عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

تسنيم حسن - الأردن

أفراح قصيرة


أنا رهف من شمال غزة، اليوم علينا المغادرة نحو الجنوب؛ بالأمس تم تدمير منزلنا إثر سقوط صاروخ عليه.

بتنا ليلتنا بين الأبنية المدمرة والدخان وصوت البكاء والقذائف المنهمرة من كل مكان. في الصباح بدأت رحلتنا نحو الجنوب احتضنني أبي وقبلني وأوصى أمي بي وبجدي وجدتي.

كان الجميع يبكي بحرقة وألم وكنت خائفة فتعلقت برقبة أبي ولم أرد النزول من بين ذراعيه، أخبرني أنه عليّ الذهاب مع أمي؛ قلت: احملني لا أريد المشي،

أجابني أنه لا يمكنه الذهاب معنا، "على الرجال أن تموت مرفوعة الرأس".

لم أفهم ماذا قال وبدأت في البكاء، بعد بضع خطوات من منزلنا، حملتني أمي لكن كان عليها مساعدة جدي وجدتي؛ فالطريق طويلة وما عادت معبدة يسهل السير عليها، أنزلتني وأمسكت بيد جدي المنهك من المسير بفعل عمره الكبير، جدتي كانت تمسك به أيضا وهي تبكي تحاول الالتفات للخلف ولسانها لم يتوقف عن الدعاء لأبي.

كنت أبكي وأصرخ من الجوع؛ لا أذكر متى تناولت الطعام آخر مرة.

سقطت من الولد الذي يسير أمامي قطعة خبز صغيرة حاول الرجوع لالتقاطها لكن أمه سحبته للأمام فلا أحد يستطيع الرجوع للخلف؛ فهناك جنود يطلقون الرصاص على الجميع، أسرعت والتقطتها وحشوتها في فمي وشعرت بفرح كبير، فرحة جائع خائف متعب.

جدي بدأ يشعر بألم في صدره وكان علينا الجلوس رغم كل شيء. جلسنا على أنقاض بيت مدمر حتى يستطيع التقاط أنفاسه، بين الأنقاض كان هناك غطاء طفل أزرق رسم عليه "دبدوب" بني في منطاد بين الغيوم البيضاء، سحبته ووضعته على كتفي جدي الذي كان يرتجف من البرد والتعب وقلة الطعام، ابتسم جدي لي وشعرت بفرح كبير؛ فقد استطعت مساعدته كما كنت أفعل عندما يطلب مني إحضار نظارته عندما يريد القراءة.

بدأنا نسمع صوت الرصاص يقترب منا فطلب جدي منا متابعة المسير بسرعة وهو سيتبعنا عندما يستجمع قواه، جدتي رفضت تركه وحيدا وأصرت على البقاء معه، فأكملت الطريق مع أمي وطابور طويل من الناس متجهين نحو المجهول.

أمي لم تتوقف عن البكاء شعرت بدموعها تسقط بغزارة على وجهي واختلطت بماء المطر. فرحت بالمطر ففتحت فمي أحاول جمع قطرات الماء لعلها تروي عطشي لكن سرعان ما أصبحت الأرض موحله يصعب السير عليها.

كنت أرتجف من البرد بعد أن تبللت تماما وأمي أيضا كان ترتجف وهي تحملني ثم سقطت على الأرض كانت متعبة جدا لم تستطع النهوض، تمسكت بها وبدأت بالبكاء. لا أعرف كيف، لكن امرأة ما أمسكت بها وأجبرتها على النهوض، وأكملنا السير: مرة تسقط فأبكي من الخوف، ومرة تقف فأبكي من الفرح.

حاولت فتاة تسير بالقرب مني تهدئتي وأعطتني دميتها الشقراء، كانت بلا ذراعين ولا ساقين؛ ربما سقطوا منها أثناء السير ولم تستطع التقاطهم.

بعد ساعات طويلة من السير وصلنا حيث يجتمع الجميع: متعبين، جائعين، خائفين، تلاحقنا القذائف، وفي الصباح التقيت الجميع في الجنة.

D 1 آذار (مارس) 2025     A تسنيم حسن     C 1 تعليقات

1 مشاركة منتدى

  • في الحرب.. نخسر الكثير.. وتخسر الطفولة أكثر؛
    حين تعجز عن الفهم والإدراك.. فيختل ميزان الطفولة متأرجحا بين نضج قبل أوانه، ويباسٍ في زمانه، وطفولة مضت من غير وداع..
    حرفك حساس صادق يا تسنيم..
    أسأل الله الطمأنينة والفرح لكل الأطفال..


في العدد نفسه

كلمة العدد 36: هل يفسد الذكاء الصناعي التعليم العالي؟

ثنائية الحياة والموت، قراءة بيئيّة في قصة "العجوز" لمريم الساعدي

إطلالة على نشأة النحو العربي

الصلاة الأخيرة

بین سیف نیرون وعیني جوستينا

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  تتويج حب

2.  نصوص قصيرة

3.  إشكالية تطبيق المصطلح اللساني في الدراسات اللغوية العربية

4.  تقديم لرواية نجيب محفوظ الشحاذ

5.  دار الآداب: موقع جديد

send_material


linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox