عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أدب المقاومة مقتطفات


المقاطع أدناه مقتطفة من كتاب غسان كنفاني: "الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال: 1948-1968". الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت (1968).

.

مقطع من قصيدة "طفل من شعبي"

الشاعر: حنا أبو حنا

خلف القضبان، من الشباك يطل جبين

كهلال طفل هلَّ عليّ

وضاحِ الإشراق فتيّ

كالنعنع غض، كالريحان شذاه حنونْ

خلف القضبان يطل جبين

وتشع تفتش في حلك الدهليز عيون

وترف كأجنحة بيضاء

وتحوم في عزمٍ ومضاءْ

تتحدى العتمة، تبحث عن آثار سجين

خلف القضبان تشع عيون

عينا طفل لمّا يتجاوز عشر سنين

يتسلق شباك السجنِ

ويطل لكي يبحث عني

ويفيض على أفقي الساجي أملا وحنين


مقطع من قصيدة "موال"

الشاعر: محمود درويش

إذا خسرت الصديقة فقدت طعم السنابل

وإن فقدت الحديقة ضيّعت عطر الجدائل

وضاع حلم الحقيقة

= =

عن الورد أدافع شوقا إلى شفتيك

وعن تراب الشوارع خوفا على قدميك

وعن دفاعي أدافع

= =

"يمّا مويل الهوى

"يما مويليا

"ضرب الخناجر ولا

حكم النذل فيّا (*)

(*): أغنية من التراث الشعبي الفلسطيني


مقطع من قصيدة: بطاقات إلى ميادين المعركة

الشاعر: سميح القاسم

البطاقة الأولى: إلى الأسطى سيد

يا اسطى سيد

إبن، وشيد

شيد لي السد العالي

شيد لك

أطفئ ظمأ الغيظ الغالي

وامنحنا، وامنح اهلك

كوبا من ماء

وخضارا وزهورا وضياء

يا اسطى سيد

أزف الموعد

والقرية في الصحراء العطشى

تحلم

والبذرة في الثلم الصابر تحلم

فادفع أشلاء القمقم

في أشلاء الصخر المتحطم

وابن وشيد

يا اسطى سيد

باسم ضحايا الأهرام وباسم

الأطفال

ابن السد العالي

يا صانع حلم الأجيال


مقطع من قصيدة " "كلمات عن العدوان"

الشاعر: توفيق زياد

إننا للمرة الألف نقول:

نحن لا نأكل لحم الآخرين

نحن لا نذبح أطفالا ولا

نصرع ناسا آمنين

نحن لا ننهب بيتا

أو جنى حقل

ولا نطفي عيون

نحن لا نسرق آثارا قديمة

نحن لا نعرف ما طعم الجريمة

نحن لا نحرق أسفارا

ولا نكسر أقلاما

ولا نبتز ضعف الآخرين،

فارفعوا أيديكم عن شعبنا

يا أيها الصم الذين

ملأوا آذانهم قطنا وطين

إننا للمرة الألف نقول:

لا، وحق الضوء

من هذا التراب الحر

لن نفقد ذرة

إننا لن ننحني

للنار والفولاذ يوما

قيد شعرة

كبوة هذي وكم

يحدث أن يكبو الهمام

إنها للخلف كانت

خطوة

من أجل عشر للأمام


مقطع من قصيدة "وهم"

الشاعر: نزيه خير

مزارع الضباب في قلوبهم

وفي عيونهم ضراوة الحريق

مدوا يد المصير

لعالم بلا مصير

ورحلة التيار قصة

تمر في نفوسهم

تعود في مدارج الشقاء

منزوعة

من كل ما في الصبح من رجاء

منزوعة من فجرها الأصيل

والوهم لم يزل خلودهم، ولم تزل

مزارع الضباب في قلوبهم

وفي عيونهم ضراوة الحريق


مقطع من قصيدة "الجياد"

الشاعر: راشد حسين

في بلاد الآخرين

يولد الطفل صغيرا

فيصبون على أيامه دفئا ونورا

ثم يروون له من قصة الشمس

سطورا

واذا الطفل الذي كان صغيرا

رجلا يصبح، إنسانا كبير

= =

في قرانا يولد الطفل أميرا

فيصبون على عينيه ليلا ونذورا

وعلى جلدته الرخوة يبنون قصورا

واذا الطفل الذي كان أميرا

قزما يصبح، إنسانا صغيرا

يشرب الوحل ويجتر القشورا


مقطع من قصيدة يوم جديد

الشاعر: فوزي الأسمر

لا بد من يوم جديد

يوم

تخاف الشمس فيه من العبيد

والفجر يهزأ بالقيود

وبالحديد

والطفل يحتضن النشيد

ويدوس بالقدمين تعبانا حسود

ويدق صدر الأرض، يقتحم السدود

والطفل في أرواحنا شيء جديد


مقطع من قصيدة "السجن والكفاح"

الشاعر: محمود دسوقي

لن يرهب السجن أحراراً لنا سجنوا --- أو عذّبوا بنواحي الأرض واعتقلوا

لن يرهب السجن آسادا مزمجرة --- لا ترهب النفي والتعذيب ما فعلوا

لن برهب السجن من أملاكه سلبت --- وبيته درست آثاره "القلل"

أضحى يهيم، فلا أرض ولا بلد --- ولا بيوت ولا مال ولا عمل

أين العدالة يا من تدّعون بها --- أفي العدالة "تصريح" و"معتقل"

أفي العدالة "تركيز" "مصادرة " --- و"حاضر غائب" فيها كم الرجل

ثوروا على الظلم والطغيان واتحدوا --- إلى متى شعبنا للظلم يحتمل


مقطع من أقصوصة "وأخيرا نوّر اللوز"

المؤلف: أبو سلام/اميل حبيبي (*)

لم تطل دهشي حين ارتقت بنا السيارة، لأول مرة بعد حرب حزيران، في منعطفات طلعة اللبن اللولبية، في الطريق من نابلس إلى رام الله.

فلتت مني شهقة حين عبرنا المنعطف الأول، وارتج لساني ومقود السيارة في يدي. وهتفت بزملائي الذين كانوا معي في السيارة: عشرين عاما وأنا أحلم بهذه المنعطفات اللولبية. هذه الطلعة لم تغب عن ذاكرتي يوميا واحدا. اني أتذكر كل منعطف فيها. هي أربعة فعدوها. وهذه الجبال المشرئبة تحرس السهل الأخضر. هي عشرة فعدوها. وهذا الهواء النقي، هذا الأريج أعرفه. اني استنشق رائحة رافقتني طول العمر. هذا المكان مكاني.

(فهمت. الآن فهمت لماذا جاء هذا المسكين إلي بعد انقطاع عشرين عاما. يا لصديق الصبا، كم قسا الدهر علينا! عذرا على شكوكي. وكدت أقوم كي أعانقه. ولكنه لم يمهلني).

فلم ينقطع الأستاذ "م" عن حديثه:

بعد إلحاحي رضي زملائي بأن أوقف السيارة عند المنعطف الأخير، الرابع. ونزلوا معي لنستنشق ذلك الهواء ولنملأ عيوننا بمشهد الجبال والسهل المحروس. وأشجار اللوز تملأ السهل والجبل، أما كان أجدر بهم أن يسموها منعطفات اللوز؟

وكان شيء في داخلي يدعوني إلى السجود. وكان شيء في عيني يذوب دمعا. وشعرت شعور المشاهد عجيبة تقع أمام ناظريه. وكأني أحيا مرة ثانية سني شبابي الماضية، في مراتع صباي، لا أراها فقط بل أحياها، واستنشق هواءها وأحس بدماء الصبا، مع رائحة الطابون والقطين تجري مشبوبة في عروقي.

ولكن زملائي لم يمهلوني. وسرعان ما أسقطوني من شواهق منعطفاتي إلى واقعي في الحضيض. هذا يريد متابعة السفر حالا لأن تصاريحنا لا تنص على انه يسمح لنا بالنزول في طلعة اللبن. وهذا يتهكم على ذكرياتي عن هذه الطلعة بأنني في يوم من الأيام، قبل عشرين عاما، قد بولت في أحد منعطفاتها. وغير ذلك من الكلام الذي ألفناه نحن الأساتذة حين نبتعد عن طلابنا وعن زوجاتنا.

(*) عرّف كنفاني المؤلف بكنية "أبو سلام". ومن المعروف الآن أن "سداسية الأيام الستة" نص من تأليف اميل حبيبي.


مقطع من مسرحية "بيت الجنون" (مسرحية في فصلين)

المؤلف: توفيق فياض

الفصل الأول

حيفا-ليلا

في أحد الأحياء المحاذية للبحر. لا يظهر في المسرحية سوى شخص واحد هو سامي الذي كان يعمل مدرسا للتاريخ والأدب.

يرفع الستار عن غرفة مظلمة تماما. يستمر الظلام، بينما يسمع في الخارج من خلف المسرح، صفير ريح قوية ممزوج بشخير نائم.

ينقطع الشخير بينما تستمر الريح في هبوبها. صوت هذيان متقطع يأخذ في الارتفاع شيئا فشيئا، وفي نفس الوقت الذي يسلط فيه الضوء الأحمر على يسار المسرح، حيث يسير بعدها ببطء ناحية اليمين.
في يسار المسرح يظهر باب مغلق فيه مفتاح، ثم نافذة ذات ستار قديم في الصدر. مكتبة صغيرة تحوي بعض الكتب. ساعة حائط صغيرة تشير إلى العاشرة ليلا.

يستقر الضوء على مكتب في أقصا اليمين تحت ساعة الحائط إلى جانب المكتبة. ترى عليه صورة امرأة، بعض الكتب، وأوراق مبعثرة دونما نظام معين، تحتوي على بعض الكمبيالات المستحقة الدفع. زجاجة خمر تكاد تكون فارغة وكأس. علبة سجائر من النوع الرديء فيها بعض اللفافات. مصباح كهربائي في طرفه الأيسر، مما يدل على أنها لاحد المثقفين. في أقصى اليمين من المسرح إلى جانب المكتب، باب داخلي مغلق.

يسلط الضوء نهائيا على وجه رجل في مقتبل العمر، لحيته طويلة، ولا نظام في شعره البتة، يجلس على كرسي قديم خلف المكتب ويرتدي فوق ملابسه العادية، معطفا شتويا طويلا رثا. يرى مستغرقا في نومه، ملقيا رأسه على ذراعيه فوق مكتبه، بينما بقي الكتاب مفتوحا أمامه.

تتعدد الأنوار على صفحة وجهه بشكل جانبي: أحمر. أصفر. أزرق. أخضر. ثم تتكرر بترتيب منعكس إلى أن تتوقف عند النور الأحمر.

يتعذب النائم في الضوء، وكأنه يعاني كابوسا، ثم يسلط الضوء الأصفر. وفي نفس اللحظة يصرخ بأعلى صوته بفزع، قابضا على عنقه بكلتا يديه مستيقظا.

ينظر في أرجاء الغرفة مذعورا، بينما تأخذ يداه في الارتخاء من حول عنقه. يشعل مصباحه ذا النور العادي، وهو لا يزال يتفحص بنظره كل شيء من حوله متحاشيا النظر إلى الجمهور. يطفئ المصباح بينما يظل الضوء الأصفر يلازمه طيلة الوقت أينما وكيفما تحرك، مستقلا عن الأضواء التي يتطلبها السيناريو.

سامي (مشعلا لفافة): "الكابوس. هذا الكابوس الرهيب. (متحسسا عنقه) مرة أخرى. وكأن أشباح الجحيم، انتقلت جميعها إلى هنا، لتشاركني هذا القبر المتعفن".


غلاف كتاب أدب المقاومة
D 26 تموز (يوليو) 2012     A عود الند: ملفات     C 0 تعليقات