عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » عود الند: العدد الفصلي 36: ربيع 2025 » كلمة العدد 36: هل يفسد الذكاء الصناعي التعليم العالي؟

عدلي الهواري

كلمة العدد 36: هل يفسد الذكاء الصناعي التعليم العالي؟


عدلي الهواريتفشّى استخدام الذكاء الصناعي بين الطلبة لكتابة البحوث والمقالات. وقد يصبح غير مجد تقييم الطلبة على أساسها، فمن المحتمل أن الطلبة سيكتبونها باستخدام الذكاء الصناعي. لن تكون البحوث نسخا متطابقة في الكورس الواحد، لأن مواقع الذكاء الصناعي متنوعة، ولكنها سوف تتشابه كثيرا، وخاصة لناحية خلوّها مما يشعر قارئها أن فيها نقاشا بشريا يختلف من إنسان لآخر.

هل يجوز للجامعات اعتبار استخدام الذكاء الصناعي في كتابة البحوث والمقالات شكلا من الغش؟ أم سيصبح مقبولا تسليم مقالات كُتبت بالذكاء الصناعي؟

عندما ظهرت الحاسبات الإلكترونية الصغيرة، انتشر استخدامها بين طلبة التخصصات العلمية، وهذه الآلة اختصرت الكثير من وقت مستخدمها في حل مسائل رياضية يدويا. لكن دورها كان مقتصرا على ضرب وقسمة الأرقام وما شابه من أمور تستخدم في الرياضيات والتخصصات العلمية، وظلّ حل المسألة الرياضية والوصول إلى الجواب النهائي مسؤولية مستخدمها، سواء أكان طالبا، أم مهندسا، أم أستاذ رياضيات.

وكان من ضمن الواجبات المطلوبة من طلبة الهندسة أوائل الثمانينيات حلّ مسائل معقدة باستخدام الحاسوب، الذي كان وقتها جهازا لا تراه، بل تتعامل معه ببطاقات مثقبة تلقم لجهاز مرتبط بالحاسوب، فيخرج لك الحل مطبوعا على أوراق مترابطة على جانب منها، وتتراكم فوق بعضها. لذا، استخدام الحاسوب لحل المسائل كان مهارة مطلوب اكتسابها.

بعد أن أصبحت الطائرات متوفرة، لا يعقل أن يُلزم الإنسان باستخدام سيارة للسفر إلى مكان بعيد. ولا يعقل أن يطلب من الإنسان أن يمشي أو يستخدم عربات تجرها الحيوانات كوسيلة مواصلات بدل استخدام السيارات.

عندما ظهرت الإنترنت، شاهدنا الإقبال الكثيف على المشاركة في المنتديات وتأسيس مدونات شخصية، وشاهدنا ضعف مستويات الكتابة باللغة العربية. ولا شك أن الإنترنت سهّلت سرقة المواد بقليل من الجهد، بعد أن كانت تحتاج إلى إعادة طباعة من كتاب أو مجلة. وصارت مواقع الإنترنت مليئة بالغث والسمين. مع ذلك، ذو الاهتمامات الأكاديمية صار بوسعه أن يحصل على موارد للبحث كالكتب والمجلات المحوّلة إلى نسخ رقمية. لذا حتى هذه المرحلة، التكنولوجيا كانت عاملا مساعدا.

الذكاء الصناعي نقل الأمور إلى حالة مختلفة. الطالب يعتمد تماما عليه ليكتب بحثا أو مقالة، ويريحه من الطباعة، ويكون ما كتب بلا أخطاء إملائية، ويمكنه أن يطلب إعادة صياغة جمل أو فقرات إذا شاء. لذا، اعتبار الذكاء الصناعي عاملا مساعدا محتملا لإفساد التعليم له أسس أقوى مما لو تحدثنا عن تأثير الآلات الحاسبة، أو استخدام الحاسوب للكتابة والطباعة، ففي هذه الحالات، مستخدم الأجهزة لا يزال هو الذي يقوم بالعمل الرئيسي. أما عندما يتعلق الأمر بالذكاء الصناعي، فدور مستخدمه يكون محصورا بطلب ما يريد باستخدام كلمات قليلة أو بعض الجمل، وخلال دقائق يكون أمامه مقالة أو نقاش لفكرة.

من الممكن استخدام الذكاء الصناعي كعامل مساعد للكتاب والباحثين عندما يكون استخدامه مماثلا لاستخدام محركات البحث، فأنت تستخدم غوعل أو غيره للبحث عن معلومات، مثلما يتصفح الكاتب الصحف القديمة تحضيرا لكتابة بحث أو مقالة.

في حال استخدام الذكاء الصناعي كعامل مساعد، له ميزه تريحك من التنقل بين مواقع وجدها لك غوغل أو غيره، وهذا يقلل من تعاملك مع الإعلانات في المواقع المختلفة، والموافقة لها على تنزيل "كوكيزز" على حاسوبك، فتكون كمن يعمل في مكان هادئ.

المتابعون لأخبار التطورات في مجال الذكاء الصناعي يعلمون أن الصين دخلت الميدان بقوة من خلال نظامها المسمى ديبسيك (deepseek)، وهو مجاني الاستعمال، وأعتقد أنه لا يضع حدا أقصى لعدد مرات طرح الأسئلة عليه، بخلاف مواقع أميركية. كما أن للفرنسين موقع ذكاء صناعي لست ملما بمزاياه بعد. هكذا أفسدت الصين على الولايات المتحدة تحويل الراغبين في استخدام مواقع الذكاء الصناعي إلى دجاجة تبيض ذهبا، مثلما الأمر المتعلق بنظام ويندوز وبرامج مايكروسوفت وغيرها، فأنت تشتري حاسوبا، لكنك لا تملكه تماما، بل تشتري نظام التشغيل، وبرامج أخرى مفيدة لك. وهناك انتقال تدريجي من بيع البرامج إلى استخدامها عبر اشتراك سنوي فقط، وهذا النمط مفروض الآن على مستخدمي برامج شركة أدوبي، وبدأت ميكروسوفت السير على هذا الطريق.

أعود إلى النقطة التي وددت إثارتها في هذه الكلمة، أي استخدام الذكاء الصناعي في التعليم الجامعي وخاصة في التخصصات التي تعتمد على كتابة بحوث ومقالات عمادها التفكير النقدي والإبداع. أعرف من ناحية أن كتابة الذكاء الصناعي بحثا لك أمر سيء للغاية، وأعرف من ناحية ثانية أن الطلبة وغيرهم لن يحجموا عن استخدام الذكاء الصناعي، وسوف يسارعون إلى استخدامه مثلما أقبل الناس على استخدام الحاسوب والإنترنت والآلة الحاسبة والطائرة والسيارة.

هل سيصبح الأمر مقبولا؟ هل سوف تتبنى الجامعات سياسات تحدد المقبول والممنوع في هذا المجال؟ هل ستتغير أساليب تقييم الطلبة ومنحهم الدرجة المتناسبة مع جهودهم في التحصيل العلمي وتفوقهم فيه؟ هل التعليم بطرقه المعروفة قبل الذكاء الصناعي ستتغير؟ هناك تساؤلات كثيرة تحتاج إلى نقاشات في المجتمعات عامة، وفي الأوساط التعليمية خاصة.

= = =

مواقع ذكاء صناعي:

ديبسيك (DeepSeek):

https://www.deepseek.com/

ميسترال (Mistral):

https://mistral.ai/

أوبن أيه آي (Open AI):

https://openai.com/chatgpt/

D 1 آذار (مارس) 2025     A عدلي الهواري     C 0 تعليقات

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  تتويج حب

2.  نصوص قصيرة

3.  إشكالية تطبيق المصطلح اللساني في الدراسات اللغوية العربية

4.  تقديم لرواية نجيب محفوظ الشحاذ

5.  دار الآداب: موقع جديد

send_material


linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox