عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » عود الند: العدد الفصلي 35: شتاء 2025 » كيف أنقذ وردة من الذبول؟

شجاع الصفدي - فلسطين

كيف أنقذ وردة من الذبول؟


النص المنشور أدناه منقول من صفحة كاتبه، الشاعر شجاع الصفدي، في فيسبوك. تم اختيار هذا النص وغيره لإعطاء فكرة عن الحياة من قلب الحدث في غزة. ونظرا لصعوبة التواصل مع كتاب كاتبات (وغيرهم) في غزة وعدم واقعية طلب كتابة نصوص للنشر في أعداد مجلة "عود الند" الثقافية حصريا، لجأنا إلى اختيار بعض النصوص التي تسنى لمن كتبها نشرها في فيسبوك، حرصا منا على وجود نصوص من غزة، وبدأ هذا منذ العدد الفصلي 31 (كانون الأول/ديسمبر 2023).

::
::
شجاع الصفديسألتكم من يدلني كيف أنقذ وردة من الذبول، لكن شح ماء الحياة، فماتت الوردة.

قُطفت باكرا، وتلك آجالٌ مكتوبة، لكن الإيمان وحده لا يكفي لرفع صخرة الفقد عن القلب, يحتاج الأمر لقوةٍ خارقة يسندها الإيمان، ليس للنسيان وإنما للتجاوز.

يا بنيّ كنت أشقى لأريحك، أجمع قرشا قرشا كما وعدتك. قلت لك اجتهد لتحصد مجموعا مميزا، وسوف أدفع أي إتاوةٍ لتسافر خارج معبر الجحيم. كنت أرفض دفع الإتاوات، لكني لأجلك تجاوزت. سوف تسافر.

وعدني صديقي أن يحصل أمجد المجتهد على منحة دراسية. كان يجتهد في دراسته ليلا نهارا بكل ما أوتي من مقوّمات، وأجتهد أنا لأوفر ما استطعت. قال لي صديقي ناصر رباح قبل أيام: "أمجد ممتاز لا خوف عليه".

كان ناصر قد تطوع أن يعطي أمجد حصصا في الأحياء. ختم أمجد الأحياء ومواد أخرى. وبينما نسعى للمنحة، كان لله مشيئة أخرى: منحة لديه سبحانه.

أمجد الصفديقطفت وردتي التي قضيت عمري أسقيها حبا وعطفا وخلقا من بستانها، لكني والله قانعٌ بأن أمجد وردة في الجنة، ليس لأنه ابني، لكن شابا بعمره لم يتلفظ يوما بالسوء، عاش رضيا مرضيا، لم يغضبني أنا وأمه، حتى مشاكساتنا عند عصبيتي خلال لحظات تنقلب إلى مرح ومزاح.

كان يقوم الليل بصوت رخيم، ونصلّي الفجر معا. عندما يؤمّنا أمازحه: "لا تطل القراءة، أنا ختيار، أتعب من الوقوف يابا"، فيقول: "شيخ الشباب أنت".

كان دوما في أي نقاش يردد "يأتيكم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيدة". كان يتفقه في الدين ويحفظ وافرا من القرآن. لم يذهب للتحفيظ ولم يحتج أحدا يدلّه على طريق التقوى. عاش شابا مؤمنا تقيا، وطفلا بريئا سلوكا. لم يشتكِ منه أحد، طوال عمره. كان بلسما للقلب، القلب الذي يحتاج الآن لأكثر من الإيمان الوافر للصبر.

قبل ثلاثة عقود أو أكثر قليلا، تلقيت وردة هدية، ليس مجازا، وردة جوري حقيقية، جفّت مع الوقت فحفظتها في مغلف خاص، وظلت معي إلى يومنا هذا، لكن وردتي أمجد هدية عاشت معي عقدين إلا قليلا. ماتت الوردة، ولا أملك غلافا سوى شغاف القلب يا ولدي، هي لك ما حييت .

سامحني يا وردتي إن قصّرت، عجزي ومن مثلي من آباء ليس أنانيا وليس فرديا، عجزنا يا بني أكبر مما تحتمله القلوب، فإن كان دعائي لا يكفي، وإن لم أكن صالحا كما أتمنى، فإن قلبي متيقن أنه لا حجاب بينك وبين الله، وأخشى إن بالغت وقلت "إنك لن تسأل عن ذنب". أنا أعرفكَ ولا أزكيك على الله. أنت شفيعٌ لنا يا ولدي، فلا تغفل عنا أنا وأمك. زرنا في المنام وابتسم ابتسامتك التي عهدتها تشع نورا، كما كان وجهك يشع نورا وأنت توارى جسدا في مثواك المؤقت. والله يا بني في قلبي يقين أن قبرك ينير ما حوله هذه الليلة.

وداعا يا وردة روحي التي قطفت باكرا، وداعا.

= = =

14 تشرين الثاني (نوفمبر) 20023

رابط صفحة الكاتب في فيسبوك:


https://www.facebook.com/profile.php?id=100001444676886

D 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024     A شجاع الصفدي     C 0 تعليقات