عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أيمن حسين - مصر

كـرة النـور


هل كنت أنا أم واحد غيري؟ ذلك السائر في ممرات ضيقة بطريق مليء بالمنحنيات والمنحدرات والمصاعد في تلك الليلة المظلمة. ولمن كان ذلك الوجه الذي ألقى بداخلي الخوف لما رأيته يظهر، يطير، يشع كرة من نور تسبح في الفضاء إلى أن يستقر بين كتفين فيصير رجلا. وحدها كانت الدموع تخر، وتنميلة سرت في جسدي، بينما بقي فمي مفتوحاً.

قال: لا تخف، مقدورك أن تتبعني لرحبة مكان ينتظرك، وأناس يشتاقون للقياك.

قلت: منذ متى؟

قال: في عالم الغير، كتب علينا أن ندعوك وعليك أن تلـبّي.

تظل سائراً في البراري وسط ذئاب وكلاب وفئران، تلهث، خلف بريق يلمع أمامك. تكل القدم ويتوجع القلب ويزيغ البصر وتكاد الروح أن تزهق. تفيقك الشمس بلفحتها فتقوم.

قال: فر إلى النور علك تقدر أن تمسك به لما يحين الأوان. لا تعجل. سأكون جوارك، حولك، فوقك. ثق بي وبروحك. لما تصل لبقعة النور المباركة اقبض عليها، ضمها، ادخل فيها وأدخلها فيك.

أنظر أمامي. أرى النور على الجبل العالي يهتز، أرمح إليه، أصعد الجبل، أتدحرج، أعاود المحاولة وبصري معلق به، مشدود إليه.

لم يعد بيني وبين القمة إلا القليل، ترتعش أقدامي، التصق بصخور ملساء، أشد الجسد النازز عرقاً، أزحف، أنزلق. ألف وأدور حول الصخر ة الضخمة. أدوخ لما أهبط ببصري لأسفل. أرتمي. أحس بلهيب الصفعة على خدي فأفيق، وأواصل الصعود.

لما تصل لكتلة النور وتبتلعها، أنشب أصابعك تحت مكانها واحفر حتى تجد السّلمة الأولى ثم اهبط بسلام.

أتشبث بأي بروز لتلك الصخرة الملعونة. أحس بجسدي يكاد ينفق هناك: من يساعدني لأعلى ومن يشد قدمي لأسفل، وأنا بين بين. أرفس من الأسفل. أتلو الفاتحة وآية الكرسي فتتوه الكلمات على لساني، فأبدأ في التلاوة من جديد.

انفض أقدامي. اسمع ارتطاما في القعر البعيد، أواصل الصعود. بصعوبة أحاول الوقوف، أفرد جسمي، أستنشق الهواء.

السماء حولي مليئة بالنجوم أبحث عن كرة النور التي كنت أراها. أجثو على ركبتي. اخبط الأرض بقبضتي وانا أبكي. ارفع كفي للسماء. أرى مولد الهلال.

كرة النور تدور حوله. أدعك عيني. أراها تطير، تسبح في الفضاء، تقترب إلي حيث
أنا واقف. حطّت على كتفي الأيمن فالأيسر. تدور حولي. استقرت بين يدي. أضمها، أقربها إلي شفتي.

لا أدري إن كانت هي التي صارت فيّ أم أنا الذي في داخلها. أزيح الرمال تحت قدمي. أنشب أصابعي. الحفرة تزداد. تصطدم الأنامل بالعتبة، أحاول رفعها.

أهبط سلالم السرداب في عمق الظلمة. أتوجس مع كل درجة خشية ألا تجد القدم الدرجة التالية فأهوي.

D 25 حزيران (يونيو) 2012     A أيمن حسين     C 6 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

ياسمينة صالح: تعزية

تهنئة رمضانية

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 73: الليبرالية: ما لها وما عليها

الجمال بين الذاتي والموضوعي