ أن أطلب نقل الميكروفيلم إلى قاعة ثانية فيها الجهاز الحديث.
ذهبت إلى القاعة الأخرى وساعدتني هناك موظفة على استخدام الجهاز الأحدث، وعاينت الميكروفيلم الذي أريد. وأعدت تسليمه إلى المكتبة، وعدت إلى بيتي.
كما ذكرت في البداية، البحث عن نسخ رقمية من صحف عربية صدرت في الثمانينيات قادني أيضا إلى وجود نسخ في موقع archive.org. وقد حمّلت بعض النسخ على حاسوبي. ترى أي الخيارين يتفوق على الآخر؟ يتفوق الخيار الثاني على الأول للأسباب التالية.
أولا: خيار المكتبة
استغرقت الرحلة بين البيت والمكتبة ساعتين تقريبا في كل اتجاه. هذا يعني أربع ساعات من الجلوس في وسيلة المواصلات دون فعل شيء. كذلك، كان يجب عليّ أن أطلب مسبقا المواد التي أريد الاطلاع عليها، ولذا كحد أدنى تحتاج أن تحجز المادة قبل يوم من الذهاب إلى المكتبة. بعض المراجع يحتاج ثلاثة أيام. إضافة إلى ذلك، دخول المكتبة يحتاج إلى بطاقة عضوية تبرزها عند دخول صالة المطالعة، وقبل الدخول عليك ترك المعاطف والحقائب في خزانات صغيرة متوفرة مجانا للمشتركين في المكتبة، وعليك استخدام كيس بلاستيكي شفاف تحمل فيه ما يلزمك للاستخدام أثناء وجودك في قاعة المطالعة. وبعد الدخول هناك شروط يجب الالتزام بها أثناء الجلوس في المكتبة، منها استخدام قلم رصاص، وعدم تصوير شاشة حاسوب المكتبة أثناء معاينة الميكروفيلم. وعند الخروج عليك أن تعرض كيسك الشفاف على موظف يجلس عند باب القاعة.
ثانيا: خيار الموقع الأرشيفي المفتوح
لست بحاجة لمغادرة البيت، لذا يمكن توفير أربع ساعات من وقتي مقارنة بحالة الذهاب إلى المكتبة البريطانية. كذلك، تحميل المواد يكون بدون تسجيل في الموقع. حتى لو اشترط الموقع تسجيلا فيه، فالتسجيل لا يستهلك أكثر من بضع دقائق. إضافة إلى ذلك، لا توجد شروط استخدام. وفي بيتك تتصرف كما تريد. تشرب القهوة إذا أردت وأنت مقابل حاسوبك. وتطبع وتصور كما تريد. وعلاوة على كل ذلك، يمكنك الاحتفاظ بما حمّلت لتعود لما يهمك مرة ثانية وثالثة دون الاضطرار للذهاب إلى المكتبة كل مرة.
الحالة التي أشرحها أعلاه تتجاوز المفاضلة بين الورقي والرقمي التي أكل الدهر عليها وشرب، وأصبحت المفاضلة بين موارد إلكترونية متوفرة في مكتبة رسمية أو جامعية مثلا، وأخرى في موقع مفتوح. المقارنة في صالح الموقع المفتوح.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]