عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » عود الند: العدد الفصلي 35: شتاء 2025 » آه يا بيروت: نِعَم، ذلك الصوت الجنوبي

مختارات: رشاد أبو شاور

آه يا بيروت: نِعَم، ذلك الصوت الجنوبي


رشاد أبو شاورأدناه مقتطف من كتاب عنوانه "آه يا بيروت" وهو أحد مؤلفات عديدة للقاص والروائي الفلسطيني، رشاد أبو شاور، الذي انتقل إلى رحمته تعالى يوم السبت، 28 أيلول (سبتمبر) 2024، عن عمر يناهز 82 عاما. "آه يا بيروت" يتعلق بفترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والحصار الذي فرض على بيروت، والذي دام حوالي ثلاثة أشهر، وأسفر عن اتفاق بوساطة أميركية يقضي بخروج مقاتلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقادتها إلى بضع دول عربية. ويسرد أبو شاور في الكتاب ذكريات من تلك الأشهر. المقتطف أدناه متعلق بشابة من الجنوب اللبناني، اسمها نِعَم، كانت تعمل مع الفريق الإعلامي الذي عمل في إذاعة صوت الثورة الفلسطينية أثناء الحصار. تفاصيل وصورة غلاف الكتاب تحت المقتطف.
::
::
نِعَم، ذلك الصوت الجنوبي

لا، لن تقول الإذاعة إلا ويأتي وجه نِعَم البريء، إلا وتأتي ابتسامتها التي تبعث الطمأنينة، إلا ويأتي صوتها النبيل وهو يحاور المقاتلين في المحاور.

كل مقاتل في بيروت يعرف نِعَم. كل من كان يسمع صوت الثورة الفلسطينية يعرف نِعَم. يعرفها شخصيا، يعرف قلبها النظيف، يعرف الجنوب، يعرف النبطية، يعرف البحر، يعرف الشيّاح.

في الشيّاح كانت تسكن. رحل أهلها وظلت هي. وفي كل ليلة، ورغم القصف، كانت تذهب وتعيش —ولا أقول تبيت— مع أهلها هناك في الشيّاح.

دائما تحمل مسجلة الناغرا على كتفها مستعدة في كل لحظة: تحت الطائرات، تحت قذائف المدافع، وسط الحريق، وهي تأتينا بحرارة روح المقاتلين، وهم يطلبون منها أناشيد معينة، وأغنيات معينة، ويرسلون معها التحيات، وكل ما يطمئن.

ونِعَم لا تكتفي أنها تمثل، فهي تحب المسرح، وقد لعبت أدوارا حكت لي عنها وسط الدوي الكاسح، وهي تحلم بمسرحيات تؤديها أمام الناس. وهي تحكي عن فلسطين وكل شيء ببساطة وبراءة وعفوية، بلا تنظير. تقول: "هذه بلادنا، هذه أرضنا، وعلينا أن نحررها".

كنت أتساءل: ألا تتعب هذه البنت؟ حقا، لقد رأيت، أو خُيّل لي، أنها تَعِبةٌ بعض الشيء، أنها مرهقة، ولكنها لا تشكو.

عيّرنا راديو الكتائب ذات يوم بأنه لا يوجد في إذاعتنا سوى بنت واحدة، وأن هذه البنت جنوبية.

وعندما استشهدت نِعَم، أذاعت سلوى، وكأنما تواصل الدرب، وجاءت فتاة سورية وأذاعت. وفي الإذاعة، وعلى مبعدة من الاستديو المتواضع، الذي هو خزانة، نعم ضلفات خزانة، وفرشة إسفنج لمنع الصوت، وباب مفتوح. ومكان ضيق يدوب [يكاد] يتسع للمذيع، كانت تجلس الفتيات اللواتي يعملن على أجهزة اللاسلكي.

لقد سخرت نِعَم من صوت الكتائب، وقالت: "أنا من هذه الأرض، أنا بنت هذه البلاد، أنا أنتمي لفلسطين ولزمنها العربي".

ونِعَم أذاعت نشرات الأخبار، وقدمت أجمل الحوارات مع المقاتلين، وارتجلت مع بعض الشباب برنامجا لتسلية أهل بيروت في رمضان.

ونِعَم استشهدت. جاء أهلها من الجنوب قبل رحيلنا، وجلسوا مع عائلة الإذاعة في بيت الشهيد هاني جوهرية، ولم يأخذوا غير المسجّلة، مسجّلة نِعَم. قال والدها ووالدتها وإخوتها: "نِعَم ابنة الجنوب وابنة فلسطين، هي أعطت شبابها، ونحن من أجل دمها سنظل الأوفياء لفلسطين".

ونحن؟ نحن أسرة نِعَم، ماذا سنفعل؟ من أجل دمها، ومن أجل عيون فلسطين التي أحبت، سيظل صوتنا يسري في البرية، حتى ينتهي الزمن الخراب، الزمن الطائفي، ويأتي الزمان العربي.

= = =

رشاد أبو شاور. "آه يا بيروت". بيروت: الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، 1983، ص ص 19-20.

::
غلاف كتاب آه يا بيروت رشاد أبو شاور

D 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024     A عود الند: مختارات     C 0 تعليقات