منال الكندي - اليمن
تنهيدة حرية في صمت القيود
"ثقيلة هي قيودي. الحرية كل مناي. أشعر بخجل وأنا أحبو إليها". (طاغور: الشاعر الهندي)
عاشت داخل قضبان سميكة ولم تكن من حديد، بل تفاوتت قضبانها بين طفولة مخنوقة متعبة، كبلتها تقاليد نسجت خيوطها من الخوف والجهل بالحقيقة.
ليست القيود دوما سلاسل من حديد. أحيانا تكون من أفكار، من خوف، من ذاكرة ثقيلة أو من صورة رسمناها لأنفسنا وأغلقناها في إطار. نَحبو نحو الحرية، لا لأننا لا نملك القدرة على الطيران، بل لأننا لم نؤمن بعد أننا خُلقنا بأجنحة.
وفي صمت القيود، حيث يبدو كل شيء ساكنا، تنبعث أولى إشارات الانعتاق. "لا" بصوت عال، بل بتنهيدة.
قضبان حياة زوجية قتلت طفولتها البريئة، وسُجنت بين حيطان خيانات زوج عاطل، مستهتر، مدلل، يعتمد ويتغذى على تسلط أخواته في تحمل أعباء حياته.
ألمٌ يحفر في وجدانها الخيبات والتعاسة، قُطفت أزهارها الباحثة عن نور شمس تشرق على روحها المتعبة، ورُميت أرضا لتداس تكبرا واستخفافا بإنسانيتها.
ظلت في ضياع وتشتت تبحث في حنايا قلوبهم عن الإنصاف، عمّن يفهم عذاباتها. صرخاتها حطمت القضبان ولم تحطم قلوبهم القاسية، وتضحياتها وألمها لم يجدا قلوبا صاغية. حتى أولئك الذين ظنت أنها ضحت بعمرها وحقها في الحياة لأجلهم، فلذات كبدها، نصبوا لها المقصلة لذبحها وسلب حقها كأم وإنسانة. ما أقسى الوجع عندما يصبح سببه وجع كبدك!
تلك القضبان لم تفقدها إحساسها بإنسانيتها، كانت اللؤلؤة في صدفة، تصارع الرمل وأمواج ابتلاءاتها لتبقى حيّة. نسجت من الصمت أثوابا لتلبسها حتى ضاقت، كانت كلماتها تسابيح غزلت من الحروف شكوى لله بأن ينير لها دربا.
صرخاتها شقت جدران الصمت، وشقت أثوابها لتعلن ثورة، لتبوح بعذابها، وتخرج من تراتيل صمتها بحثا عن حق مسلوب، وحرية مسجونة، أملا في أبجديات حياة تعيد روحها المسلوبة في مجتمع ما يزال يعيش بأفكار ليست من مخافة الله ومحبته.
خرج السجان ليضرب بسياطه، مستخدما كل قبح بداخله ليجلدها في شرفها ويسقط أمراضه عليها. والخبث الكامن في داخله، جعله إرثا أصيلا في نفوس فلدات كبدها، فاجتمع الكل على جعل حياتها مزيدا من الجروح والندوب، تزيدها اقتناعا بأن لا أحد يستحق حتى ندمها على ما قدمته من تضحيات وحب. كان ذنبها أنها انتفضت ثورة على سجنها وسجانيها، ثورة رفعت فيها صوتا لتقول "لا" لكل سوس نخر حياتها.
لم تتصور يوما أن يكون ثمن حريتها دفعها للتنازل عن فلذات كبدها بعد محاولات مريرة من تقديم التنازلات والتضحيات، من الدوس على كرامتها المهدورة لأجلهم، محاولة إكمال حياتها معهم بعيدا عمّن حوّل حياتها إلى سم زعاف.
ما اغرب الإنسان عندما يجعل من الشر مبدأ حياة ووجهة نظر، في عالم ذليل، فاقد العقيدة والحرية والعدالة! لكن يظل الأمل يسري في عروق القلوب البائسة، الحزينة التي تصرخ بداخلها: "وعند الله تجتمع الخصوم".
◄ منال الكندي
▼ موضوعاتي
2 مشاركة منتدى
دمت أيتها العظيمة
رائع ووصف لحالة نفسية مرتبطة بنفسيات أخري معقدة ، التشبيه رائعة