هيام ضمرة - الأردن
البسمة التي أنعشتني
كان يوماً مبتسماً ذلك الذي عزفت فيه صرخة الحياة الأولى لحفيدي، يومٌ تعطَّر برائحة المسك وشذى الانتعاش، انتقلت صرخته عبر الهاتف النقَّال منْ غرفة الولادة إلى مسامعي، فإذا معزوفته تطل على روحي بكل أوتار عزفها، لتزغرد الدنيا مِنْ حولي، كأنَّ كل شيء بات فيها ناطقاً، مغموراً برائحة الفرح، ومغموساً بشوق اللهفة، كأنما يعرف هذا الخداج أنَّ هذه الصرخة ستلئم الجراح وتبلسم الوجع، فقد عزفت اللحظة كل أشجانها وأفراحها في آن معاً.
انهمرت دموعي مدرارة، وتلمست موجوعة جراحي، فصرخته كانت نداءً، وأُولى دفقات الهواء إلى رئتيه كان وجعها رحمة. ما أجمل الأطفال الصغار! وما أروع نقاءهم وصفاءهم!
الأحفاد فرحٌ لا ينطفئ، يميلون حيث تميل أفئدتهم، وحيث يتيقنون طعم الحب والحنان. مناغاتهم أنغام متجددة التوزيع، وغفواتهم طيران هادئ على سحابة منفوشة تؤرجحها النسمات، أشد لحظات جمالهم حين يتثاءب فيهم الصحو من غفوة غارقة، يرفرفون بأطرافهم متناغين.
لفتاتهم صلاة، صراخاتهم نداء مستعجل، مناغاتهم إغراء لا يقاوم للإثارة والفرح، قهقهاتهم أنسام عليلة تمسح عن القلب كل أردان الحياة، فواعجباه كيف يتحولون ويتغيرون، حين يكبرون! يتلوثون، تقسى قلوبهم وتتحجر.
أول جراح الحياة تتلقاها من طفل كبُر، وصار راشداً، أو مِنْ راشدٍ غير راشد، كان يوماً طفلاً نقياً، تسطع براءته كأنوار الشمس، ثم واجهته نفخة قوية أطفأت هذا النور حين كبُرَ، وأخرج من جنباته أسنة شوك يجرِّح بها من لا يجب أنْ يُجرَّح.
نعيش العُمر بذاكرة حُبلى، أحلاماً نندفع لتحقيقها، وآمالاً نرومها نابضة كل حين، نقدم التضحيات تباعاً، ونظن أن ما بعد العسر يسرا، وما بعد التضحية التقدير، نتلقى كثيراً من الصدمات، وأكثر من اللكمات، ونتوقف كل حين لنُمسك علينا لُهاثنا، وندفع فينا أنفاسنا، يتسرب منا هارباً عرقنا، نجر عربة صبرنا كحمار مُذعن، ليأتي مِنْ خلفنا من يركلنا بقدمه غير عابئ بنا، ولهذا تكبو فينا صحتنا، وتفترشنا الكآبة، وإذا الحزن يفتح فينا دهاليز معتمة، تصاب نفوسنا بالهشاشة كما عظامنا، ولا نُحصِّلُ بعد العنت سوى الندامة.
وفي معمعة تصاعد الأحزان، وتكاثر السهام، تبتسم لنا الدنيا من جديد، وتمر علينا نسمات السلوى وكأننا للحياة نعود، هناك دوماً بداية لكل قصة، وبداية لكل حدث، ومثلها بداية للنهاية.
في هذا العمر، يُغرينا فرح إقبال الأحفاد، تهيم أرواحنا بأرواحهم، فهم الملائكة المُحلِّقة فوق غيمات العناية الإلهية، أطيار بأجنحة ستقوى على زرع الفرح على مدارج الحياة، خُلِقوا ليُغردوا، ويعبئوا الكون أصواتاً ننتشي بها، كتاكيت لم يبزغ بعدُ ريشها، نحتفي بهم لأنهم امتدادنا، ولأن فيهم قدراً منا، وطبعاً منسلاً من عمق خواصرنا، تنفتح لهم مخزونات مشاعرنا كلها، وبلهفة الظمآن نشرب ملامحهم حتى الثمالة، نسكر بهم.
يُرنحنا الفرح كلما ابتسموا، ويضج فينا الوله كلما ارتموا آمنين على صدورنا، ودفنوا رؤوسهم في أحضاننا، تتحسسهم أناملنا بحنو بالغ، كأنما ننتقل معهم على بساط الهناء مخترقين سماء الكون الشاسع، نحلق سويا، ونرتل أغاني النوم مع حوريات السماء، تهدهدنا مواويل أورثتنا إياها الجدات، فيها ملامح العز والكبرياء، فيا مرحى بتلك التراثيات الموروثة.
في اللحظة الأولى التي احتضنت فيها حفيدي وكان يغطُّ في نوم هنيء، اتسعت فضاءات روحي حتى خلتها والكون عالما واحدا، شممتُ فيه أفخر عطر رباني، فأسكرني شذى رائحته، وطيب مسكه، وتحسستْ قبلتي على جبينه طلاوة بشرته، وسطوع بياضها، تحتقن بشرته بوردية ساحرة، وشفتيه المتوردتين تقطران الشهد، فيما زغب شعر رأسه الأسود يُحوِّط ملامحاً ساحرة دقيقة التفاصيل.
تأملته وروحي تُسبِّحُ لملكوت الكون، لله معجزة التخليق ما أروعها! إعجازٌ ربانيٌّ خارقٌ خَلقُ هذا الإنسان، كيف ينمو مِنْ علقة، ويتخلّق في هدوء وعلى مراحل متتابعة، ليغدو إنساناً صغيراً لغته الصراخ، يبحث فمه المشرع عما يشبع جوع أمعائه.
كانت أجهزة جسمي كلها تدور في سرعة عجيبة، خلتني مصنعاً للعواطف يهدر بآلاته، وقد تدفقت بها الحياة منْ جديد، كيف ينتشلنا الفرح منْ أعتى أحزاننا ليرمم ما أتلفته فينا محننا، التصقت نظراتي في ملامحه أقرأها نوراً وحياة.
شكراً لك إلهي أنْ منحتني مكرمة مِنْ خلقك، وسرَّبت دبيب الفرح إلى كل أوصالي، لتنتعش بي الحياة. كم من عشرات حوادث القهر أحالت للبؤس حياتنا! وكم من الأدوات الحادة جرَّحت بالنكران أفئدتنا! فحين يُداهمنا العجز؛ يُغلغل بالأمراض أجسادنا ليتركنا في الهزال نقلب وجعنا على لهب الغصات.
لكن حين أطل وجه حفيدي الجميل تغير وجه الكون، تنكر للعبوس وصار مبتسماً سعيداً، وصار ساكن الموج يذرو أصدافه ليرصف قلوبنا، هذه الوجه الملائكي الجميل فتح طاقة الذكريات وتركها مشرعة، لأختنق بغصة الافتقاد، أي مصادفة جميلة أنْ يُولد حفيدي الآسر في نفس التاريخ الذي ولد فيه المرحوم زوجي! فما أكرمك يا إلهي! وكأنما أردت للامتداد أنْ يظل على ذات موعده السنوي، لنظل نحتفل بالمولد بنفس هذا اليوم من كل عام، فهل سيحمل هذا الطفل نفس صفات الراحل الرائعة؟
وقفت أتأمل وجه الصغير خاشعة أمام رهبة النعمة العظيمة التي وهبنا بها الخالق، فأنت يا صغيري ستكون سبباً في رأب الصدوع، وستحطم أعشاش الغربان في محيطنا، وستنظف أدران القلوب من لؤمها، وترسم أبخرتك على مرايانا أشكالاً سليمة غير مشوهة، القلب يا صغيري يتسع لك ليغدو ملعبك، ويغمره النور مبعداً عنك الخوف لتنمو سليم النفس مُعافى، ستتناولك السواعد كشيء ثمين، وستحبك القلوب كإنسان أثمن.
ها أنت تدخل الحياة لتحجز مكانك فيها، ستكبر ويكبر فيك الإدراك، وستنجز لنفسك ومستقبلك كما هي العادة، لكن لا أظنك ستخطئ كمثل ما أخطأ سواك، ربما يعصمك الله عن ذلك، وينجيك من سوء انحراف العقل الأناني، فليحفظك المولى من كل مكروه، ولتُحصِّنك آياته وأدعيتي يا صغيري، فامش على درب الأمان الهُوَيْنى، فالحياة تستحق أنْ نستمتع بها على هون، وأنْ نجعلها بنقاء روحك العابقة بكل الجمال، فأنت اللؤلؤة التي أخرجها الله مِنْ صدفتها في أقصى العتمة، لتنير الأفئدة، وتقشع بالضوء كل ما كان غير واضح، أو كل ما كان مُظللٌ بالغباش.
اهنأ يا صغيري بعمرك، وكنْ ابنا باراً لا يكسر قلب والديه، عمِّر القلوب المرهقة بطوب السعادة، فهي تستحق أجمل ما بالكون، وأفضل ما به، لتتعطر بأريجك الدنيا ويمتد ربيعها، فالقلوب مهما شاختْ فإن السعادة تُنهض بها عزمها مِنْ جديد.
◄ هيام ضمرة
▼ موضوعاتي
9 مشاركة منتدى
البسمة التي أنعشتني, إبراهيم يوسف- لبنان | 25 أيار (مايو) 2012 - 10:57 1
ألسيدة الأخت هيام ضمرة
وضعتُ تصميماً لحكايةٍ، أو أكثر بوحي من "البسمةِ المنعشة".. أقصُّها على حفيدِك في العددِ المقبل، فأرجو أن أوَفّق..؟ هذه وثيقتي للوفاء له، وسائرِ الأحبةِ الأطفال
1. البسمة التي أنعشتني, 5 حزيران (يونيو) 2012, 15:00, ::::: هيام ضمرة
أخي الفاضل، الرائع بإنسانيته والمبدع بمداد يراعه، والحصيف بأدبياته.. الأستاذ ابراهيم يوسف، كم تسعدني مبادراتك على تفردها، حين تجعل للأعمال الأدبية للأدباء صدىً جميلاً يرسم امتداداً للأشياء، إنها النفس الأديبة التي تتفاعل مع النص وتنتشل منه ملهمات جديرة بوضعها في نص أدبي لائق، يليق بمخرجاته الأدبية.. وثيقتك أستاذي موضع تقدير وشوق انتظار، فأهلا منك الوفاء الذي تعودناه، ومرحى بروح حين تعطي من ملامح ابداعها فإنها تجيد رسم الألق على فضاء أوسع.. حياك الله ورياك.. دمت بذات نفسك التي تسمو وتسمو
البسمة التي أنعشتني, مكارم المختار | 26 أيار (مايو) 2012 - 03:53 2
هيام ضمرة: بورك الحرف الذي وصف الحياة ببساطتها ورسم الدنيا بسيطة من قناعة ورضا وجعل البسمة نورا يشع وضياء يسنو. أخذني سردك الى واقع الحال وسحبني الى حيث أنت حتى خلت نفسي اشاركك الموقف مع تمنياتي "بتمام الخلق والسلامة" كما يقولون. سعدت بأبتسامتك وسأكون أسعد وأحفادك يملؤون عليك البيت سعادة وفرحا وهم رجال مستقبل يعوض بالخير والبشارة تبيض منه الوجود وبهم تنصع. اللهم امين.
مكارم المختار - العراق
1. البسمة التي أنعشتني, 5 حزيران (يونيو) 2012, 15:11, ::::: هيام ضمرة
الأديبة المبدعة مكارم مختار كما أنت بحضورك تسطعين بحرفك ولفظك، كيف لا وأنت ابنة العراق الأبية .. ابنة البلد الذي كان مبتدأ الحضارة، ومنارة العلم والابداع على مدى قرون وأجيال، حتى وصل صاده ومن ثم أثره إلى كل أنحاء العالم، فشكرا عزيزتي لك هذه النفحات الطيبة والأماني التي دغدغتي بها مشاعر الجدة
البسمة التي أنعشتني, أشواق مليباري | 26 أيار (مايو) 2012 - 06:34 3
أنهيت قراءتي وأنا أتذكر ابنتي حين تشدو لجدتها فتقول:
لي جدَّة ٌ ترأفُ بي أحنى عليَّ من أبي
وكلُّ شيءٍ سرَّني تذهب فيه مَذهبي
نصك منعش مبهج، ومبكي مؤثر...
حفظ الله لك (كتاكيتك)
وأطال الله في عمرك يا أستاذتي، وبلغك أغلى أمانيك فيهم
1. البسمة التي أنعشتني, 5 حزيران (يونيو) 2012, 15:22, ::::: هيام ضمرة
الأديبة الرائعة أشواق مليباري وأنت مجمع أرقى المشاعر وأجمل المعاني.. سيكبر يوماً أبناءك ويصبحوا بإرادة الله آباءاً، وتصبحين جدة يتلهف قلبك غريد الأحفاد، تناغيهم ملتقطة أجمل اللحظات وأروع المشاعر، رغم أن حياتي تمتلأ بالجمال والحمدالله إلا أن لحظات لقائي بحفيدي لا تضاهيها سعادة، فما يرتبط بأبنائنا هو غالي على قلوبنا، فكيف حين يكون هذا الرابط هو الحفيد.. وخاصة حين يُظهر هذا الحفيد نبوغاً وذكاءاً وتفرداً، ويرتبط بك بعاطفة قوية جياشة.. أتمناها سعادة لك وللجميع
البسمة التي أنعشتني, أمل النعيمي | 27 أيار (مايو) 2012 - 10:14 4
الغالية هيام ضمرة: شهادتي فيك وبنصّك مجروحة فقد تشرّفت بمعرفتك على أرض الواقع وعرفت نقاء قلبك وطهارة روحك فمابالك وانت تصفين مشاعرك تجاه حفيدك وكما تقول الأمثال الدارجة: أعزّ من الولد ولد الولد...لم يسعفني الحظ بمعرفة الراحل زوجك لكن الطيبون للطيّبات. أتمنّى أن يكون شبل المستقبل امتدادا لجدّه ووالده ومن شابه جدّه وأباه فما ظلم مع كل التقدير والاحترام.
1. البسمة التي أنعشتني, 5 حزيران (يونيو) 2012, 15:31, ::::: هيام ضمرة
الأديبة المبدعة والدكتورة القديرة والانسانة الراقية، والصديقة الغالية أمل النعيمي.. أعتز كثيراً بك وبالمشاعر التي تبديها نحوي، وهذا ليس بغريب عنك وأنت نعم الصديقة القريبة، ونعم الانسانة المعبأة باللطف.. ليتك عرفت عظم انسانية زوجي الراحل ورقي طباعه وسمو خلقه.. ابني فيه صفات كثيرة منه وأحسب أن حفيدي سيحمل الكثير منها أيضاً.. وهو مركز اهتمام الأسرة كلها.. يتنافسون على منحه كل الرعاية والعناية.. ربي يحفظك أيتها الغالية ويضاعف ألقك
البسمة التي أنعشتني, هدى قمحيه نابلس فلسطين | 27 أيار (مايو) 2012 - 15:41 5
"لفتاتهم صلاه,صراخاتهم نداء مستعجل,مناغاتهم إغراء لا يقاوم للإثاره والفرح,قهقهاتهم أنسام عليله تمسح عن القلب أردان الحياه,فواعجباه كيف يتحولون وبتغيرون حين يكبرون !يتلوثون, تقسى قلوبهم وتتحجر .
أبدعت ياسيدتي في هذه التشبيهات الرائعه الممزوجه بمعاني الحياه ,أبدعت حين أتقنت الوصف لهذه المشاعر النبيله لهذا الحفيد الغالي ,وحين تطرقت وبخوف شديد من تقلب الأولاد وأحوالهم من البراءه والوداعه إلى التحجر والفظاظه...وكأنك تثيرين موضوعآ آخر هوتغير النفس البشريه وتأثرها بالمحيط حولها.
اسلوب مميزومتقن في اختيار عباراته وانتقاء ألفاظه وروعه تصويره ...
حفظ الله حفيدك من كل سوء ,وأطال بعمرك لترينه من عبادالله الصالحين ..وأدعوالله أن يكون سندآ لك ولوالديه وليقدر هذه الجوهره الثمينه التي أنجبت وربت وكبرت وتمنت ..هي الجده هيام
_
_
1. البسمة التي أنعشتني, 5 حزيران (يونيو) 2012, 16:46, ::::: هيام ضمرة
الرائعة الراقية هدى قمحية.. رد فعلك جميل السكب رفيع الغاية، عميق الدلالة، فما ألطفك وما أذوقك وهذا عهدك على ما عرفتك عليه، تمتلكين تعبيراً جميلاً وتذوقاً أدبياً رائعاً، شكراً جزيلاً على ما اتحفتيني به من جميل عباراتك ولفتاتك..... هذه سنة الحياة أن يولد الأطفال أنقياء أصفياء، وكلما ولجوا متاهات الحياة التقطوا ما التقطوا، فيتلوثون حين يكبرون، ويصبح منهم السيد المتسلط، والشيخ الصالح، والحاكم الظالم، والفقير البائس ووووو..الخ، تلوثهم الحياة قليلاً أو كثيراً، فالبيئة والظروف والمناخ وتراكمات العقل كلها تلعب دوراً في تشكيل شخصيته ونفسيته ورد أفعاله، فهتلر وموسليني وقورش واسكندر وقياصرة الروم كانوا أطفالاً بريئين جميلين لا تبدو عليهم مظاهر العنف والارهاب.. شكرا لدعائك الرائع وتمنيات لأيام قادمات تكوني فيها الجدة الرائعة وتنتشلي من السعادة بقدر ما انتشلت واكثر.. دمت رائعة
البسمة التي أنعشتني, مهند النابلسي-كاتب فلسطيني مقيم في الاردن | 28 أيار (مايو) 2012 - 08:04 6
نص رائع وممتع وتفاعلي وتفصيلي ومصاغ بلغة جذابة "كاريزمية" ، ولكنه عائلي أكثر من اللازم ، ولم يحافظ على البعد الانساني-الفني المطلوب ، وهذه اشكالية الاحظها في الكثير من الكتابات الأدبية النسائية( العربية تحديدا) ، حيث ينغمس النص أكثر من اللازم في التجربة العائلية الشخصية ويتحول لالبوم صور ! ويبدو وكأنه كتب للفيس بوك...
1. البسمة التي أنعشتني, 6 حزيران (يونيو) 2012, 04:45, ::::: هيام ضمرة
حياك الله ابن بلدي الأديب الكاتب مهند النابلسي.. أفرحنا جميل تعليقكم واستفز ردنا في آن معاً.. غريب وصفك للنص بأنه عائلي أكثر من اللازم وأنه لم يحافظ على البعد الإنساني الفني المطلوب، وكأنى بك تطالب الكاتب أن يتجرد من إنسانيته ومن ذاته الداخلة، أليس كل كاتب يمتح في الأصل من تجاربه ومن أحاسيسه الداخلة، وأن الكتابة مهما تجردت من العاطفة هي ناتج رؤى داخلية تعفر في طبع الكاتب وثقافته وحتى بيئته، وهذا النص ليس بقصة ولا مقالة حتى أدبجه وسم الحيادية، فلولا اعطائه شيء من العاطفة ومن الخصوصية بحجم خاص وكيفما يرتئيها الكاتب لبدت مادة جافة لا تختلف عما سواها من الكتابات.. وأعتقد أنك وقعت في مطب كبير حين ولجت حالة التجنيس الأدبي، أتحدى أي شخص يدعي قدرته على تجنيس النصوص الأدبية لو أخفيت كتابها وعرضت النصوص دون ذكر كاتبها، وعندي من ذلك الكثير الكثير من القصص، فالكاتب قد يغرف من خياله وقد يمتح من بيئته....
والأغرب حقيقة مما صدر عنك قولك أنه يبدو أن النص كتب للفيس بوك.. عجباً لك هل هناك كتابات خاصة بالفيس بوك وأخرى لخارجه.. أرى أن ما بدر عنك كان قولاً لمجرد الاستفزاز لانتشال شهرة والله أعلم.. منحك الله ما ابتغيت دون داع لاستفزاز الكتاب أو حتى المتلقين.. دمت غير مستفز
2. البسمة التي أنعشتني, 6 حزيران (يونيو) 2012, 17:17, ::::: مهند النابلسي
شكرا لملاحظاتك الرائعة وذات الطابع النقدي وتأكدي أني لا اهدف ابدا للشهرة ولا للاستفزاز ابدا ، فهذا ليس من طبعي ، بل اني افضل في حالات كثيرة الاختباء والاختفاء ، وكل اللذين يعرفوني شخصيا ينتقدون عزوفي وزهدي في الشهرة والاستعراض! ولكني صريح ومباشر اكثر من اللازم احيانا ، وأتمتع او لا اتمتع بحاسةنقدية جارفة او لنقل غريزة نقدية طبيعية ، وهذه سببت لي بعض المشاكل احيانا بل وفي ابعاد الفرص المتاحة احيانا اخرى ! أنا اعجبت كثيرا بنصك في البداية ورأيت فيه جاذبية كاريزمية نادرة ونفس ادبي راقي واستثنائي ، ولكن غريزتي النقدية دفعتني لابداء الملاحظات التي تسببت في استيائك ، فارجو المعذرة ! وحتى تتاكدي من حياديتي بالنظر للامور ، ارجو التكرم بقراءة ملاحظتي تجاه نص هدى الدهان وهو ايضا نص شخصي (وهو بعنوان خشب قديم !) : نص جميل استثنائي حافل بالحكم الخفية بين الثنايا ، ويقتحم سيكلوجية النفوس البشرية المليئة بالشك والتوجس وما نسميه نحن بالعامية الفلسطينية "شوفة الحال " او لنقل الغرور ، الماضي ولى ولا يمكن استرجاعه ، وكما قال الموسيقار المبدع "عبد الوهاب " في احدى اغانيه : اللي نسيك انساه ! ربما الأمثال العربية الكثيرة تعكس الواقع المعاش للبشر ، وفيها الكثير من المضامين اللافتة ومنها :"الأقارب عقارب " ، أما موضوع عودة المياه لمجاريها فكما يقول الكاتب المبدع ماركيز فربما يفضل أحيانا أن نفهم المضمون بالعكس ! شكرا للمبدعة هدى الدهان التي عكست تجربتها الحياتية ببراعة فحولتها لأدب مقرؤ يمكن الاستمتاع به ، وانتقلت من الشخصنة لتخوم ارهاصات العلاقات البشرية المعقدة ، وهنا نجد حجر الزاوية الدقيق الذي يحول الحالة الشخصية لسرد أدبي !
3. البسمة التي أنعشتني, 10 حزيران (يونيو) 2012, 10:51, ::::: هيام ضمرة
أريد من قراء عود الند أن يعرفوا أني اعتذرت من الأستاذ مهند النابلسي بشكل شخصي فلم أقصد أن يبدو في ردي تجريح من أي شكل.. شاكرة له نقده البناء وغير مستنكرة عليه غريزته النقدية ويشرفني أن تتعرض نصوصي وكتاباتي لنقده.. بل أرحب بذلك تماماً.. وشكر خاص لأستاذي الكبير ابراهيم يوسف وأخوته الحقة وإنسانيته الرائعة.. وكذلك شكر خاص لعود الند ومحررها الرائع عدلي الهواري.. ونكبر بالكبار
4. البسمة التي أنعشتني, 11 حزيران (يونيو) 2012, 00:33, ::::: مهند النابلسي
الأديبة المبدعة هيام ضمرة : لقد أخجلتني وتفوقت علي بأخلاقك الراقية التي تتمائل مع ابداعك الأدبي ولغتك السحرية ! فشكرا لهذا الموقع الفريد الذي اتاح لنا التعرف على شخصيات ادبية رفيعة مرهفة الحس وتفاعلية وتنبض بالذوق والأخلاق.
البسمة التي أنعشتني, هدى الدهان | 3 حزيران (يونيو) 2012 - 06:03 7
"فأنت يا صغيري ستكون سبباً في رأب الصدوع، وستحطم أعشاش الغربان في محيطنا، وستنظف أدران القلوب من لؤمها، وترسم أبخرتك على مرايانا أشكالاً سليمة غير مشوهة "
هذا عبء ينوء به الكبير فما بالك بمن عمره سويعات .حتى يضل نقياً يجب ان يعيش بعيدا عنا وعن خلافاتنا و عثراتنا و ان كبر وهو على هذه الحال من الصفاء الروحي فلن يستطيع العيش في عالمنا .افضل ان يتلوث مثلنا و يصبح احياناُ لئيما حتى تصبح لديه مناعة للعيش معنا و لايصاب ببكتريا من اول صدمة عاطفية تواجهه او بجرح غير قابل للشفاء لانه غار كثيرا في الروح من اول معركة خاضها .
1. البسمة التي أنعشتني, 11 حزيران (يونيو) 2012, 04:34, ::::: هيام ضمرة
المبدعة المتألقة هدى الدهان.. كثيراً ما تقوم بعض الأحداث في حياتنا بإحداث تغيير أو تحول.. ومولد أول حفيد هو حدث فريد من شأنه أن يحدث تغييراً في المواقف، والتحميل هنا راجع للحدث نفسه وليس للطفل، ولادة الطفل أحدثت حالة مراجعة مع الذات وحالة غفران، وهو التحول الايجابي الذي منحه وجود الحفيد المتلهف عليه، وسنة الحياة أن يخلق الإنسان ناصعاً نقياً ويتلوث من خلال التجارب والاحتكاك وتفاعل نفسه البشرية معها، وقد ظهر على وجه الخليقة كثيراً من الشخصيات الدموية و المجرمة فهل ولدوا بإجرامهم أم كانت فيهم هذه الصفة نتيجة تلوث متقدم..؟
تحيتي وودي
البسمة التي أنعشتني, إبراهيم يوسف- لبنان | 10 حزيران (يونيو) 2012 - 16:19 8
ألأخت والصديقة العزيزة هيام
وإذا كانتِ النفوسُ كباراً تعِبَتْ في مرادِها الأجسامُ
هيام ضمرة قامة عالية. كان يشرفُني بحق أن أتعرفَ إليها منذ اليوم الأول، ويأتي اعتذارُها اليوم ليعززَ قيمتَها وقامتَها مرةً أخرى، ويبرهنَ أنها تملكُ من الشجاعةِ ما يفتقرُ إليه الرجال "إن صحِّتِ المقولة بشجاعتهم"؟، وما يكفي لكي تعتذرَ أمامَ الملأ عمَّا اعتبرتْه لنبلِ أخلاقِها إساءةً تستدعي الاعتذار، فألفُ شكرٍ لك يا صديقتي المحبوبة باسمي، وبالنيابة عن الأخِ الكريم مهند النابلسي.
البسمة التي أنعشتني, سمير الشريف/الأردن | 11 حزيران (يونيو) 2012 - 02:34 9
جميل وعميق ومتألق هذا البوح
احفادنا هم ذلك الاحساس الجميل الي يجذّر وجودنا
ونرى فيه امتداننا,
بورك المداد والألق..............
1. البسمة التي أنعشتني, 11 حزيران (يونيو) 2012, 04:40, ::::: هيام ضمرة
الأديب والناقد المبدع سمير الشريف.. الشكر الخالص لوقوفكم على نصنا وتوقيعكم الزاخر.. الأحفاد ترنيمة شجية تعزف على أوتار قلوبنا بالسعادة والفرح، ننهي واجباتنا نحو أبنائنا لنستمتع بعدها بأحفادنا، في وقت نكون فيه تواقين لوجه البراءة وتفاعلات رد أفعالهم معنا.. تحية وتقدير يليق