عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » عود الند: العدد الفصلي 35: شتاء 2025 » كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه

عدلي الهواري

كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه

انتخابات الرئاسة الأميركية 2024


عدلي الهواريكرر التاريخ نفسه بكثير من تطابق التفاصيل خلال ثماني سنوات في سياق انتخابات الرئاسة الأميركية. في عام 2016، كانت المنافسة النهائية بين هيلاري كلنتون، مرشحة الحزب الديمقراطي، ودونالد ترمب، مرشح الحزب الجمهوري.

وسائل الإعلام كانت منحازة تماما لهيلاري كلنتون. وتعرض دونالد ترمب للكثير من السخرية قبل وأثناء خوض المنافسة على ترشيح الحزب الجمهوري ثم على منصب الرئيس. وفي المناظرة بين الاثنين، وصفت كلنتون ترمب بأنه دمية في أيدي روسيا. وفي أحد خطاباتها قالت: "إن نصف مؤيدي ترمب يمكن وضعهم في سلة المثيرين للاشمئزاز"[1] لأنهم من العنصريين ومن شاكلهم من متعصبين.

كذلك أجمعت استطلاعات الرأي على تفوق كلنتون على ترمب. واعتمد بعض الإعلاميين على نتائج الاستطلاعات للتنبؤ بثقة أن ترمب لن يفوز. الناخبون كان لهم رأي آخر. فاز ترمب رغم كل التوقعات. صحيح أن فوزه كان يمكن اعتباره ضربة حظ، فهو لم يحصل على أغلبية أصوات الناخبين. ولكن انتخابات الرئاسة تتم وفق طريقة غير مباشرة (نظام "المجمع الانتخابي") تجعل من الممكن الفوز بالرئاسة دون الحصول على أغلبية أصوات الناخبين.

تصرف ترمب فور تولي الرئاسة بأسلوبه العشوائي المعروف، الذي بدأ بفرض حظر على السفر إلى الولايات المتحدة من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة[2]. وواجه أثناء رئاسته العديد من التحديات القانونية والسياسية، بما في ذلك محاولة خلعه من منصبه. وفي مجال السياسة الخارجية، وجّه ترمب لطمة كبرى للأمتين العربية والإسلامية، وقرارات الأمم المتحدة، والقانون الدولي، بقراره اعتبار القدس عاصمة إسرائيل، ونقل مقر السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس[3]، ثم الترويج لصفاقة القرن القائمة على تطبيع الدول العربية العلاقات مع إسرائيل، وأقصى ما يحصل عليه الفلسطينيون من هذا التطبيع تحسين ظروف معيشتهم من خلال المشاريع التي تنفذ في سياق تطبيق صفاقة القرن[4].

ولكن الترويج لفوائد السلام في هذه المبادرة لم يكن جديدا، فبعد اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، وتوقيع الأردن وإسرائيل معاهدة سلام عام 1994، كثر الحديث عن جني فوائد السلام، وعُقد أكثر من مرة مؤتمر اقتصادي دولي لإنشاء مؤسسات تساعد على قطف ثمار السلام، بما في ذلك بنك إقليمي. ثم توقف انعقاد المؤتمر ولم يقطف أحد في العالم العربي ثمار السلام الموعودة[5].

في عام 2020، كان التنافس في انتخابات الرئاسة بين جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي، ودونالد ترمب، مرشح الحزب الجمهوري. رفض ترمب الاعتراف بنتائج انتخابات الرئاسة التي أعلنت فوز بايدن ونائبته كامالا هاريس فيها. واقتحم مؤيدوه مقر الكونغرس الأميركي، وامتنع عن حضور حفل تنصيب بايدن.

خلال السنوات الأربع بين انتخاب بايدن، وموعد الانتخابات في عام 2024، واجه ترمب تحديات قانونية متعددة كان واضحا أن أحد أهدافها إدانته وإصدار حكم عليه بالسجن، وإخراجه من الساحة السياسية. وقد نجحت إحدى المحاولات القانونية في إدانة ترمب، وكان أساس القضية تهمة تزوير سجلات شركته للتمويه على مبلغ دُفع لممثلة أفلام إباحية لشراء صمتها على علاقة قديمة لها مع ترمب[6].

ولأن المسار القضائي بطيء نظرا لوجود مراحل من الاستئناف ووصول القضايا أحيانا إلى المحكمة العليا، لم تتحرك القضايا بالسرعة الكافية للحصول على الغايات المتوخاة منها. وزادت العراقيل في سبيل نجاحها عندما وصلت قضية إلى المحكمة العليا، فقرر قضاتها أن لترمب حصانة من المقاضاة على أفعاله أثناء توليه الرئاسة[7]. لم تصدر كل الأحكام في القضايا المرفوعة على ترمب قبل حلول موعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) 20024، وواصل حملته للعودة إلى البيت الأبيض.

في انتخابات الرئاسة لعام 2024، كان التنافس بين جو بايدن، مرشح الحزب الديموقراطي، ودونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري. في مناظرة بين الاثنين، ظهرت على بايدن علامات الإصابة بالخرف، مؤكدة ما كان يلاحظ في أكثر من فيديو في مناسبات سابقة، ومع ذلك كان هناك نفي لما يراه الناس بأعينهم. لكن المناظرة بيّنت أن بايدن ليس في وضع يمكّنه من الحكم بكامل قواه العقلية. ولذا، سارع كل من يهمهم الأمر من ساسة الحزب الديمقراطي والمتبرعين له، ومؤيديه من المشاهير، إلى الطلب من بايدن الانسحاب، فلبّى طلبهم بعد أيام [8]، وتم اختيار كامالا هاريس لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي مقابل ترمب. هناك من اعتبر هذا التبديل السريع منافيا للإجراءات الديمقراطية التي تقود إلى اختيار مرشح الحزب للرئاسة، فمن يحصل على الترشيح هذا، عليه الفوز في منافسات مع مرشحين آخرين في كل الولايات، ومن يحصل على أعلى الأصوات يتم اختياره رسميا.

كرر التاريخ نفسه في عام 2024 من ناحية وجود تنافس بين امرأة من الحزب الديمقراطي، ورجل من الحزب الجمهوري. وكرر التاريخ نفسه فيما يتعلق بموقف وسائل الإعلام المناوئ لترمب. كذلك تكرر فيما يتعلق بنتائج استطلاعات الرأي العام التي أشارت إلى تفوق هاريس على ترمب. وتكرر هجاء مؤيدي ترمب، ليس على لسان هاريس هذه المرة، بل تطوع بايدن لوصف مؤيدي ترمب بأنهم "قمامة" [9] بعد أن وصف كوميدي في مهرجان لترمب بورتوريكو بأنها جزيرة عائمة من القمامة (لبورتو ريكو وضع خاص فهي ليست ولاية أميركية، ولكن سكانها مواطنون أميركيون). وعلاوة على ذلك كله، تعرض ترمب إلى محاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة، فالطلقة لو أصابت رأسه من غير المحتمل أن ينجو منها، لكنها أصابت طرف أذنه، وتمكن من الوقوف على قدميه رافعا قبضته في الهواء خلال فترة قصيرة.

فاز ترمب في انتخابات 2024 وحقق فوزا أفضل من فوز 2016، فقد حصل على أغلبية أصوات الناخبين هذه المرة، وعلى أغلبية كبيرة في أصوات "المجمع الانتخابي" الذي شكليا ورسميا هو الهيئة التي تنتخب الرئيس. وتهاوى الوهم الذي نسجته وسائل الإعلام عن كون فوز هاريس مؤكدا [10]. واستطلاعات الرأي تستحق الشك في كونها أساسا صالحا لمعرفة آراء الجمهور.

كل أربع سنوات يتم في العالم العربي عقد مقارنة بين المرشحين الرئاسيين لتقييم من سيكون أفضل بالنسبة للمنطقة العربية، وهذه مقارنة مضلِّلة، فالدول العربية ككتلة، أو كل دولة على حدة، لا تمثل قوة إقليمية يحسب لها حساب، بل المنطقة ككل، والدول فرادى، تدور في فلك الولايات المتحدة بدرجات مختلفة من القرب.

ولأن استطلاعات الرأي كانت تشير أيضا إلى تقارب الأصوات في سبع ولايات لا تصوت للحزب الجمهوري أو الديمقراطي دائما، فقد كثر الحديث عن حاجة هاريس لكسب أصوات الناخبين من أصل عربي في ولاية ميتشغان، فهي إحدى الولايات السبع "المتأرجحة"، وفيها أعداد كبيرة من المواطنين من أصل عربي. لكن هاريس لم تحرص على ذلك، وكانت تعاير من يقاطعها أثناء إلقائها خطابا بقولها: "إذا أردت أن تنتخب ترمب، فقل ذلك"، ثم تضيف لتبدو حازمة: "إنني أتكلم"[11]. ولو حرصت هاريس على كسب أصوات الناخبين من أصول عربية في ميتشغان، لما ساعدها ذلك على الفوز. بعبارة أخرى، أصوات الناخبين الأميركيين من أصل عربي على أهميتها في ميتشغان أقل من أن يكون لها تأثير يماثل أصوات المواطنين السود أو المنحدرين من دول أميركا اللاتينية في عموم الولايات المتحدة.

التقييم لمن سيكون أفضل للعالم العربي حدث أيضا داخل أوساط العرب في الولايات المتحدة. هشاشة أساس المقارنة بين هاريس وترمب محليا لا تختلف عن مثيلتها في العالم العربي البعيد. ولكن بصفتهم مواطنين أميركيين ويشاركون في الانتخابات، كان من حق الناخبين من أصل عربي وغيرهم أن يصوتوا لمنافس آخر عقابا لمرشح بسبب موقفه تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، فالتصويت ضد حزب ومرشحيه عقابا لهم يحدث كلما أمعن حزب في تجاهل الرأي العام والاستخفاف بقاعدة مؤيديه. حزب المحافظين البريطاني هُزم في الانتخابات العامة مرتين نتيجة التصويت العقابي، الأولى في عام 1997في الانتخابات العامة أثناء زعامة جون ميجور، والانتخابات الأخيرة (2024) التي أسفرت عن فوز حزب العمال بزعامة كير ستارمر [12] بعد هزيمة قاسية للحزب نفسه بزعامة جيريمي كوربن في عام 2019.

استكمالا لمناقشة نقطة تقييم أي الحزبين أفضل في حالات يكون التشابه في مواقفهما وبرامجهما كبيرا، سيكذب الناخب على نفسه عندما يظن أنه اختار الأفضل قليلا، أو الأقل سوءا. هو في الواقع كمن يختار تلقي الصفعة على خده اليمين أو اليسار. وهنا تصبح الديمقراطية في بلد ما عملية شكلية إجرائية، لا تقود إلى تحسن ملموس في وضع أغلبية الشعب. وفي هذه الحالة، على المرء أن يقيّم مدى جدوى المشاركة في انتخابات لا تقود إلى تغيير إلا في الأشخاص.

ويكرر التاريخ نفسه باهتمام وسائل الإعلام العربية الكثيف بانتخابات الرئاسة، فالاهتمام بها يعطي الانطباع أن هذه الانتخابات تجري في بلد الوسيلة الإعلامية، مع أنه يكفي المواطن العربي من التغطية أن يكون ضمن نشرة أخبار نبأ موجز عن اختيار مرشحي الحزبين، وآخر بعد الانتخابات عن نتائجها. أكثر من ذلك إلهاء لمتابعي وسائل الإعلام العربية في مسلسل إخباري يضاهي في طوله المسلسلات المكسيكية والتركية. المهتم بالتفاصيل لأنه باحث في الشؤون الأميركية مثلا يمكنه متابعة وسائل إعلامية أميركية، ففي العصر الرقمي هذا، كل الوسائل صارت متاحة للمتابعة من مختلف أنحاء العالم.

لم يتأخر ترمب في بدء الإعلان عن مرشحيه للمناصب المختلفة، مثل وزارتي الخارجية والدفاع، ومندوب/ة الولايات المتحدة لدي الأمم المتحدة، وغيرهم، ويتم ذلك تدريجيا، فاتضح على الفور ما ستكون عليه فترة الرئاسة الثانية لترمب التي ستبدأ رسميا في كانون الثاني (يناير) 2025. سيعيد التاريخ الترمبي نفسه مرة أخرى خلال السنوات الأربع من رئاسته الثانية. وسيعيد تاريخ السياسة الخارجية الأميركية نفسه بعد انتخاب كل رئيس. وفي كل مرة سيتكرر التساؤل: أي المرشحين أفضل للعالمي العربي؟

= = =

الهوامش
.
[1] هيلاري كلنتون. خطاب في نيويورك. 9 أيلول (سبتمبر) 2016.

https://www.npr.org/2016/09/10/493427601/hillary-clintons-basket-of-deplorables-in-full-context-of-this-ugly-campaign

[2] قرار ترمب منع المجيء إلى الولايات المتحدة من سبع دول هي: العراق؛ سورية؛ إيران؛ ليبيا؛ الصومال؛ السودان؛ اليمن:

https://edition.cnn.com/2017/01/28/politics/text-of-trump-executive-order-nation-ban-refugees/index.html

[3] قرار ترمب، 6 كانون الأول (ديسمبر) 2017.

https://www.nytimes.com/2017/12/06/world/middleeast/trump-jerusalem-israel-capital.html

[4] المبادرة نشرت في موقع البيت الأبيض الأميركي، حزيران (يونيو) 2019:

https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2019/06/MEP-narrative-document_FINAL.pdf

[5] موقع وزارة الخارجية الأميركية

https://1997-2001.state.gov/regions/nea/fs_mena_econ_summ_971107.html

[6] خبر عن إدانة ترمب في القضية، 30 أيار (مايو) 2024:

https://www.nbcnewyork.com/news/local/trump-verdict-stormy-daniels-trial/5448835/

[7] نص قرار المحكمة العليا، 1 تموز (يوليو) 2024:

https://www.supremecourt.gov/opinions/23pdf/23-939_e2pg.pdf

[8] وكالة أنباء أسوسايتد برس عن انسحاب بايدن وترشيح كاملا هاريس بدلا منه:

https://apnews.com/article/biden-drops-out-2024-election-ddffde72838370032bdcff946cfc2ce6

[9] تصريح جو بايدن، قناة سي ان ان الإخبارية، 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2024:

https://edition.cnn.com/2024/10/30/politics/biden-garbage-gaffe-analysis/index.html

[10] شبكة ان بي سي التلفزيونية. نتائج الانتخابات، 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024:

https://www.nbcnews.com/politics/2024-elections/president-results

[11] كامالا هاريس، 7 آب (أغسطس) 2024، قناة سي سبان الأميركية:

https://www.c-span.org/video/?c5127583/vice-president-harris-protesters-im-speaking

[12] نتائج الانتخابات في بريطانيا، 4 تموز (يوليو) 2024، موقع البرلماني البريطاني:

https://commonslibrary.parliament.uk/research-briefings/cbp-10009/

D 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024     A عدلي الهواري     C 0 تعليقات