عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

جيهان أبو لاشين - فلسطين

نزوح الروح

غزة: ملف العدد 33


جهان أبو لاشينلا وقت لدي لأرتب نفسي من الداخل الآن. أنا منشغلة تماما في الركض، والهروب، والطبطبة.

في ظل هذه الفوضى، يبدو الركض (القلق والخوف والجري واللهاث) أسهل كثيرا من التوقف قليلا ومحاولة لملمة النفس وترميمها.

لست خارقة بما يكفي لفعل ذلك. ولكنني أحاول على أي حال، فأتعثر كلما توقفت. آلاف النفوس الأخرى المذعورة المتخبطة تشدني علّي أنشلها من وحل الوجع فأعلق معها.

نهرب. أنا وكل تلك الأنفس. نهرب من الذكريات والأحلام، تشغلنا تحدياتنا الحالية عن التفكير في الماضي والتخطيط للمستقبل. وإن حاولنا ذلك فنحن عاجزون على أية حال. عالقون تماما.
معلّقون بقرارات يصوغها مجموعة من المرضى لا يعرفون تهجئة الإنسانية ولا يعبؤون بوجعها.

نهرب من خوف لخوف، ومن قلق لقلق، ومن حرب لحرب، ومن بقعة لبقعة.

لا وقت لدي لأهندم نفسي من الداخل، أنفض عنها القلق وأمسح عنها العتمة، أطوي ما لا حاجة له وأضعه على رف بعيد. أحدد أولوياتي الحقيقية وأغسل روحي من مخاوفها جميعا.

لا وقت لدي لأدرك كم يداهمني الوقت.

في رحلة النزوح من مكان لآخر، نزحت روحي، وأرواح كثيرة.

نحن، في غزة، جميعنا على الإطلاق، بلا روح. أرواحنا محشورة في مكان ما، لا هو موت ولا هو حياة؛ حبيسة مع الحزن الشاق، تقاوم الفناء، فيما تركض أجسادنا المذعورة من مكان لآخر خشية أن تتآكل.

D 1 حزيران (يونيو) 2024     A جيهان أبو لاشين     C 0 تعليقات