الصفحة الأخيرة - عدلي الهواري
عن قراءة قصص للأطفال وإعطائهم لعبة
هل قراءة القصص للأطفال أمر جيد لهم ولهن؟ وهل القراءة بالعربية الفصحى أفضل من القراءة بالعامية؟ وهل الحكي بالعامية أفضل الخيارات؟ وهل للقصص تأثير على السلوك؟
خضت العام الماضي (2021) تجربة قراءة قصص لمن اعتبرها ابنتي، أي جود، ذات الأعوام الثمانية، المعروفة بذكائها، والحديث بكلمات وجمل من هم أكبر منها سنا، والمسارعة للبكاء للحصول على ما تريد.
اخترت في البداية أن أقرأ لها قصصا مكتوبة باللغة العربية الفصحى، أملا في ترسيخ حب اللغة العربية في نفسها، وزيادة مفرداتها، فيكون لديها من الصغر أساس يجعلها في المستقبل متمكنة من اللغة العربية.
اعتمدت على الإنترنت في بحثي عن قصص مناسبة للصغار. وجدت مجموعة من قصص زكريا تامر المكتوبة باللغة العربية الفصحى في مدونة حي بن يقظان المختصة بقصص الأطفال، ويشرف عليه القاص أحمد طوسون [1]. وكنت طبعا أشرح لجود الكلمات التي قد لا تكون مفهومة من بنت في الثامنة من العمر.
ووجدت كتابا عنوانه "قصص عالمية للأطفال" (إشراف أحمد نجيب)، فقرأت لجود بعضا من قصصه [2]. وسردت لجود بعض قصص التراث الشعبي الفلسطيني، وهي مجموعة في كتاب عنوانه "يا درانا يمّ الشجر لخظر" [3] وهو من إعداد جابر سليمان، ومزين برسمات بريشة سعد حاجو.
سردت لجود عددا من القصص العالمية المشهورة، مثل بياض الثلج، والأميرة النائمة، وبينوكيو، والجميلة والوحش، وفي هذه شرحت لها الفرق بين الجمال الداخلي والخارجي، فمغزى القصة أن الحب يجعلنا نرى أبعد وأعمق من الجمال الظاهري. قرأت لها أيضا علي بابا، والأسد والأرنب، وقصصا أخرى متنوعة بعضها عربي وآخر عالمي.
طَلبتْ جود أن أروي لها حكاية ليلى والذئب، وظلت هذه الحكاية المفضلة لديها نظرا لوجود جدة في الحكاية يذكّر جود بجدتها التي انتقلت إلى رحمة الله في عام 2018. وكانت تعيد الاستماع لها أكثر من بقية القصص.
على سبيل التجربة، وبعد قراءة مجموعة من القصص بالعربية الفصحى، حكيت لها واحدة من القصص حكيا، بعد أن اطّلعت على القصة أولا، وأعدت حكيها لجود بلهجتي اليومية. سألت جود يوما أيهما تفضل: القصص بالعربية الفصحى أم المحكية بالعامية، فتبين أنها تفضلها بالعامية.
أتسألني كيف قرأت لجود قصصا وهي في بلد وأنا في آخر؟
شكرا للتكنولوجيا، فقد كنت أسجل لها القصة، وإذا كانت طويلة أقسمها إلى جزءين أو ثلاثة، وأبعث لها ملفا صوتيا لتستمع إليه على هاتف جوال. كان لذلك ميزة، وهي إمكانية الاستماع للقصة أكثر من مرة. وصار تكرار الاستماع للقصص يساعد جود على النوم.
هل أثّرت قراءة القصص على السلوك؟
كنت أبحث عن قصص تخلو من الوعظ والأسلوب المباشر عن ضرورة أن نكون لطيفين مع الآخرين، ونتحلى بالإيثار. ومن بين القصص واحدة عن أمير صغير يصر على الحصول على نسخة من أي لعبة لدى أي طفل في المملكة. ولذا يتراكم لديه الكثير من الألعاب، ولكن لا يكون لديه أصدقاء يمكنه أن يلعب معهم. ويدرك في النهاية أنه بحاجة لأصدقاء ليلعب معهم.
بدأ سلوك جود يتغير شيئا فشيئا. من المؤكد أنه كان للقصص دور، ولكن من المرجح أن تغيير السلوك كان أيضا نتيجة نشوء علاقة أبوية مع من أصبحت جود تعتبره أبا، فهي صارت تحدثه عما يضايقها في البيت أو في المدرسة، وتستمع إلى توجيهاته. وبعد مرور نحو عام، كان التغيير الإيجابي في سلوكها واضحا مقارنة بما كان عليه قبل بدء قراءة القصص لها.
أمر آخر كان مفيدا في التعامل مع جود، وهو لم يتم عن أي دراية مسبقة، بل بصدفة لا يمكن شرح أسبابها، وهي إعطاء الصغار لعبة قماشية، على شكل دب أو فيل أو خلاف ذلك. لقد طلبت جود بلسانها لعبة باربي، فاشتريت لها واحدة، وأضفت معها دفتر رسم وأقلام تلوين. وضعت الهدايا في كيس أضفت إليه في وقت لاحق لعبة قماشية على شكل فيل. لم يخطر ببالي أن جود سيجذب اهتمامها غير لعبة الباربي التي طلبت. المفاجئ في الأمر أن أول ما لفت نظر جود عندما فتحت الكيس كان اللعبة/الفيل، وكان كأنه الهدية التي انتظرتها بفارغ الصبر.
أصبح الفيل لا يفارقها، وأطلقت عليه اسم "فلفول"، وهو ينام قرب رأسها، وتضعه في شنطة كتبها المدرسية، واعترضت على قول المعلمة إن إحضار الألعاب إلى المدرسة ممنوع، فجوابها كان "فلفول ليس لعبة". ولم تحتمل مزحة من أحد إخوتها عندما أخفى الفيل وقال لها إنه أعطاه لابن صديقه.
كان لدي فضول لمعرفة سبب انجذاب جود للعبة الفيل، ولكني توقفت عن محاولة فهم الأسباب واحترمت شعورها كما هو. لم يستوعب أحد، صغيرا أو كبيرا، أهمية الفيل بالنسبة لجود، لذا اتفقت معها أن تخفيه عن أعين الزوار الصغار أو الكبار، فالصغار يريدون اللعب به ورميه ووضعه في فمهم، والكبار يطلبون من جود إعطائهم الفيل لإلهاء صغارهم به، لذا كانت مشاهدة الفيل في أيد أخرى تعامله كلعبة أمرا يثير لجود الكثير من الضيق.
تطورت مسألة قراءة القصص لجود فأصبحت المساعدة في الدراسة أحيانا، فعندما يكون مطلوبا منها نص من نصوص كتاب اللغة العربية، أسجله لها مقروءا ببطء مع التأكيد على نطق حركات الكلمات. أحيانا كنت أسجل لها الصوت فقط وهي تتابع على صفحة الكتاب، وأحيانا تكون القراءة على شكل فيديو لمتابعة الكلمات على الشاشة. لكنها أخبرتني أنها تفضل الصوت فقط حتى تتابع الصفحة على الكتاب، وهي محقة في ذلك، فشاشة الهاتف أصغر بكثير من صفحة الكتاب، والقراءة في الصف ستكون من الكتاب مباشرة.
خلاصة التجربة هي أن القراءة للصغار مفيدة ليس للترفيه وزيادة المعرفة فقط، بل هي تساعد على توثيق العلاقة مع الوالدين، وهذا مفتاح التأثير الأكبر على سلوك الأطفال وتوجيههم. وعندما أقول توجيه فلا أعني محاولة تشكيل شخصيتهم لتأخذ نمطا معينا، بل إعطاء أقصى حرية للشخصية لتنمو وتتطور وتتبلور، وقبول رفضهم إذا قالوا "بِدّيش"، وانتظار اقتناعهم في وقت لاحق، أو النجاح في تقديم بديل مقبول. ومما ساعد على ذلك في حالة جود، الاستماع لكل ما تريد أن تقوله، وعدم الاستعجال عليها لتنهي الحديث. كذلك إن "زعلت" من شيء قلته أو لم أقله، فعلته أم لم أفعله، أشرح لها السبب، ولا أتردد في أن أقول لها آسف.
أمر أخير يمكنني إضافته. لا تظن لأنك أكبر سنا أنك المعلّم دائما لابنك الصغير أو ابنتك الصغيرة. سوف تتعلم منه أو منها أيضا أمورا لم تعتقد يوما أن من يعلمك إياها سيكون بعمر كهذا.
= = =
[1] مدونة حي بن يقظان:
http://haybinyakzhan.blogspot.com
[2] قصص عالمية للأطفال. الطبعة العربية. إشراف أحمد نجيب. القاهرة: دار الكتاب المصري؛ بيروت: دار الكتاب اللبناني. دون تاريخ.
[3] يا درانا يمّ الشجر لخظر [يا دارنا يا أم الشجر الأخضر]. حكايا وأغان شعبية فلسطينية من ذاكرة المنفى. إعداد وإشراف: جابر سليمان. رسوم: سعد حاجو. بيروت: مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية. 2009.
= = =
|
|
|
◄ عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصص
▼ موضوعاتي