أيمن حسين - مصر
كـرة النـور
هل كنت أنا أم واحد غيري؟ ذلك السائر في ممرات ضيقة بطريق مليء بالمنحنيات والمنحدرات والمصاعد في تلك الليلة المظلمة. ولمن كان ذلك الوجه الذي ألقى بداخلي الخوف لما رأيته يظهر، يطير، يشع كرة من نور تسبح في الفضاء إلى أن يستقر بين كتفين فيصير رجلا. وحدها كانت الدموع تخر، وتنميلة سرت في جسدي، بينما بقي فمي مفتوحاً.
قال: لا تخف، مقدورك أن تتبعني لرحبة مكان ينتظرك، وأناس يشتاقون للقياك.
قلت: منذ متى؟
قال: في عالم الغير، كتب علينا أن ندعوك وعليك أن تلـبّي.
تظل سائراً في البراري وسط ذئاب وكلاب وفئران، تلهث، خلف بريق يلمع أمامك. تكل القدم ويتوجع القلب ويزيغ البصر وتكاد الروح أن تزهق. تفيقك الشمس بلفحتها فتقوم.
قال: فر إلى النور علك تقدر أن تمسك به لما يحين الأوان. لا تعجل. سأكون جوارك، حولك، فوقك. ثق بي وبروحك. لما تصل لبقعة النور المباركة اقبض عليها، ضمها، ادخل فيها وأدخلها فيك.
أنظر أمامي. أرى النور على الجبل العالي يهتز، أرمح إليه، أصعد الجبل، أتدحرج، أعاود المحاولة وبصري معلق به، مشدود إليه.
لم يعد بيني وبين القمة إلا القليل، ترتعش أقدامي، التصق بصخور ملساء، أشد الجسد النازز عرقاً، أزحف، أنزلق. ألف وأدور حول الصخر ة الضخمة. أدوخ لما أهبط ببصري لأسفل. أرتمي. أحس بلهيب الصفعة على خدي فأفيق، وأواصل الصعود.
لما تصل لكتلة النور وتبتلعها، أنشب أصابعك تحت مكانها واحفر حتى تجد السّلمة الأولى ثم اهبط بسلام.
أتشبث بأي بروز لتلك الصخرة الملعونة. أحس بجسدي يكاد ينفق هناك: من يساعدني لأعلى ومن يشد قدمي لأسفل، وأنا بين بين. أرفس من الأسفل. أتلو الفاتحة وآية الكرسي فتتوه الكلمات على لساني، فأبدأ في التلاوة من جديد.
انفض أقدامي. اسمع ارتطاما في القعر البعيد، أواصل الصعود. بصعوبة أحاول الوقوف، أفرد جسمي، أستنشق الهواء.
السماء حولي مليئة بالنجوم أبحث عن كرة النور التي كنت أراها. أجثو على ركبتي. اخبط الأرض بقبضتي وانا أبكي. ارفع كفي للسماء. أرى مولد الهلال.
كرة النور تدور حوله. أدعك عيني. أراها تطير، تسبح في الفضاء، تقترب إلي حيث
أنا واقف. حطّت على كتفي الأيمن فالأيسر. تدور حولي. استقرت بين يدي. أضمها، أقربها إلي شفتي.
لا أدري إن كانت هي التي صارت فيّ أم أنا الذي في داخلها. أزيح الرمال تحت قدمي. أنشب أصابعي. الحفرة تزداد. تصطدم الأنامل بالعتبة، أحاول رفعها.
أهبط سلالم السرداب في عمق الظلمة. أتوجس مع كل درجة خشية ألا تجد القدم الدرجة التالية فأهوي.
3 مشاركة منتدى
كـرة النـور, مهند النابلسي - الأردن | 25 حزيران (يونيو) 2012 - 04:02 1
سرد ممتع يفيض بالديناميكية والحركة المشهدية ، وكأنك تشاهد لقطات فيديو خاطفة لفيلم سينمائي مشوق !
1. كـرة النـور, 25 حزيران (يونيو) 2012, 18:43, ::::: أيمن حسين - مصر
شكرا أستاذ مهند على قرائتك التى شرفت بها لقصتى تقبل مودتى
كـرة النـور, فتحي العكرمي- تونس | 26 حزيران (يونيو) 2012 - 10:30 2
الاخ أيمن . لك الشكر على هذا المجهود ، ما شدّني في المحاولة اضافة للاحداث والقدرة السّرديّة هو الأسئلة التي تمنّيت لو كانت أكثر لأنّ وراء كل سؤال الكثير من الأجوبة وكل منها يتطلّب تأويلا أي تدخّلا فعليّا من القارئ . فكل فكرة أو تصوّر أو قصّة هي نتاج سؤال ما يدفع الى الكتابة التي تصبح بدورها أسئلة . محاولة تستحقّ الشكر . دمت مبدعا
1. كـرة النـور, 26 حزيران (يونيو) 2012, 19:30, ::::: أيمن حسين - مصر
الشكر لك أستاذ فتحى على تحليلك الذى أسعدنى
كـرة النـور, رحاب مليباري _ السعودية | 28 حزيران (يونيو) 2012 - 09:46 3
سرد جميل ومشوق وخيال نابض .. شكرا لك
1. كـرة النـور, 28 حزيران (يونيو) 2012, 19:59, ::::: أيمن حسين - مصر
شكرا أستاذة رحاب على تعليقك