طارق المنيظر -المغرب
وجع البادية
كان المساء قد بدأ يطل والشمس تقصد مغربها. يجلس با أحمد حينها رفقة زوجته في فسحة المنزل البدوي البسيط وشجرة العنب متدلية ومثقلة بالعناقيد: منها من صار طعمه جاهزا للأكل ومنها من صار زبيبا بعد أن جفت عروقه وأخذت سحنته ما يكفي من التجاعيد.
سمعت الزوجة لالة رحمة طرقا خفيفا، فنادت على با أحمد الذي كان ساهيا وهو يُنصت لإذاعته بخشوع وتركيز: "وا أحمد، وتا تكلم نوض شوف شكون ساير يهرس في الباب".
نهض با أحمد وخطف عكازه الذي لا يفارقه مطلقا. اتجه مهرولا صوب الباب القصديري: "وابلاتي هاني جاي أو مالنا على هذ الدقان".
فتح الباب فوجد عند عتبته أخاه الغائب منذ ما يزيد عن ست سنوات أو أكثر. "ما هذا الغياب الطويل الراجي أخي؟"
احتضن الأخ الراجي أخاه الأكبر با أحمد بقوة مفرطة. كان هذا الاحتضان يعبر عن حب أخوي قوي يجيش في قلب فلاح بسيط تجاه أخيه الراجي الذي غاب عنه مدة لم تكن باليسيرة.
نطق با أحمد بتلقائية وفرح: "زيد خويا الراجي نهار كبير هذا تواحشتاك أخويا بزاف".
استقبلت لالة رحمة أخ زوجها المسمى الراجي بفرح أيضا وكرم. أمر با أحمد الزوجة بإعداد الشاي وبعض المقبلات لأخيه الراجي لعله يسد رمق جوعه ويخفف تعب سفره.
استرسل الأخان في حديثهما واستفسر كل منهما الآخر حول العديد من الأمور. حاول الراجي أن يطمئن على أحوال أخيه في البلدة وعلاقته مع الناس ومشاكل الفلاحة ووجع الأرض والحدود، في الحين الذي كان فيه قلب با أحمد في حاجة ماسة إلى التخفيف والشكوى.
لا شك، فالحياة في البادية تحتاج إلى معين وأنيس أمام الناس. حاول الراجي أن يبث بحديثه أملا في قلب أخيه الأكبر الذي مل من مشاكل الحياة البدوية وصعابها: "لا عليك أخي قدمت عندك لأكون أنيسا لك ولأحميك من ذئاب قريتنا. سنعمل معا، وسنتحد لنبني أنفسنا من جديد. قد جئت ببعض المال لنستثمره في الفلاحة والتجارة، والله معنا أخي".
أحس با أحمد براحة واطمئنان لا مثيل لهما. نهض وقطف عنقودين من العنب أغطسهما في إناء كبير مليء بالماء البارد ووضعهما لأخيه الراجي.
سأل با أحمد الأخ الراجي حول مصدر رأس المال الذي حدثه عنه. صمت الراجي كأنه ابتلع لسانه واحمر وجهه واشتد عرقه. طاش تفكيره قليلا وطلب من أخيه با أحمد تزويده بكوب ماء، فتسلمه وهو يرتعش ونفسيته في حالة حيرة وارتياب.
حاول الراجي إقناع الأخ با حمد، ولو كذبا، بأن مصدر رأس ماله هو حلال طيب من عرق جبينه، لكن رغم ذلك بقيت مرارة قاسية عالقة ومترسبة في ذهنه.